لطالما كانت قضية الألغام المدفونة تحت الأرض في كثير من الدول بمثابة الصداع الأزلي للحكومات نظرًا لتسببها في زهق أرواح بشرية لا ذنب لها، إضافة إلى تضييع رقع كبيرة من الأراضي دون جدوى أو استخدام، ولطالما كانت أيضًا بمثابة القنبلة الموقوتة زمنيًا للعديد من فرق الاستكشاف والخبراء الذين كانوا يغامرون بحياتهم في محاولات للكشف عن المناطق المحشوة بالألغام، لكن معظمها عادة ما كان يرتبط بقائمة طويلة من الضحايا سواء البشرية أم المادية.
ومع تطور الحياة كان لا بد لسلاح التكنولوجيا الحديثة أن يدلو بدلوه في هذا المجال وهو ما تحقق بالفعل بعد أن أعلن باحث يدعي استيلي كيمبين من جامعة ستيلينبوسك في جنوب إفريقيا أنه تمكن بمساعدة فريق من الباحثين من تصميم مزرعة من التبغ يمكنها الكشف عن الألغام والمتفجرات المدفونة تحت سطح الأرض منذ عقود زمنية طويلة.
وتعتمد الاستراتيجية التكنولوجية التي كشف عنها استيلي علي نوعيه معينة من نبات التبغ المعدل وراثيًا والذي يحتوي بداخله علي الجين الذي يمنح الصبغة الحمراء للطماطم والتفاح، وهو الجين نفسه الذي يؤدي دورًا في الكشف عن الألغام، فبمجرد أن تكتشف جذور التبغ اوكسيد النيتروجين الذي يتسرب من الألغام، تتحول أوراق التبغ الخضراء إلي حمراء في غضون 10 أسابيع، وبهذا يسهل تحديد المناطق المحشوة بالألغام.

وفي هذا الإطار قال استيلي :" سيكون الأمر في غاية الوضوح وستظهر بشكل جلي المناطق الملغمة لأن المزارع سيتحول لونها آنذاك إلى اللون الأحمر. كما ستبين المزارع ما إذا كانت المنطقة قد تم إخلاؤها من الألغام بشكل ناجح أم لا". وبحسب التقرير الذي نشرته صحيفة "الديلي ميل" فإن تلك المزارع قد اجتازت الاختبارات المعملية بنجاح وتخضع الآن للتجربة العملية في بعض المناطق في كل من صربيا وجنوب إفريقيا.

وقد سبق لشركة"Aresa " العاملة في مجال التكنولوجيا الحيوية والتي تقوم بإجراء الاختبارات لتلك المزارع بتجربة تقنية " الكشف الأحمر " التي قامت باختراعها للغرض نفسه في احدى أنواع البذور صغيرة الحجم، لكن العلماء قالوا إنها صغيرة للغاية ولا يمكن رؤيتها من على مسافات بعيدة.
علي النقيض، قام العلماء باختيار نبات التبغ تحديدًا في تلك المهمة لأنه يتميز بعدد من المميزات يأتي في مقدمتها متانة سيقانه وصلابته وسهولة نموه وتمتعه بعيدان عريضة. في الوقت ذاته تتابع الأمم المتحدة والجماعات العاملة في مجال مكافحة الألغام تلك التجارب التي تجري الآن لتلك المزارع عن كثب واهتمام شديدين.

من جانبه يري ستين ثآروب، الرئيس التنفيذي لشركة "Aresa " أن تلك الطريقة من الممكن أن تكون طريقة فاعلة ورخيصة في مكافحة الألغام، على الرغم ممّا يحاول البعض الترويج له من فكرة السخرية بالاعتماد علي التبغ في هذا الغرض .. لكن من يدري فقد يكون التبغ هو السبيل لإنقاذ الأرواح ذات يوم".

أما بيكي مينارد، من جمعية " لا لمزيد من الألغام " الخيرية ومقرها لندن والتي تحشد الأموال لمكافحة تلك المشكلة فقال :" ستكون تلك المزارع وسيلة مفيدة، لكن الشعوب ستواصل اعتمادها على المهندسين المختصين للتخلص منها بشكل يدوي". جدير بالذكر أن هناك ما يقدر بـ 80 مليون لغم أرضي في شتى أنحاء العالم يغطون مساحة قدرها 120 ألف ميل مربع. كما أن هناك 84 دولة مصابة بهذا الداء الذي ينتشر بشكل أكبر في دول العالم الثالث أمثال أنجولا وأفغانستان والبوسنة وموزمبيق. كما أن تلك الألغام تتسبب في قتل أو جرح 18 ألف شخص كل عام ، 80 % منهم يكونون مدنيين.



المصدر ايلاف