رغم كل التأويلات والتفسيرات التى ربطت بين الغاء مائدة افطار الوحدة الوطنية التى تقيمها الكنيسة وبين عدم رضا البابا شنودة عن بنود الصلح فى قضية ابوفانا بالمنيا ورغم كل ماقيل حول موائد افطار الوحدة واعتبارها مجرد شو اعلامى يتحول فى نهايته الى" مبوسة" بين البابا وشيخ الازهر الا ان ذلك لم يمنع الكثيرين من المسلمين والمسيحيين بضرب كل ذلك عرض الحائط والاستمرار فيما اعتبروه احد المظاهر الهامة لدعم الوحدة بين ابناء الوطن ولطمة قوية على وجوه كل مغرض يريد ان يبث سمومه فى قلب هذا الوطن..

ولعل احتفال القمص متى ساويرس هذا العام بالعيد الاربعين لاول مائدة افطار يقيمها قبطى على ارض مصر ابرز رد عملى يحمله دعاة دعم وتقوية الوحدة بكافة السبل الممكنة حتى ولو كان احدتلك السبل اقامة مائدة رمزية يتناول خلالها المشايخ والقساوسة لقمات صغيرة فى احد ايام شهر رمضان المبارك..

قصة موائد الرحمن القبطية في مصر بدأت عام 1968 حين قام القمص متي ساويرس راعي كنيسة مارجرجس بإقامة مائدة إفطار ضخمة بشبرا ودعا إليها المشايخ والقساوسة ونواب مجلس الأمة في شبرا وغيرهم أبناء الشعب المصري مسلمين وأقباط..

كان الهدف من المائدة كما قال القمص متي هو ان تكون رمزا للتآخي والحب بين المصريين لتنطلق بعدها موائد الرحمن القبطية إلي جميع أنحاء الوطن وتمتد منه إلي جميع أرجاء العالم حيث اعتادت الجاليات المصرية في العديد من دول العالم إقامة موائد إفطار مشتركة لتدعيم أواصر الأخوة بين المصريين في الخارج.

وبالرغم من اتخاذ الموائد القبطية للشكل الرسمي لسنوات طويلة إلا أن ذلك لم يمنع من ظهور الموائد الشعبية فالمائدة الضخمة التي يقيمها الأنبا بسنتي أسقف حلوان والمعصرة تضم فئات مختلفة من المجتمع فيحضرها رجال الدين والفكر والأعلام ومواطنون مسلمون ومسيحيون من أبناء حلوان والمعصرة..

وهناك تتسابق السيدات المسيحيات في إعداد الوجبات لتقديمها علي المائدة وتتحول الكنيسة إلي خلية نحل بعد أن ينتشر الشباب في أرجاءها لتجهيز المائدة والاستعداد لاستقبال اخوانهم المسلمين.

وفى نفس الدير يمكن ان تشاهد المسلمين يؤدون صلاة المغرب فى جماعة بكنيسة الانبا برسوم العريان بالمعصرة بعد ان يفترش لهم اخوانهم المسحيين السجاد ويجهزوا لهم اماكن للوضوء ويدعوهم لاداء فريضة المغرب ..

وعلى غرار مائدة الانبا بسنتى تقام مائدة جمعية ثمرة المحبة القبطية بشبرا حيث يشارك فيها ممثلون من مختلف فئات الشعب فالمائدة كما يقول ماهر حلمى رئيس الجمعية رمز للاخاء الوطنى وتدعيم للروح الواحدة ودعوة للاجيال القادمة كى يحافظوا على تلك البلد كما حافظ عليها اجدادنا واباءنا وعاشوا معا دون ان يفرق احد بين مسلم ومسيحى..

ويضيف ماهر حلميان تلك الظاهرة تعكس التحام أبناء وطننا وطنيتهم وطبيعتهم فالجميع يتشارك في الأفراح والأطراح.. فنحن أبناء وطن واحد مسئولون جميعا عنه ومطالبون ببذل كل الجهود لنبذ الفرقة بيننا.

ويضيف حلمي: إنه انطلاقا من مسئوليتنا تجاه بلدنا العظيم فقد قررت الجمعية هذا العام التبرع بجزء من أموال المائدة لمستشفي سرطان الأطفال.. والجزء الآخر سيتم توزيعه في صورة شنطة رمضانية علي الفقراء والمحتاجين..

وفي جسر السويس بالقاهرة ينتظر ميلاد تادروس أحد أبناء الحي شهر رمضان ليبدأ في إخلاء ورشة السمكرة التي يمتلكها.. ويخصصها تكون مطبخا ضخما لمائدة كبيرة تقام هناك، يلتف حولها أبناء الحي من المسلمين والمسيحيين..

لا تقتصر موائد الرحمن فقط علي أحياء القاهرة لكنها تمتد كذلك إلي مختلف محافظات مصر ولعل أبرز مثال على ذلك مائدة كنيسة بيت ايل بقليوب وهي أقدم كنائس البروتستانت في مصر حيث انشئت عام 1880 وهناك تشترك أكبر العائلات المسيحية في اعداد وتجهيز المائدة التي تجتذب العديد من أبناء قليوب سواء كانوا مسئولين أو مواطنين عاديين والمائدة جزء من نشاط خيري تقوم به الكنيسة البروتستانتية في مصر منذ نشأتها..

ميلاد تادروس احد ابرز قصص موائد الرحمن القبطية فهو احد ابناء حى جسر السويس اعتاد ومنذ سنوات طويلة اعدا د وتجهيز واحدة من اكبر موائد الرحمن فى القاهرة حيث يقوم ميلاد منذ اليوم الاول لرمضان باخلاء ورشة السمكرة التى يمتلكها ليحولها الى مطبخ كبير للمائدة ويصر على ان يطهو الطعام لرواد المائدة بنفسه هناك..

وفى تلك المائدة يلتف الجميع حولها ويتشاركون فى اعداده كما يتشاركون فى التهامها منطقة الخلفاوى لم تخلو طوال عمرها من العديد من مظاهر الوحدة والاخاء فهناك يقيم الحاج رأفت عبد المنعم مائدة رحمن ضخمة يلتف خلالها عمال المصانع من المسلمين والمسيحيين فمعظم العمال المسيحيين يرفضون تناول الطعام طوال اليوم احتراما لمشاعر زملائهم من المسلمين..وهى ظاهرة عامة فى مصر.

وعند اذان المغرب يتشارك الجميع فى الوجبة الواحدة ويصر العمال المسلمين على اصطحاب زملائهم المسيحيين ليتناولو الافطار سويا وفي منطقة الظاهر يحرص التجار ورجال الأعمال المسيحيون علي إقامة موائد الرحمن لإفطار اخوانهم المسلمين..ويصرون علي ان تضم تلك الموائد أشهي الأكلات وأجودها.
المصدر مصراوي