مشهد مثير من التاريخ:

لا أعني بالمشاهد المثيرة، ما يفعله المغامرون من حركات و أمور خطرة قد تصل إلى الجنون، إنما اعني ذلك الشغف الذي استحكم على اولائك العظماء صناع الحضارة و التاريخ المشرف. كيف وصلوا؟ وصلوا بالبحث و التثقف ، عن طريق القراءة ... و من النماذج التي تنقل في هذا المقام، أن غلاما من بيت فقير، حداه الحب الشديد للمعرفة أن يذهب إلى أسواق البصرة في العراق ليبيع السمك و الخبز، و يتمكن من دفع ثمن البيات في أحد الحوانيت – المكتبات في تلك الأيام – فينكب على القراءة بنهم و شغف عجيبن ، إنه الجاحظ الأديب و المفكر العربي المعروف، و الأمر العجيب أنه مات على ركام الكتب في غرفته، فصار شهيد القراءة.


دور القراءة في بناء الحضارة :

تحت سن القلم قامت الحضارة، و بالقلم سالت الحكمة و العلم من عقول نوابغ البشر. فما كان للإنسان أن يبني حضارته إلا إذا قرأ ما وصل إليه أسلافه، فيتبنى ما ينفعه و يترك ما لا ينفعه. فالحضارة نتاج التراكم المعرفي للعقول البشرية على مر التاريخ.

و لولا القراءة، لما قامت حضارة، و لا تمثلت ديمقراطية، و لا كان أي شيء مما نراه و نستعمله في هذه الأيام. فالقراءة من أوسع أبواب العلم و المعرفة، بالإضافة إلى التجربة و الخبرة ، ففي المعرفة قوة ،،، و لا أظن أن أحدا لا يسعى لأن يكون ذا مكانة ثقافية مميزة تفيد و تنفع الناس من حوله.


المنفرات من القراءة :

القراءة ليست شيئا مؤلما أو محرقا، حتى يخشى الناس الإقتراب منها، و لكن مجموعة من الأمور جعلت مكانة الكتاب في أيامنا هذه أقل من "الحذاء" – عذرا على هذا التشبيه - ، فإن من الناس من يفضل أن يشتري حذاءا بذلك الكم من الدراهم، و لا يكترث، بل يفتخر بذلك، ولكنك حين تدعوه لأن يقتني كتابا و بالمجان حتى ،،، لا يقبل!!! و يقول دع هذا للمعقدين . و من قول الشاعر :

و من جب عجبت له حديث بديع ليس من بدع السداد ِ

و من المعلوم أن الإقبال على الكتاب في البلاد العربية ظل إقبالا خجولا، رغم انتشار الطباعة و وجود الكتاب و المفكرين، في الوقت الذي يزدهر فيه سوق الكتاب في بلاد الغرب. و من الممكن أن يكون الصراع المستحكم بين اللغة الفصحى و اللهجات العامية، سببا في اضمحلال الرغبة في القراءة، و لا جرم أن المكائد السياسية لأعداء الأمة، موجهة نحو هدف خبيث، و هو عقد اللسان العربي من خلال تحطيم و تفكيك تماسك الناطقين باللغة، و لكن هيهات أن يبلغوا مثقال ذرة مبتغاهم، فالله تعلى يقول و قوله الحق : ( إنا نحن نزلنا الذكر و إنا له لحافظون) ، فاللغة مصونة في اللوح المحفوظ ، و الله من ورائهم محيط.


عود على بدأ :

في العودة إلى الطريق سلكه أسلافنا العظام، خلاص لنا من الجهل الذي غيبنا تحت أطباقه، كانت لهم غيرة على قوميتهم ،التي بنيت على عقيدة واحدة و لغة واحدة، حاربوا و كافحوا من أجل صون تلك القومية، فهل لنا من ذلك من شيء؟


رسالتي:

من لا يقرأ مفرط، لأنه رزق عقلا مهمته استقبال المعارف و تنظيمها، و بالتالي توجيه الإنسان إلى سبل الصلاح و مسالك الفلاح، و لعمري ان بيتا بلا كتب كالجسد بلا روح. و حين يكون مجد التاجر في كيسه، فمجد العالم في كراريسه. القراءة ثم العمل بما يمليه علي عقلي من المعارف التي صبت في ذهني فمما ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام : " لا تجعلوا علمكم جهلا و يقينكم شكا، إذا علمتم فاعملوا و إذا تيقنتم فأقدموا" ...

و من واجبنا أن لاننسى قراءة القرآن، نور العقول و شفاء لما في الصدور، (فاقرءوا ما تيسر من القرآن) ، و تفكروا في المعاني و المباني الرائعة، و ما يحويه هذا الكتاب العظيم من جواهر و درر ، و مواعظ و عبر،( ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم) و حق عليهم قول الرسول صلى الله عليه و آله و سلم : (يارب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا).



و ما توفيقي إلا بالله عليه توكلت و إليه أنيب

و الحمد لله رب العالمين ،،، و صلى الله على محمد و آله الطاهرين .

أخوكم
المفكر