في بلجيكا قال أحد المحتجين العرب في شوارع العاصمة ، على ما يحدث من مآسي على أرض فلسطين :
ـ قوات الأمن تحمينا ، و توفر لنا الجو المناسب للإحتجاج ، و لرفع أصواتنا في وجه الظلم الإسرائيلي الأمريكي .
و يضيف للمراسل الذي غطى الإحتجاج :
ـ هل عرفت لماذا لجأت لبلجيكا ، و حصلت على جنسيتها ؟؟!!
لم يكن على المراسل ، أن يجيب . الكل يعرف الإجابة .

الكل شاهد الإحتجاجات العربية ، و شاهد المصادمات مع رجال الأمن . مصادمات تتضمنها المياة الحارقة و الغازات المسيلة للدموع و القنابل المطاطية و الصوتية و الهراوات الكهربائية . و النتيجة جرحى و معتقلون ، بل و قتلى ، و هؤلاء في الأساس كانوا يحتجون ليعبروا عن فجيعتهم و غضبهم و يأسهم و إنكساراتهم ، و الذين يفعلون بهم كل هذا الضرب و كل هذا المنع ، هم إخوانهم ، الذين يفترض أن يعيشوا نفس المأساة ، و أن يعتبروا هذا الإحتجاج الإسلامي القومي ، إستثناءً . فلا هو بسبب إثارة الشغب ، و لا بسبب سرقة المحلات و تخريب الممتلكات . إنه صوت العاجزين عن فعل أي شئ ، تجاة أخطر حدث يهدد امتنا الإسلامية و العربية . يهدد زوال كرامتها ، او ما بقى من كرامة ، هذا إذا بقي منها شئ .
أنا شخصياً ، اؤيد الإحتجاج بطرق عملية أكثر . طرق قد تتجاوز الصياح و الشعارات ، التي لم ننتفع منها شيئاً . لقد سافرت ، مثل غيري ، اكثر من مرة الى مصر ، التي كانت تعتبر الشارع النابض بالعروبة ، للمشاركة في مسيرات جماهيرية ، كان آخرها قبل 15 عاماً ، تضامناً مع الشهيد سليمان خاطر ، الجندي المصري الذي قتل السياح الإيسرائيليين . كانت المسيرات تطالب بعدم إعدامه ، لكنه إعدم داخل زنزانته المصرية ، على أي حال . لقد تعلّمـت أن أحتج بطـرق اخـرى : أثناء أزمة تهجير شعب كوسوفا ، سافرت ، مثل كثيرين ، الى حيث اللاجئين ، لأفعل ما أستطيع لهم . أثناء إندلاع الإنتفاضة الفلسطينية ، تطوع مجموعة من زملائي و انا ، لنقل الجرحى من الضفة الغربية و قطاع غزة ، لمستشفيات المملكة . أثناء نزوح اللاجئين الأفغان ، في الحرب الأخيرة ، قدمت أوراق التطوع للسفر ، بلا جدوى . أقول هذا للتدليل فقط ، و إلا فالمنّة لله ، ثم لهذه الأزمات ، التي أتاحت ، او لم تتح للبعض ، المشاركة .


إننا في هذه المرحلة البائسة ، بحاجة لكل أشكال الإحتجاج . لنتبرع بالدم ، بالمال ، بالدعاء ، بالمقاطعة . بتفهم واقعنا السياسي المريض ، الذي لا يقدم و لا يؤخر ، و الذي لن يستطيع إيقاف إحتجاحات من هذا النوع . هي إحتجاجات لن تهدر الدماء و لن تقود للسجون . أنا أعرف لو أن باب الجهاد مفتوح ، لتوجهت الملايين لنصرة الأراضي المقدسة ، لكان الحال غير هذا الحال :

درس إفغانستان لا يزال رطباً ، و المؤامرات لا تزال مستمرة . من هنا ، نحن محتاجون لكل الفعاليات الشعبية و الثقافية و الفكرية العربية ، لتسجيل الحالة الإنهزامية التي نحن فيها ، عبر بيانات و شهادات ، و ذلك ليكتب التاريخ ، الحالة الداجنة التي نمر بها ، و التي هي إمتداد للتاريخ الدواجني الطويل ، و الذي لم يفرز ، سوى هذا الإستلاب ، و هذا الخنوع ، و هذه المعاداة للشعوب ، من قبل الحكام ، و إعتبارها ( أي الشعوب ) مجرد سلال ، لجمع الكبت و القمع السياسي . هذا التاريخ الداجن ، هو الذي جعلنا اليوم ، نتسمر أمام التلفزيونات ، في إنتظار ذبح العرق الأخير ، من كرامتنا ، من بوابة فلسطين ، ثم لبنان ، ثم العراق ، و البقية تأتي . و البركة في المتآمر العربي ، السياسي العربي ، الذي لا يستحق إسماً ، أفضل من : " بن داجن " ، مع إحترامي لكل الدجاج !! ؟
0000000