النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: سلسلة التعرف على الصحابة ( الجزء الاول )

  1. #1
    عضو نشيط جدا
    تاريخ التسجيل
    Dec 2003
    المشاركات
    466

    سلسلة التعرف على الصحابة ( الجزء الاول )



    زيد ابن ثابت و زيد ابن حارثة
    زيد بن ثابت



    جامع القرآن



    اذا حملت المصحف بيمينك, واستقبلته بوجهك, ومضيت تتأنق في روضاته اليانعات, سورة سورة, وآية آية, فاعلم أن من بين الذين يدينونك بالشكر والعرفان على هذا الصنع العظيم, رجل كبير اسمه: زيد بن ثابت...!!

    وان وقائع جمع القرآن في مصحف, لا تذكر الا ويذكر معها هذا الصحابي الجليل..

    وحين تنثر زهور التكريم على ذكرى المباركين الذين يرجع اليهم فضل جمع القرآن وترتيبه وحفظه, فان حظ زيد بن ثابت من تلك الزهور, لحظ عظيم..



    **



    هو أنصاري من الدينة..

    وكان سنّه يوم قدمها النبي صلى الله عليه وسلم مهاجرا, احدى عشرة سنة, وأسلم الصبي الصغير مع المسلمين من أهله, وبورك بدعوة من الرسول له..

    وصحبه آباؤه معهم الى غزوة بدر, لكن رسول الله ردّه لصغر سنه وحجمه, وفي غوزوة أحد ذهب مع جماعة من اترابه الى الرسول يحملون اليه ضراعتهم كي يقبلهم في أي مكان من صفوف المجاهدين..

    وكان أهلوهم أكثر ضراعة والحاحا ورجاء..

    ألقى الرسول على الفرسان الصغار نظرة شاكرة, وبدا كأنه سيعتذر عن تجنيدهم في هذه الغزوة أيضا..

    لكن أحدهم وهو رافع بن خديج, تقدم بين يدي رسول الله, يحمل حربة, ويحركها بيمينه حركات بارعة,وقال للرسول عليه الصلاة والسلام:

    " اني كما ترى رام, أجيد الرمي فأذن لي"..

    وحيا الرسول هذه البطولة الناشئة, النضرة, بابتسامة راضية, ثم أذن له..

    وانتفضت عروق أتلاتبه..

    وتقد ثانيهم وهو سمرة بن جندب, وراح يلوّح في أدب بذراعيه المفتولين, وقال بعض اهله للرسول:

    " ان سمرة يصرع رافعا"..

    وحيّاه الرسول بابتسامته الحانية, وأذن له..



    كانت سن كل من رافع وسمرة قد بلغت الخامسة عشرة, الى جانب نموهما الجسماني القوي..

    وبقي من الأتراب ستة أشبال, منهم زيد بن ثابت, وعبدالله بن عمر..

    ولقد راحوا يبذلون جهدهم وضراعتهم بالرجاء تارة, وبالدمع تارة, وباستعراض عضلاتهم تارة..

    لكن أعمارهم كانت باكرة, وأجسامهم غضة, فوعدهم الرسول بالغزوة المقبلة..

    بدأ زيد مع اخزانه دوره كمقاتل في سبي لالله بدءا من غزوة الخندق, سنة خمس من الهجرة.



    كانت شخصيته المسلمة المؤمنة تنمو نموّا سريعا وباهرا, فهو لم يبرع كمجاهد فحسب, بل كمثقف متنوع المزايا أيضا, فهو يتابع القرآن حفظا, ويكتب الوحي لرسوله, ويتفوق في العلم والحكمة, وحين يبدأ رسول الله في ابلاغ دعوته للعالم الخارجي كله, وارسال كتبه لملوك الأرض وقياصرتها, يأمر زيدا أن يتعلم بعض لغاتهم فيتعلمها في وقت وجيز..

    وهكذا تألقت شخصية زيد بن ثابت وتبوأ في المجتمع مكانا عليّا, وصار موضع احترام المسلمين وتوقيرهم..

    يقول الشعبي:

    " ذهب زيد بن ثابت ليركب, فأمسك ابن عباس بالرّكاب.

