حصار غزة

غزة – مراسل مفكرة الإسلام في فلسطين

يعتبر الصيف من أشهر مواسم الزواج في الأراضي الفلسطينية؛ فقد درج الفلسطينيون على الاحتفال بالزواج في مثل هذه الأيام من السنة؛ حيث يحضر الأقارب والأحباب من الخارج. أضف إلى ذلك أن العطلة الصيفية تلعب دورًا هامًا في تحديد وقت الزواج.
لكن هذا الصيف وفي ظل الحصار الخانق والمفروض على قطاع غزة تبددت أحلام الكثير من الشباب الذين كانوا يعتزمون بناء أسرة وبيت، فالظروف المحيطة وعدم توفر المواد المساعدة على عملية الزواج حال دون إتمام المئات منهم لفرحتهم التي طالما انتظرها الكثيرون.
عدم دخول الأسمنت حال دون بناء البيت:
بينما كان المواطن إسماعيل الحمامي 29 عامًا من سكان مخيم النصيرات وسط قطاع غزة يعد شقته فوق بيت عائلته انقطع الأسمنت، ومنع الكيان الصهيوني دخول مواد البناء بعد سيطرة حماس على غزة قبل أكثر من عام، الأمر الذي حال دون إتمام بناء الشقة، وهو اليوم ينتظر دخول الأسمنت الذي يمر عبر معابر غزة بالقطّارة وبأسعار لا زالت مرتفعة، على حد قوله.
ويقول الحمامي في حديث لـــ " مفكرة الإسلام ": الوضع الاقتصادي لا يسمح لي باستئجار شقة ودفع مبلغ يزيد على المائة دولار بصورة شهرية كإيجار للبيت، ناهيك عن مصروف البيت، فأنا أصلاً أود السكن فوق بيت عائلتي حتى يكون طعامنا من صحن واحد وهو ما يوفر الكثير من النفقات.
ويعمل الحمامي كصياد في البحر ولكنه تأثر كثيرًا بسبب الحصار المفروض على غزة والذي يمنع دخول الوقود الذي يعمل على تشغيل القوارب، فقرر الحمامي أن يؤجل زواجه إلى أجل غير مسمى حتى يفرجها الله سبحانه وتعالى، على حد قوله.
فالشقة أو الغرفة بمنافعها يحاول العديد من الشبان الفلسطينيين تجهيزها قبل الشروع في مشروع الزواج؛ لأنها تعمل على التأثير على موافقة أهل العروس على الخطيب، وذلك لأن عدم وجود شقة للخطيب يعني أن بنتهم ستسكن في بيت العائلة، وهو ما يعني نشوب حرب ضروس في غالب الأحيان بين العروس والحماة ومناصريها في داخل البيت، ناهيك عن أن العروس لن تشعر بالراحة لأنها أصلاً لا بيت لها، وعلى الرغم من ذلك نجد الكثير من الأسر الغزية تزوج بناتها لشباب لا يملكون بيوتًا بسبب ضيق الحال والوضع الاقتصادي المتردي الذي يجبرهم لاتخاذ قرارات قد تكون على حساب بناتهم.
طقم نوم قديم:
ودخل تأثيث غرف النوم أو ما يعرف في غزة بــ "طقم النوم" على الخط، فبعد أن كان عرفًا يذهب الخطيب مع مخطوبته إلى أحد المعارض القريبة ويقومون بشراء أثاث غرفة النوم كل حسب إمكانياته وذوقه، لم يعد هذا يحدث مطلقًا في غزة فمعارض الأثاث أغلقت أبوابها ولا يوجد أخشاب ومواد خام للبدء في صناعة أطقم نوم جديدة، بل ارتفعت أسعارها بصورة خيالية، فبعض التجار الذي كان يحتفظ بمجموعة من أطقم النوم والتي كان سعر الواحد منها يباع بمبلغ 700 دولار أصبح الواحد منها الآن يباع على الأقل بــ 3000 دولار على أقل تقدير.
بل دخلت تجارة غرف النوم المستعملة والقديمة على الخط و أصبح أمرًا عاديًا أن يشتري العروسان غرفة نوم مستعملة وبسعر عال جدًا وهذا ما حدث مع المواطن إبراهيم علي من سكان مدينة رفح جنوب قطاع غزة حيث أكد لــ "مفكرة الإسلام" بأنه نفض غزة طولاً وعرضًا ليجد طقم نوم مناسبًا، ولكنه قرر أخيرًا وبعد إلحاح من أهل العروس لشراء طقم نوم مستعمل بــ 2000 دولار في خطوة منه لإنهاء فترة الخطوبة التي استمرت لأكثر من عام ونصف العام، على حد قوله.
وفي السياق ذاته استغل المواطن يوسف سليمان ارتفاع أسعار أطقم النوم فاتفق مع زوجته على بيع طقم نومهم المتهالك بمبلغ 1500 دولار معتبرًا أن ذلك يعد فرصة قد لا تتكرر مرة أخرى. وفي خطوة منه لإنعاش جيبه الذي لم يدخله قرش منذ الحصار.
وأضاف المواطن سليمان قائلاً: اتفقت مع زوجتي على بيع طقم نومنا ووعدتها أن أشتري لها طقمًا جديدًا عندما يتيسر الحال، مشيرًا إلى أنه قام بشرائه قبل عدة أعوام، وبمبلغ 600 دولار، وكان يومها الطقم جديد لا عيب فيه.
زواج على السكت:
وقبل الحصار وفي فصل الصيف تحديدًا بمقدورك ودون عناء رؤية العديد من الخيام المنصوبة لاستقبال المدعوين لوليمة الغداء، ولكن يبدو هذا المشهد نادرًا في هذه الأيام، وأصبحت كلمة "زواج على السكت" تعني في غزة أن الزواج سيتم بأقل النفقات، وأن وليمة الزواج قد ألغيت بعد أن كانت جزءًا أساسيًا في أعراف الزواج بغزة، نظرًا للارتفاع الجنوني لأسعار اللحوم؛ حيث يزيد سعر الكيلو الواحد على أكثر من 15 دولارًا أمريكيًا، ناهيك عن تكاليف الطبخ وغيره، وهذا ما شرحه المواطن عبد الله قشطة من سكان رفح الذي فضل تأجيل زواجه حتى يتمكن من عمل وليمة يدعو فيها الأحباب والخلان، ولكن في ظل الأسعار الحالية والحصار الذي ضاعف الأسعار بشكل جنوني يحبذ الانتظار قليلاً؛ لعل الله يفرجها.