عندما كنت طالباً، كان من هواياتي الرياضية - ركوب الخيل وكرة القدم على وجه الخصوص -، وبعد الدراسة عملت في الحقل الرياضي (رعاية الشباب)، فحضرت الدورة الأولمبية في المكسيك عام 1968، وقد شد انتباهي منذ وقتها وحتى الآن حالة الفائزين وهم يتقلدون الميداليات على منصة التتويج، وتلك التعبيرات التي كانت تتجلى على وجوههم في تلك اللحظة، وهم يرون أعلام بلادهم ترتفع، ويسمعون أناشيدهم الوطنية تعزف، فتقفز في عيونهم دموع السعادة، نشوة واعتزازاً لتحقيق ذلك الإنجاز لوطنهم.

وفي صيف هذا العام، شعرت بتلك الانتعاشة الوطنية التي سرت في عروق كل مواطن سعودي مع انطلاقة بطولة كأس العالم في كرة القدم، تشجيعاً واعتزازاً بالمنتخب السعودي الذي تأهل وشارك في البطولة.

ولكن... ما علاقة هذا بعنوان المقال؟! إنه الحب والانتماء للوطن والاعتزاز به، وما أحوجنا الآن إلى إثارة الحديث عن هذا الحب وذلك الاعتزاز، فالمواطن السعودي يواجه اليوم هجمة شرسة هدفها التشكيك في العقيدة والوطنية والهوية، يقودها من الخارج: تيار جارف يهاجم ديننا ويحمل المواطن السعودي (عموماً) مسؤولية الإرهاب، ومن الداخل: يقودها تيار ظلامي يحاول تغيير الهوية السعودية بهوية أممية، حتى أصبح أبناؤنا وبناتنا يلقنون في بعض مدارسنا معاداة الهوية والوطن.

وإذا كان للوطن - كل وطن - في قلوب أبنائه دالة خاصة، مسكونة بمشاعر الولاء، مشحونة بحب لا يدانيه حب، ووفاء ليس كمثله وفاء.. ضعيفاً كان ذلك الوطن أم قوياً، فقيراً كان أم غنياً، فاعلاً في منظومة التطور العالمي، أم راسخاً في أغلال الجمود.

وإذا كان من حق كل إنسان أن يفتخر بوطنه لسبب ما، فإن من حقنا نحن السعوديين أن تشمخ رؤوسنا فخراً دائباً بوطن لا أبالغ إذا قلت بأنه المثل والقدوة للمجتمع الإنساني في عالم مضطرب مزلزل بالخوف. ولا نقصد هنا برفع الرأس الاستعلاء والتكبر - لا سمح الله - فعقيدتنا تنهانا عن ذلك وإنما هو حق المواطنين في الاعتزاز بمنجزات وطنهم التي تحققت بتضافرهم مع قيادتهم، واعتزازهم كذلك بما أكرمهم به الله - سبحانه وتعالى - من خصائص وميزات لم تقدر لسواهم.

فالسعوديون هم الذين أنجزوا - تحت لواء الملك المؤسس - أول مشروع لوحدة عربية ناجحة، وأول دولة عصرية تجعل الشريعة الإسلامية لها دستوراً، وكلمة التوحيد لها راية، ولقد شرفهم الله بأن أسكنهم إلى جوار بيته العتيق ومسجد رسوله الكريم "صلى الله عليه وسلم"، وأكرمهم بخدمة البيتين والحاج والمعتمر.

والسعوديون يفخرون بأنهم على أرض الأصالة العربية التي انطلقت منها شيم الشهامة والشجاعة والكرم العربية إلى أقاصي العالم حاملة الدعوة الإسلامية، وهم اليوم الذين يحملون مشعل المعاصرة نموذجاً لمشروع النهضة العربية المأمولة، مع احتفاظهم بخصوصيتهم الإسلامية في كل المعاهدات والأنظمة والقوانين الدولية، ورفضهم كل ما ترفضه عقيدتهم وقبول كل ما لا يناقضها. ‏‏

‎‎السعوديون حولوا المجتمع الأمي القبلي، الذي كان يتصارع ويتقاتل على الماء والكلأ إلى مجتمع مدني متحضر، يتنافس على الإنجازات الحضارية، حتى أصبحت بلادنا من أكثر بلاد العالم أمناً واستقراراً - سياسياً واقتصادياً واجتماعياً -، ومن أكثر البلاد التي كافحت الإرهاب بنجاح، ومع ذلك فإنه لا يُعرف عندنا - ولله الحمد - تعبير "طارق الفجر"! ‏

‎والسعوديون لديهم اليوم أكبر وأحدث مشروع تنموي لم يسبق له مثيل على كافة الأصعدة، بدءاً بخدمة الدعوة في الداخل والخارج، والتوسع في مشروعات المساجد (كماً وكيفاً)، تتصدرها مشروعات توسعة الحرمين الشريفين. ‏

‎وعلى الصعيد الفكري والثقافي: يشكل هامش حرية التعبير في السعودية حيزاً أكبر منه حتى في تلك الدول التي ترفع راية الديموقراطية والحرية ويمكن اختزال الدلالات في: ‏‏

‎‎أبواب القيادة المفتوحة أمام كل مواطن.