    فقال له زيد: تنحّ يا ابن عم رسول الله.. فأجابه ابن عباس: لا, هكذا نصنع بعلمائنا"..

    ويقول قبيصة:

    " كان زيدا رأسا بالمدينة في القضاء, والفتوى والقراءة, والفرائض"..

    ويقول ثابت بن عبيد:

    " ما رأيت رجلا أفكه في بيته, ولا أوقر في مجلسه من زيد".

    ويقول ابن عباس:

    " لقد علم المحفوظن من أصحاب محمد أن زيد بن ثابت كان من الراسخين في العلم"..

    ان هذه النعوت التي يرددها عنه أصحابه لتزيدنا معرفة بالرجل الذي تدّخر له المقادير شرف مهمة من أنبل المهام في تاريخ الاسلام كله..

    مهمة جمع القرآن..



    **



    منذ بدأ الوحي يأخذ طريقه الى رسول الله ليكون من المنذرين, مستهلا موكب القرآن والدعوة بهذه الآيات الرائعة..

    ( اقرأ باسم ربك الذي خلق, خلق الانسان من علق, اقرأ وربك الأكرم, الذي علم بالقلم, علم الانسان ما لم يعلم)..

    منذ تلك البداية, والوحي يصاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام, ويخف اليه كلما ولّى وجهه شطر الله راجيا نوره وهداه..

    وخلال سنوات الرسالة كلها, حيث يفرغ النبي من غزوة ليبدأ بأخرى, وحيث يحبط مكيدة وحربا, ليواجه خصومة بأخرى, وأخرى. وحيث يبني عالما جديدا بكل ما تحمله من الجدّة من معنى..



    كان الوحي يتنزل, والرسول يتلو, ويبلّغ, وكان هناك ثلة مباركة تحرّك حرصها على القرآن من أول يوم, فراح بعضهم يحفظ منه ما استطاع, وراح البعض الآخر ممن يجيدون الكتابة, يحتفظون بالآيات مسطورة.

    وخلال احدى وعشرين سنة تقريبا, نزل القرآن خلالها آية آية, أو آيات, تلو آيات, ملبيا مناسبات النزول وأسبابها, كان أولئك الحفظة, والمسجلون, يوالون عملهم في توفيق من الله كبير..

    ولم يجيء القرآن مرة واحدة وجكلة واحدة, لأنه ليس كتابا مؤلفا, ولا موضوعا.

    انما هو دليل أمة جديدة تبني على الطبيعة, لبنة لبنة, ويوما يوما, تنهض عقيدتها, ويتشكل قلبها, وفكرها, وارادتها وفق مشيئة الهية, لا تفرض نفسها من عل, وانما تقود التجربة البشرية لهذه الأمة في طريق الاقتناع الكامل بهذه المشيئة..

    ومن ثمّ, كان لا بد للقرآن أن يجيء منجّما, ومجرأ, ليتابع التجربة في سيرها النامي, ومواقفها المتجددة. وأزماتها المتصديّة.

    توافر الحفاظ, والكتبة, كما ذكرنا من قبل, على حفظ القرآن وتسجيله,وكان على رأسهم علي ابن ابي طالب, وأبيّ بن كعب, وعبدالله ابن مسعود, وعبدالله بن عباس, وصاحب الشخصية الجليلة التي نتحدث عنها الآن زيد بن ثابت رضي الله عنهم أجمعين..



    **



    وبعد أن تمّ نزولا, وخلال الفترة الأخيرة من فترات تنزيله, كان الرسول يقرؤه على المسلمين.. مرتبا سوره وآياته.

    وبعد وفاته عليه الصلاة والسلام شغل المسلمون من فورهم بحروب الردّة..

    وفي معركة اليمامة.. التي تحدثنا عنها من قبل خلال حديثنا عن خالد بن الوليد وعن زيد بن الخطاب كان عدد الشهدا من قرّاء القرآن وحفظته كبيرا.. فما كادت نار الردّة تخبو وتنطفئ حتى فزع عمر الى الخليفة أبي بكر رضي الله عنهما راغبا اليه في الحاح أن يسارعوا الى جمع القرآن قبلما يدرك الموت والشهادة بقية القرّاء والحفاظ.

