السلام عليكم......

الإنسان والحيوان (2)

فالحيوان من ناحية الوعي لا يخرج أبدا عن إطار الظواهر، الفردية والجزئية، والمحيط، وزمان الحال. وهو سجين هذه السجون الأربعة إلى الأبد، وإذا خرج أحيانا فليس عن وعي أو شعور أو اختيار. بل تحت تأثير الطبيعة الإجباري، وبصورة غريزية غير واعية ولا شاعرة.
إن مستوى رغبات الحيوان ومتطلباته تشبه مجال معرفته ووعيه بالعالم ضمن حدود خاصة ، فهو:
أولا: مادي، فهو لا يتعدى حدود الأكل والشرب والنوم واللعب، واتخاذ البيت، والتمتع بالجنس المخالف. فالحيوان لا يفهم الرغبات المعنوية، والقيم الأخلاقية وغيرها.
ثانيا: شخصي وفردي، متعلق بنفسه، وإلى حد أكثر بزوجه وفراخه.
ثالثا: محدود بمنطقة معينة، متعلق بمحيط حياته.
رابعا: حالي، متعلق بزمان الحال.
أي أنها نفس الأبعاد التي كانت لوعي الحيوان وإدراكه، وله بعد ذلك متطلبات وتمسكات وجوده. فالحيوان -من هذه الناحية أيضا- سجين في حدود خاصة.
فالحيوان إذا عقب غاية وتحرك نحوها بحيث تكون
[10]
خارج هذه الحدود، فمثلا يتعلق بنوع لا بفرد، أو أنه يتعلق بالمستقبل لا بالحال كما يشاهد ذلك في بعض الحيوانات الاجتماعية كنحل العسل، فهو بحكم الغريزة وبدون وعي وبأمر مباشر من القوة التي أبدعته وتدبر العالم.

* مجال وعي الإنسان ومستوى رغبته:
إن منطقة نفوذ الإنسان سواء من ناحية الوعي والنظرة والمعرفة، أو من ناحية الرغبات والمتطلبات هي أوسع وأسمى كثيرا.
فإن وعي الإنسان ومعرفته تجتاز ظواهر الأشياء ومظاهرها، وتنفذ إلى باطن الذات وماهيتها، وعلاقاتها وتبعياتها والضرورات السائدة عليها. فوعي الإنسان لا يبقى سجينا في حدود منطقة أو مكان، ولا توقفه سلسلة الزمان في قيد أو أسر، فهو يطوي المكان والزمان، ولذا فإنه يتعرف على ما وراء المحيط الذي يعيش فيه إلى حد أنه يتطلع إلى معرفة الكواكب الأخرى. ويطلع على ماضيه ومستقبله، ويكتشف تاريخ ماضيه وماضي العالم، أي تاريخ الأرض والسماوات، والجبال، والبحار، والنباتات، والحيوانات الأخرى. ويفكر في المستقبل إلى الآفاق البعيدة. وأكثر من ذلك أن الإنسان يجول بفكرته حول اللاّنهائيات الخالدة، ويتعرف على بعضها. فالإنسان يتخطى المعرفة الفردية