- منتديات الحوار الوطني. ‏‏

- ‎مجلس الشورى ومجالس المناطق والبلديات والغرف التجارية والصناعية وغيرها.

- ‎‎حرية الإعلام: وتتمثل في:

أ‌- ‎ممارسة الصحافة السعودية النقد لكل أجهزة الدولة، وبعض هذه الصحف تحظى بانتشار واسع على المستوى العربي.

ب‌- معظم الفضائيات العربية - الرسمية والأهلية - سعودية (العربية، المجد، الرسالة، ART‎، ‏MBC‎، الأوربت، روتانا) مثالاً، وحتى الفضائيات غير السعودية تبث برامجها بالتوقيت السعودي (مكة المكرمة)، وإعلاناتها ودعاياتها (جميعاً) موجهة للسوق السعودي.

‎‎ج- أكد لي الأخ عبدالعزيز العبيكان صاحب دار العبيكان للنشر بأن السوق الثقافي السعودي يستهلك وحده 50% من توزيع أشهر الكتب العربية.

** وفي مجال التعليم: حجم الإنفاق على تطوير التعليم يترجمه أكثر من مثل لعل أهمها: تضاعف عدد الجامعات في عام واحد، واعتماد آلاف الملايين لآلاف المنشآت التعليمية. وتعتبر جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية ومركز أبحاثها من أكبر وأحدث الجامعات والمراكز العالمية.

** وفي مجال المشروعات الخدمية: في السعودية الآن أكبر وأحدث: المستشفيات والمراكز الصحية، "شبكات الطرق، الإسكان الشعبي، تحلية مياه البحر ورفعها"... إلخ

** وفي المجال الاقتصادي: تمثل السعودية أكبر بورصات الشرق الأوسط، وتبلغ قوة اقتصادها حد التأثير على أقوى العملات العالمية، كما تأتي مدينة الملك عبدالله الاقتصادية في رابغ واحدة من أكبر وأحدث مدن الاقتصاد في العالم.

** السعوديون بشهادة تقرير الأمم المتحدة للتنمية البشرية من أكثر المجتمعات العربية وأسرعها نمواً في مجالات تعليم المرأة وعملها.

* السعوديون حافظوا على الحرية الاقتصادية في التجارة وتحويل الأموال من المملكة وإليها، خلافاً لما هو متبع في أكثر بلاد العالم حتى المتقدمة منها، ويتمتعون اليوم بموقع اقتصادي عالمي متميز، فلقد نشرت إحدى الصحف مؤخراً أن السعودية أكثر الدول العربية جاذبية للاستثمار وحققت المرتبة الـ38 عالمياً بين 157 دولة، كما أن السعودية اختيرت من قِبل صندوق النقد الدولي مع كل من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي واليابان لدراسة معالجة الاقتصاد العالمي المتراجع.

* السعوديون ينعمون بقيادة حكيمة في سياساتها الخارجية والداخلية، ففي الخارج أصبحت تعرف بعقل العالم العربي، وداخلياً بقلب التنمية النابض بالحركة، الذي يستخدم السلطة لخدمة المواطن ورفاهيته وليس لقمعه، ولا أدل على ذلك من ريادتها للمبادرات التنموية الجريئة التي تستدعيها أن تسحب بعض فئات المجتمع معها في بعض الأحيان.

* ‎‎(السعودية بينت أن حدودها تمتد إلى حيث يكون الإنسان) تصريح لمفتي زحلة والبقاع في صحيفة الوطن يوم أمس.

* ‎وهذا مجرد غيض من فيض للأمثلة والدلالات والمبررات التي تعطي المواطن السعودي الحق في الافتخار والاعتزاز بوطنه وهويته، وبما أن عبارة "ارفع رأسك أنت سعودي" اختيرت لتكون شعاراً لملتقى أبها 1428هـ - إن شاء الله -، فإنني أطرح الفكرة للمناقشة، من قِبل الباحثين وكافة أطياف المجتمع المهتمين بالهوية الوطنية، وما تواجهه من محاولات - ظاهرة وباطنة - للتشكيك فيها، ومقدراً لكل من قرأ هذا المقال وتحمس للمشاركة


http://www.alwatan.com.sa/daily/2006-09-10/readers.htm