اكتشف المغاربة صدفة أن تاريخهم يتعرض لأكبر حيف من أقرب الأصدقاء، فقد تساءلت سائحة اسبانية كانت زارت مدينة شفشاون شمال البلاد والتقطت صورة لطفلة بشعر أشقر، إن كانت هي الطفلة البريطانية المفقودة مادلين ماكان. ومصدر ذلك أنها فوجئت بملامح الطفلة غير السمراء فيما كانت تعتقد بأن المغاربة جميعاً من ذوي البشرة السمراء. وغاب عنها أن ابن خلدون كان يصف المغاربة بخصائص ثلاث: حلق الرؤوس ولبس البرنوص وأكل الكسكس، لكنه لم يتحدث مرة عن ألوانهم، طالما أن الرومان والوندال والبزنطيين عمّروا طويلاً في البلاد عبر حقب تاريخية تراوحت بين سطوة الدولة وأفولها. والثابت أن حضارات إسلامية وعربية وأفريقية وأمازيغية انصهرت في مكونات الهوية المغربية، لذلك فقد تجد المغربي الأسمر أو ذي البشرة السوداء، كما تجد الأشقر، والطويل والقصير وذوي القامات المختلفة.
السائحة الاسبانية فجّرت قضية كان محورها الطفلة مادلين ماكان حين زعمت أنها وجدتها في شفشاون، وزاد في تعقيد الموقف أن سائحة أخرى نُقل عنها القول انها سمعت طفلة شقراء تسأل مرافقها الأسمر في أحد أزقة مراكش: متى ستلتقي بأمها. ومصدر الدهشة عند السائحة أن الطفلة كانت تتحدث باللغة الانكليزية، ما جعلها تستحضر حكاية الطفلة البريطانية المفقودة. وعندما زار والد الطفلة مادلين المغرب نتيجة توارد الأخبار حول إمكان العثور عليها مختطفة في المغرب، طمأنه وزير الداخلية المغربي شكيب بن موسى الى أن المغرب سيتعاون من أجل العثور على فلذة كبده.
بعد بضعة أشهر على ذلك اللقاء تحوّلت قرية صغيرة عند سفوح جبال الريف، وتحديداً في الطريق بين تطوان وشفشاون عبر منعرجات وعرة المسالك، الى مركز استقطاب للإعلام والديبلوماسية بسبب ما تردد من أن الطفلة مادلين هي نفسها التي كانت السائحة الاسبانية التقطت لها صورة وهي على ظهر إمرأة. غير أن تلك المرأة لم تكن غير والدة بشرى بن عيسى التي حملت ابنتها على ظهرها، كما في تقاليد القرويات.
لكن قرية الزينات في منطقة بن قريش الهادئة أصبحت تستقبل الغرباء كل يوم، هناك من يريد التقاط صورة نادرة لمادلين الافتراضية وهناك من يسعى إلى تفكيك لغز وهمي حول وجودها هناك، مع أن الأمر بكل بساطة ان بشرى طفلة مغربية تتحدث الدارجة بلكنة شمالية وتحن الى والدها أحمد بن عيسى الذي أصبح يتملكه الرعب من احتمال ان تتعرض ابنته الى الاختطاف.
الرباط - محمد الأشهب الحياة - 29/09/07