    واستخار الخليفة ربه.. وشاور صحبه.. ثم دعا زيد بن ثابت وقال له:

    " انك شاب عاقل لا نتهمك".

    وأمره أن يبدأ بجمع القرآن الكريم, مستعينا بذوي الخبرة في هذا الموضوع..

    ونهض زيد بالعمل الذي توقف عليه مصير الاسلام كله كدين..!

    وأبلى بلاء عظيما في انجاز أشق المهام وأعظمها, فمضى يجمع الآيات والسور من صدور الحفاظ, ومن مواطنها المكتوبة, ويقبابل, ويعارض, ويتحرّى, حتى جمع القرآن مرتبا ومنسقا..

    ولقد زكّى عمله اجماع الصحابة رضي الله عنهم الذين عاشوا يسمعونه من رسولهم صلى الله عليه وسلم خلال سنوات الرسالة جميعها, لا سيّما العلماء منهم والحفاظ والكتبة..

    وقال زيد وهو يصوّر الصعوبة الكبرى التي شكلتها قداسة المهمة وجلالها..

    " والله لو كلفوني نقل جبل من مكانه, لكان أهون عليّ مما أمروني به من جمع القرآن"..!!

    أجل..

    فلأن يحمل زيد فوق كاهله جبلا, أو جبالا, أرضى لنفسه من أن يخطئ أدنى خطأ, في نقل آية أو اتمام سورة..

    كل هول يصمد له ضميره ودينه.. الا خطأ كهذا مهما يكن ضعيفا وغير مقصزد..

    ولكن توفيق الله كان معه, كان معه كذلك وعده القائل:

    ( انا نحن نزلنا الذكر وان له لحافظون)..

    فنجح في مهمته, وأنجز على خير وجه مسؤوليته وواجبه.



    **



    كانت هذه هي المرحلة الأولى في جمع القرآن..

    بيد أنه جمع هذه المرة مكتوبا في أكثر من مصحف..



    وعلى لرغم من أن مظاهر التفاوت والاختلاف بين هذه المصاحف كانت شكلية, فان التجربة أكّدت لأصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام وجوب توحيدها جميعها في مصحف واحد.

    ففي خلافة عثمان رضي الله عنه, والمسلمون يواصلون فتوحاتهم وزحوفهم, مبتعدين عن المدين, مغتربين عنها..

    في تلك الأيام, والاسلام يستقبل كل يوم أفواجا تلو أفواج من الداخلين فيه, المبايعين اياه, ظهر جليّا ما يمكن أن يفضي اليه تعدد المصاحف من خطر حين بدأت الألسنة تختلف على القرآن حتى بين الصحابة الأقدمين والأولين..

    هنالك تقدم الى الخليفة عثمان فريق من الأصحاب رضي الله عنهم على رأسهم حذيفة بن اليمان مفسرين الضرورة التي تحتم توحيد المصحف..



    واستخار الخليفة ربه وشاور صحبه..

    وكما استنجد أبو بكر الصديق من قبل بزيد بن ثابت, استنجد به عثمان أيضا..

    فجمع زيد أصحابه وأعوانه, وجاؤوا بالمصاحف من بيت حفصة بنت عمر رضي الله عنها, وكانت محفوظة لديها, وباشر ويد وصحبه مهمتهم العظيمة الجليلة..

    كان كل الذين يعونون زيدا من كتاب الوحي, ومن حفظة القرآن..

    ومع هذا فما كانوا يختلفون , وقلما كانوا يختلفون, الا جعلوا رأي زيد وكلمته هي الحجة والفيصل.



    **



    والآن نحن نقرأ القرآن العظيم ميسّرا, أو نسمعه مرتلا, فان الصعوبات الهائلة التي عاناها الذين اصطنعهم الله لجمعه وحفظه لا تخطر لنا على بال..!!

    تماما مثل الأهوال التي كابدوها, والأرواح التي بذلوها, وهم يجاهدون في سبيل الله, ليقرّوا فوق الأرض دينا قيّما, وليبددوا ظلامها بنوره المبين



    --------------------------------
    زيد بن حارثة



    لم يحبّ حبّه أحد



    وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم يودع جيش الاسلام الذاهب لملاقاة الروم في غزوة مؤتة ويعلن أسماء أمراء الجيش الثلاثة, قائلا:

    " عليكم زيد بن حارئة.. فان أصيب زيد فجعفر بن أبي طاب.. فان أصيب جعفر, فعبدالله بن رواحة".

