مقال اعجبنى من جريدة الدستور المصرية ل د.نبيل فاروق:



انتهت الحرب العالمية الثانية عام 1945م، بذلك الحادث المروّع، الذي أفنت فيه القنابل الذرية، لأوّل مرة، مدينتين سكنيتين كبيرتين عامرتين بالسكان، من رجال ونساء وأطفال وشيوخ وعجزة، فيما يعد أكبر مذبحة عرفها التاريخ المكتوب، وتصوّر العالم أنه، وبعد هذه المأساة، سيشهد ويحيا أخيراً، في سلام ووئام، وراحة من الحروب والقتال، إلا أنه لم يتصوّر قط، أنه في اللحظة نفسها، التي وضعت فيها الحرب أوزارها، أو ربما قبلها بفترة طويلة، كان العالم يستعد لحرب أخري طاحنة غير معلنة... حرب الجواسيس.


فالحرب العالمية الثانية، حوت من عمليات التخابر والجاسوسية ما أثار الدهشة، والانبهار، وأثبت قوة هذا السلاح السري الرهيب، في تحقيق ماتعجز عنه جيوش هائلة، مزوّدة بأحدث الأسلحة، وأقوي العتاد، فخلال الحرب، نجح جاسوس بريطاني في الوصول إلي هتلر شخصياً؛ وأقنعه بكسر معاهدة عدم الاعتداء، التي وقّعها مع روسيا، وشن الحرب عليها، بحجة أنها تستعد بدورها لضرب ألمانيا، فانطلقت جيوش هتلر فيما عرف بعملية بارباروسا؛ لاحتلال روسيا؛وذلك لكي يخف الضغط عن الجبهة البريطانية، وكانت عملية مخابراتية ناجحة، أعقبتها المخابرات البريطانية بعدد من العمليات المدهشة، فاستولت علي خزائن المخابرات النازية، ودسّت رسائل لاسلكية للأسطول الياباني، أقنعته من خلالها بأن أمريكا تنوي توجيه ضربة إليه، مما جعله يسارع بتوجيه ضربة وقائية للأسطول الأمريكي في بيرل هاربور، فجن جنون الأمريكيين، وأعلنوا الحرب علي اليابان وألمانيا، وهذا بالضبط ماكانت تسعي إليه المخابرات البريطانية؛ حتي تحظي بحليف قوي، كان يتردّد كثيراً في خوض الحرب.

وحتي في النهايات، نجح جاسوس سوفيتي، وهو ريتشارد سورج، الذي يلقّب في عالم الجاسوسية بالأستاذ، في الوقوع علي سر عسكري ياباني شديد الخطورة، يؤكّد أن اليابان لن تشن الحرب علي روسيا، مما شجع روسيا علي تركيز حربها كلها علي الجبهة الألمانية، مما كان بداية النهاية للجيوش النازية في آسيا، في الوقت نفسه الذي استخدم فيه البريطانيون جاسوساً ميتاً، في واحدة من أشهر وأقوي عمليات المخابرات عبر التاريخ؛ لإقناع الألمان بأن غزو أوروبا سيأتي من كاليه، ثم انقضوا من نورماندي، فكانت بداية النهاية للنازيين في أوروبا.

المخابرات البريطانية والروسية والنازية واليابانية تألّقت في الحرب، وأسالت لعاب الجميع للعبة بعد الحرب، وعلي رأسهم القوي العظمي الجديدة أمريكا، التي خرجت من الحرب كأقوي دولة في العالم، باعتبار أنها كانت الوحيدة، التي تمتلك القنبلة الذرية، لكنها، وعلي الرغم من هذا، أدركت قوة المخابرات وأجهزة المخابرات؛ لأنه ليست كل الحروب يمكن حسمها بالقنابل الذرية، أو حتي بالقوة.... هناك حروب تحتاج إلي العقل والصبر والمعرفة والحيلة والذكاء والابتكار وغزارة المعلومات، وكل هذه الصفات يمكن دمجها في كلمة واحدة.... المخابرات.

وفي ذلك الحين، لم يكن لدي أمريكا جهاز مخابرات، علي غرار البريطانيين والسوفيت، لكن كان لديها مكتب معلومات استراتيجي، بالإضافة إلي عشرات الخبراء الألمان السابقين في هذا المضمار، لذا فقد اتخذت قرارها، وأنشأت نواة مخابراتها، في أواخر الأربعينيات، لتتبعها إسرائيل في بداية الخمسينيات، بإنشاء الموساد، الذي تلقي رجاله تدريباتهم، في المخابرات الأمريكية حديثة العهد، ثم جاءت حركة يوليو 1952م، لتنتبه للأمر، وتبدأ بنظام تخابر محدود، يتبع الداخلية، ثم تطوّر بقرار إنشاء المخابرات العامة، عام 1955م، لتبدأ مصر واحداً من أزهي عصورها المخابراتية.

http://dostor.org/ar/index.php?optio...2516&Itemid=71