"عندما سقطت القسطل بيد العصابات اليهودية، دفعتنا شهامتنا للدفاع عنها ومساعدة القائد الشهيد عبد القادر الحسيني الذي استعاد القسطل، ورفع علم النصر على القصر. وفي صبيحة اليوم التالي ومنذ ساعات الفجر الأولى كان أفراد العصابات اليهودية يزحفون باتجاه قرية دير ياسين، حيث تناوب الأهالي على حراستها، خوفًا من مهاجمة عصابات الهاجانا والبالماخ وشتيرن. ولكن أبى وآخي أصيبا بقذيفة هاون في رأسهما، ومحمود يصرخ : احتلونا اليهود احتلونا اليهود".

ومع دخول اليهود لدير ياسين بدأ أهالي القرية بالهرب، فهرب " أبو العبد " إلى منزل ابنته تمام فلحق به اليهود، واقتحموا المنزل وذبحوا 27 شخصًا فيه".

وتستذكر الحاجة أم صلاح بعضًا من فصول المجزرة وتقول:

"هنا قتلوا آخي موسى ( 14 عامًا) بعد أن حطموا الباب بقنبلة، وأصبت أنا - وهي تشير إلى يدها- وابنتي مريم في رجلها".

وكانت أم صلاح قد اختبأت ومعها شقيقها موسى في بيت والدها خوفًا من العصابات اليهودية المسلحة التي اقتحمت القرية صبيحة التاسع من نيسان عام 1948م (واليوم أصبح البيت مركز طوارئ لمجانينهم) وتابعت الحاجة أم صلاح كما لو أنها تريد نسيان الذكرى الأليمة: "حاولت افتداء آخي بكل ما أملك، وعرضت 250 ليرة لأحد (الخواجات) استحلفه بالله أن يأخذها، ولا يقتل أخي الذي كان ما يزال طالبًا في المدرسة. أخذها مني ثم أطلق عليه خمس رصاصات، فوقع على الأرض ساجدًا كما لو أنه على هيئة الصلاة".

كانت الصدمة أكبر من أن تتحملها، وقد حاولت أن ترمي بنفسها في بئر أمام بيتها لولا أن أفراد العصابات اليهودية منعوها "يا ليتني رميت نفسي في البئر ولم أر ما حدث".

صعدت أم صلاح لشرفة بيت والدها تعيد ذكرياتها، تستذكر مقتل شقيقها ووالدها، وهي تبكي وتنوح وتقول:

"ليتك لم تشرقي يا شمس الفراق، ليتك لم تشرقي، حانونا يا بلادنا حانونا يا بلادنا، حانونا اجمعينا ومن الغربة يا رب أرحنا".

لكن جدها أعاد لها كرامتها عندما صفع قائد إحدى المجموعات اليهودية على وجهه وبعد كل ذلك تبين بأن بريطانيا هي التي قتلت أهالي دير ياسين.

"جدي إسماعيل عطية - الله يرحمه - من غيظه لمقتل أولاده صفع اليهودي صفعة قوية، وقال له: لقد خنتم العشرة، لقد عاهدتمونا ونقضتم عهدكم. فرد اليهودي: لسنا نحن من فعل بكم ذلك، إنها بريطانيا، ثم أجهز على جدي وألقى به فوق والدي والبقية".

وقفت الحاجة أم صلاح بعد نصف قرن في أحد شوارع قرية دير ياسين تتذكر جدتها آمنة. "جدتي آمنة قتلوها وهي تحمل ابنها على ظهرها، وكانت حفيدتها نزيهة تمسك بيدها في ذلك الحين وعندما رأت اليهود مقبلين لطخت نفسها بالدم ونامت بجانب جدتي آمنة كي يظنوا أنها قتلت أيضا".

وأمام بيت زوجها الذي تحيطه الأعشاب من كل جانب، إلا بالقرب من مدخله، حيث استولت عائلة يهودية مهاجرة عليه وتسكن فيه اليوم، توقفت أم صلاح لتجد قسمًا من بيتهم قد هدم، أصبحت خزانة الحائط خارج البيت، الذي وضعت عليه لافتة تحذيرية من دائرة أراضي إسرائيل تمنع الدخول إليه وتتوعد من يدخله بالمعاقبة، وبينما أم صلاح واقفة أمام بيتها المُهدَّم والأشواك توخز أرجلها تذكرت عائلة الشريف. "عائلة من الخليل من دار الشريف كانوا يسكنون عندنا، هم في بيت ونحن في بيت آخر، قاموا الساعة الثالثة فجرا وكعادتهم فتحوا مخبزهم، أبو حسني وابنه عبد الرؤوف، وكان ذلك لحظة مهاجمة اليهود للقرية، فدخلوا عليهم وهم يخبزون، حملوا الولد عبد الرؤوف ووضعوه في بيت النار!! حاول الوالد الفرار فضربوه قنبلة فخر صريعًا".

http://www.islamonline.net/Arabic/In...rticle94.shtml