    فمن هو زيد بن حارثة"..؟؟

    من هذا الذي حمل دون سواه لقب الحبّ.. حبّ رسول الله..؟

    أما مظهره وشكله, فكان كما وصفه المؤرخون والرواة:

    " قصير, آدم, أي أسمر, شديد الأدمة, في أنفه فطس"..

    أمّا نبؤه, فعظيم جدّ عظيم..!!





    **



    أعدّ حارثة أبو زيد الراحلة والمتاع لزوجته سعدى التي كانت تزمع زيارة أهلها في بني معن.

    وخرج يودع زوجته التي كانت تحمل بين يديها طفلهما الصغير زيد بن حارثة, وكلما همّ أن يستودعهما القافلة التي خرجت الزوجة في صحبتها ويعود هو الى داره وعمله, ودفعه حنان خفيّ وعجيب لمواصلة السير مع زوجته وولده..

    لكنّ الشقّة بعدت, والقافلة أغذّت سيرها, وآن لحارثة أن يودّع الوليد وأمّه, ويعود..

    وكذا ودّعهما ودموعه تسيل.. ووقف طويلا مسمرا في مكانه حتى غابا عن بصره, وأحسّ كأن قلبه لم يعد في مكانه.. كأنه رحل مع الراحلين..!!



    **



    ومكثت سعدى في قومها ما شاء الله لها أن تمكث..

    وذات يوم فوجئ الحيّ, حي بني معن, باحدى القبائل المناوئة له تغير عليه, وتنزل الهزيمة ببني معن, ثم تحمل فيما حملت من الأسرى ذلك الطفل اليفع, زيد بن حارثة..

    وعادت الأم الى زوجها وحيدة.

    ولم يكد حارثة يعرف النبأ حتى خرّ صعقا, وحمل عصاه على كاهله, ومضى يجوب الديار, ويقطع الصحارى, ويسائل القبائل والقوافل عن ولده وحبّة قلبه زيد, مسايّا نفسه, وحاديا ناقته بهذا الشعر الذي راح ينشده من بديهته ومن مآقيه:

    بكيت على زيد ولم ادر ما فعل

    أحيّ فثرجى؟ أم أتى دونه الأجل

    فوالله ما أدري, واني لسائل

    أغالك بعدي السهل؟ أم غالك الجبل



    تذكرينه الشمس عنج طلوعها

    وتعرض ذكراه اذا غربع\ها أفل

    وان هبّت الأرواح هيّجن ذكره

    فيا طول حزني عليه, ويا وجل



    **



    كان الرّق في ذلك الزمان البعيد يفرض نفسه كظرف اجتماعي يحاول أن يكون ضرورة..

    كان ذلك في أثينا, حتى في أزهى عصور حريّتها ورقيّها..

    وكذلك كان في روما..

    وفي العالم القديم كله.. وبالتالي في جزيرة العرب أيضا..

    وعندما اختطفت القبيلة المغيرة على بني معن نصرها, وعادت حاملة أسراها, ذهبت الى سوق عكاظ التي كانت منعقدة أنئذ, وباعوا الأسرى..



    ووقع الطفل زيد في يد حكيم بن حزام الذي وهبه بعد أن اشتراه لعمته خديجة.

    وكانت خديجة رضي الله عنها, قد صارت زوجة لمحمد بن عبدالله, الذي لم يكن الوحي قد جاءه بعد. بيد أنه كان يحمل كل الصفات العظيمة التي أهلته بها الأقدار ليكون غدا من المرسلين..



    ووهبت خديجة بدورها خادمها زيد لزوجها رسول اله فتقبله مسرورا وأعتقه من فوره,وراح يمنحه من نفسه العظيمة ومن قلبه الكبير كل عطف ورعاية..

    وفي أحد مواسم الحج. التقى تفر من حيّ حارثة بزيد في مكة, ونقلوا اليه لوعة والديه, وحمّلهم زيد سلامه وحنانه وشوقه لأمه وأبيه, وقال للحجّاج من قومه"

    " أخبوا أبي أني هنا مع أكرم والد"..



    ولم يكن والد زيد يعلم مستقر ولده حتى أغذّ السير اليه, ومعه أخوه..

    وفي مكة مضيا يسألان عن محمد الأمين.. ولما لقياه قالا له:

    "يا بن عبدالمطلب..

    يا لن سيّد قومه, أنتم أهل حرم, تفكون العاني, وتطعمون الأسير.. جئناك في ولدنا, فامنن علينا وأحسن في فدائه"..

    كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم تعلق زيد به, وكان في نفس الوقت يقدّر حق ابيه فيه..



    هنالك قال حارثة:

    "ادعوا زيدا, وخيّروه, فان اختاركم فهو لكم بغير فداء.. وان اختارني فوالله ما أنا بالذي أختار على من اختارني فداء"..!!

    وتهلل وجه حارثة الذي لك يكن يتوقع كل هذا السماح وقال:

    " لقد أنصفتنا, وزدتنا عن النصف"..

    ثم بعث النبي صلى الله عليه وسلم الى زيد, ولما جاء سأله:

    " هل تعرف هؤلاء"..؟

    قال زيد: نعم.. هذا أبي.. وهذا عمّي.

    وأعاد عليه الرسول صلى الله عليه وسلم ما قاله لحارثة.. وهنا قال زيد:

    " ما أنا بالذي أختار عليك أحدا, أنت الأب والعم"..!!

    ونديت عينا رسول الله بدموعشاكرة وحانية, ثم أمسك بيد زيد, وخرج به الى فناء الكعبة, حيث قريش مجتمعة هناك, ونادى الرسول:

    " اشهدوا أن زيدا ابني.. يرثني وأرثه"..!!

    وكاد قلب حارثة يطير من الفرح.. فابنه لم يعد حرّا فحسب, بل وابنا للرجل الذي تسمّيه قريش الصادق الأمين سليل بني هاشم وموضع حفاوة مكة كلها..

    وعاد الأب والعم الى قومهما, مطمئنين على ولدهما والذي تركاه سيّدا في مكة, آمنا معافى, بعد أن كان أبوه لا يدري: أغاله السهل, أم غاله الجبل..!!



    **



    تبنّى الرسول زيدا.. وصار لا يعرف في مكة كلها الا باسمه هذا زيد بن محمد..

    وفي يوم باهر الشروق, نادى الوحي محمدا:

    ( اقرأ باسم ربك الذي خلق, خلق الانسان من علق, اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم, علّم الانسان ما لك يعلم)...

    ثم تتابعت نجاءاته وكلماته:

    ( يا أيها المدثر , قم فأنذر, وربّك فكبّر)...

    (يا أيها الرسول بلّغ ما أنزل اليك من ربك, وان لم تفعل فما بلّغت رسالته, والله يعصمك من الناس, ان الله لايهدي القوم الكافرين)...

    وما ان حمل رسول الله صلى الله عليه وسلم تبعة الرسالة حتى كان زيد ثاني المسلمين.. بل قيل انه كان أول المسلمين...!!



    **



    أحبّه رسول الله صلى الله عليه وسلم حبا عظيما, وكان بهذا الحب خليقا وجديرا.. فوفاؤه الذي لا نظير له, وعظمة روحه, وعفّة ضميره ولسانه ويده...

    كل ذلك وأكثر من ذلك كان يزين خصال زيد بن حارثة أو زيد الحبّ كما كان يلقبه أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام..

    تقول السيّدة عائشة رضي الله عنها:

    " ما بعث الرسول صلى الله عليه وسلم في جيش قط الا أمّره عليهم, ولو بقي حيّا بعد رسول الله لاستخلفه...

    الى هذا المدى كانت منزلة زيد عند رسول الله صلى الله عليه وسلم..

    فمن كان زيد هذا..؟؟

    انه كما قلنا ذلك الطفل الذي سبي, ثم بيع, ثم حرره الرسول وأعتقه..

    وانه ذلك الرجال القصير, الأسمر, الأفطس الأنف, بيد أنه أيضا ذلك الانسان الذي" قلبه جميع وروحه حر"..

    ومن ثم وجد له في الاسلام, وفي قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلى منزلة وأرفع مكان, فلا الاسلام ولا رسوله من يعبأ لحظه بجاه النسب, ولا بوجاهة المظهر.

    ففي رحاب هذا الدين العظيم, يتألق بلال, ويتألق صهيب, ويتألق عمار وخبّاب وأسامة وزيد...

    يتألقون جميعا كأبرا, وقادة..

    لقد صحح الاسلام قيم الاسلام, قيم الحياة حين قال في كتابه الكريم:

    ( انّ أكرمكم عند الله أتقاكم)...

    وفتح الأبواب والرحاب للمواهب الخيّرة, وللكفايات النظيفة, الأمينة, المعطية..

    وزوّج رسول الله صلى الله عليه وسلم زيدا من ابنة عمته زينب, ويبدو أن زينب رضي الله عنها قد قبلت هذا الزواج تحت وطأة حيائها أن ترفض شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم, أو ترغب بنفسها عن نفسه..

    ولكن الحياة الزوجية أخذت تتعثر, وتستنفد عوامل بقائها, فانفصل زيد عن زينب.

    وحمل الرسول صلى الله عليه وسلم مسؤوليته تجاه هذا الزواج الذي كان مسؤولا عن امضائه, والذي انتهى بالانفصال, فضمّ ابنة عمته اليه واختارها زوجة له, ثم اختار لزيد زوجة جديدة هي أم كلثوم بنت عقبة..



    وذهب الشنئون يرجفون المدينة: كيف يتزوّج محمد مطلقة ابنه زيد؟؟

    فأجابهم القرآن مفرّقا بين الأدعياء والأبنياء.. بين التبني والبنّوة, ومقررا الغاء عادة التبني, ومعلنا:

    ( ما كان محمد أبا أحد من رجالكم, ولكن رسول الله, وخاتم النبين).

    وهكذا عاد لزيد اسمه الأول:" زيد بن حارثة".



    **



    والآن..

    هل ترون هذه اقوات المسلمة الخارجة الى معارك, الطرف, أو العيص, وحسمي, وغيرها..

    ان أميرها جميعا, هو زيد بن حارثة..

    فهو كما سمعنا السيدة عائشة رضي الله عنها تقول:" لم يبعثه النبي صلى الله عليه وسلم في جيش قط, الا جعله أميرا هلى هذا الجيش"..



    حتى جاءت غزوة مؤتة..

    كان الروم بأمبراطوريتهم الهرمة, قد بدأوا يوجسون من الاسلام خيفة..بل صاروا يرون فيها خطرا يهدد وجودهم, ولا سيما في بلاد الشام التي يستعمرونها, والتي تتاخم بلاد هذا الدين الجديد, المنطلق في عنفوان واكتساح..

    وهكذا راحوا يتخذون من الشام نقطة وثوب على الجزيرة العربية, وبلاد الاسلام...



    **



    وأدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم هدف المناوشات التي بدأها الروم ليعجموا بها عود الاسلام, فقرر أن يبادرهم, ويقنعهم بتصميم الاسلام الى أرض البلقاء بالشام, حتى اذا بلغوا تخومها لقيتهم جيوش هرقل من الروم ومن القبائل المستعربة التي كانت تقطن الحدود..

    ونزل جيش الروم في مكان يسمّى مشارف..

    في حين نزل جيش الاسلام يجوار بلدة تسمّى مؤتة, حيث سمّيت الغزوة باسمها...



    **



    كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدرك أهمية هذه الغزوة وخطرها فاختار لها ثلاثة من الرهبان في الليل, والفرسان في النهار..

    ثلاثة من الذين باعوا أنفسهم لله فلم يعد لهم مطمع ولا أمنية الا في استشهاد عظيم يصافحون اثره رضوان الله تعالى, ويطالعون وجهه الكريم..

    وكان هؤلاء الثلاثة وفق ترتيبهم في امارة الجيش هم:

    زيد بن حارثة,

    جعفر بن أبي طالب,

    عبدالله بن رواحة.

    رضي الله عنهم وأرضاهم, ورضي الله عن الصحابوة أجمعين...

    وهكذا رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما وقف يودّع الجيش يلقي أمره السالف:

    " عليكم زيد بن حارثة..

    فان أصيب زيد, فجعفر بن أبي طالب,...

    فان أصيب جعفر, فعبدالله بن رواحة"...

    وعلى الرغم من أن جعفر بن أبي طالب كان من أقرب الناس الى قلب ابن عمّه رسول الله صلى الله عليه وسلم..

    وعلى الرغم من شجاعته, وجسارته, وحسبه ونسبه, فقد جعله رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمير التالي لزيد, وجعل زيدا الأمير الأول للجيش...

    وبمثل هذا, كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقرر دوما حقيقة أن الاسلام دين جديد جاء يلغي العلاقات الانسانية الفاسدة, والقائمة على أسس من التمايز الفارغ الباطل, لينشئ مكانها علاقات جديدة, رشيدة, قوامها انسانية الانسان...!!



    **



    ولكأنما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ غيب المعركة المقبلة حين وضع امراء الجيش على هذا الترتيب: زيد فجعفر, فابن رواحة.. فقد لقوا ربّهم جميعا وفق هذا الترتيب أيضا..!!



    ولم يكد المسلمون يطالعون جيش الروم الذي حزروه بمائتي ألف مقاتل حتى أذهلهم العدد الذي لم يكن لهم في حساب..

    ولكن متى كانت معارك الايمان معارك كثرة..؟؟

    هنالك أقدموا ولم يبالوا.. وأمامهم قائدهم زيد حاملا راية رسول الله صلى الله عليه وسلم, مقتحما رماح العدو زنباله وسيوفه, لا يبحث عن النصر, بقدر ما يبحث عن المضجع الذي ترسو عنده صفقته مع الله الذي اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة.

    لم يكن زيد يرى حواليه رمال البلقاء, ولا جيوش الروم بل كانت روابي الجنة, ورفرفها الأخضر, تخفق أمام عينيه كالأعلام, تنبئه أن اليوم يوم زفافه..

    وكان هو يضرب, ويقاتل, لا يطوّح رؤوس مقاتليه, انما يفتح الأبواب, ويفضّ الأغلاق التي تحول بينه وبين الباب الكبير الواسع, الي سيدلف منه الى دار السلام, وجنات الخلد, وجوار الله..



    وعانق زيد مصيره...

    وكانت روحه وهي في طريقها الى الجنة تبتسم محبورة وهي تبصر جثمان صاحبها, لا يلفه الحرير الناعم, بل يضخّمه دم طهور سال في سبيل الله..

    ثم تتسع ابتساماتها المطمئنة الهانئة, وهي تبصر ثاني الأمراء جعفرا يندفع كالسهم صوب الراية ليتسلمها, وليحملها قبل أن تغيب في التراب....





    __________________
    http://www.rasoulallah.net




  2. السلام عليكم
    جزاك الله خيراً اخي الكريم

    ولكن يرجى تعديل هذا الخطأ بالآية الكريمة:
    ( يا أيها الكدثر, قم فأنذر, وربّك فكبّر)...
    كلمة المدثر

    وأيضاً
    تقول السيّدة عائشة رضي الله عنها:

    " ما بعث الرسول صلى الله عليه وسلم في جيش قط الا أمّره عليهم, ولو بقي حيّا بعد رسول اللهلاستخلفه...
    الكلمة: رسول الله لاستخلفه






  3. #3
    عضو نشيط جدا
    تاريخ التسجيل
    Dec 2003
    المشاركات
    466


    شكرا لك وتم تعديل الاخطاء الغير مقصودة





    __________________
    http://www.rasoulallah.net



  4. جازكم الله خير الله يبارك فيك اخي العزيز وكثر من امثالك

    ربي يكتب لك الاجر كاملاً ويصلح حالك وحاولك قدار ومقتدر





    __________________
    أنشئ البوم لصورك وشاركها في موقعك صور TNT


    expertsniper - Fast سابقاً





ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  

أضف موقعك هنا| اخبار السيارات | حراج | شقق للايجار في الكويت | بيوت للبيع في الكويت | دليل الكويت العقاري | مقروء | شركة كشف تسربات المياه | شركة عزل اسطح بالرياض | عزل فوم بالرياض| عزل اسطح بالرياض | كشف تسربات المياة بالرياض | شركة عزل اسطح بالرياض