سيرة الشَّيخ الوهيبي بعد عام على رحيله


http://www.youtube.com/watch?v=bo1xYbMq2-M



لجينيات ـ أصدر الشَّيخ خليل بن إبراهيم أمين كتاباً حافلاً عن سيرة الشَّيخ عبد العزيز بن محمد الوهيبي الذي ارتحل عن عالمنا مع زوجه الأولى وثلاث من بناته - رحمة الله على الجميع- عقب حادث موجع في شهر جمادى الآخرة عام 1430، وقد تذكرت أثناء قراءتي هذا الكتاب الماتع قول شيخ العربية محمود محمد شاكر- أبو فهر رحمه الله - في مقدمة كتاب "حياة الرافعي" لمحمد سعيد العريان:

" وأنا – مما عرفت الرافعي رحمه الله ودنوت إليه ووصلت سبباً منه بأسباب مني- أشهد لهذا الكتاب بأنه قد استقصى من أخبار الرافعي كثيراً إلى قليل مما عُرف عن غيره ممن فرط من شيوخنا وكتابنا وأدبائنا وشعرائنا؛ وتلك يدٌ لسعيد على الأدب العربي، وهي أخرى على التاريخ؛ ولو قد يسر الله لكل شاعر أو كاتب أو عالم صديقاً وفياً ينقله إلى الناس أحاديث وأخباراً وأعمالاً كما يسر الله للرافعي، لما أضلت العربية مجد أدبائها وعلمائها ،..... ".


يقع هذا الكتاب في 380 صفحة من القطع المتوسط، وطباعته أنيقة على ورق نباتي، وهذه هي الطبعة الأولى عام 1431 بدون ذكر اسم الناشر، ومكتوب على الغلاف الخارجي أنَّها نسخة للإهداء، وفيها مائة وعشرون موقفاً وقصَّة للمترجم رحمه الله، وقد اختار المؤلف له عنواناً جذَّاباً طويلاً: الشيخ عبد العزيز بن محمد الوهيبي رحمه الله: إمام دعوة ومدرسة حياة، وسيكون الكتاب متوافراً في المكتبات مع بداية الفصل الدِّراسي الأول القادم.


وهذا الكتاب من حسنات المؤلف والمترجم بإذن الله، فكم نحتاج إلى توثيق سير وأعمال قدواتنا من أهل الفضل، وقد كان صاحب التَّرجمة عالماً وداعية، ومحتسباً ومصلحاً، وشافعاً وناشطاً في الخير وحفظ الحقوق، ومربياً وعابداً وحافظاً، ولم تقتصر جهوده على الدِّيار السُّعودية بل شملت بلاداً قريبة وأخرى بعيدة، وما أجمل الحياة وألذَّها حين تكون لله خالصة، وكم هي الأوقات مباركة إذا أحسن الإنسان استثمارها، وقد طال عمر الشَّيخ – رحمه الله- وإن اخترمته المنية وهو دون الخمسين، فالآثار وا لأعمال عمر ثان.


ويمتاز الكتاب بصدق اللهجة، وعذوبة اللفظ، ورشاقة الأسلوب، مع النَّأي عن التَّجريح والتَّشهير والخلافات الفكرية، واستشهد المؤلف بأقوال أقارب الشَّيخ وأصدقائه وزملائه في الدَّعوة والعمل، وفيه من تسجيل التَّجارب والمواقف والعبر ما يجعل القارئ مشدوداً من فقرة إلى أخرى؛ ومن قصة إلى التي تليها. وقد ابتعد المؤلف عن مزلق يقع فيه بعض المعاصرين حين يترجم أحدهم لعَلَم ويحشو التَّرجمة بقصصه ومواقفه مع المترجم حتى يصير الكتاب أشبه بسيرة ذاتية للكاتب، وفي الكتاب حكايات لطيفة مع ممثل مصري وداعية مغربي وحاج مستفتٍ وغيرها.


ولا يخلو العمل الجميل من ملحوظات لا تشينه البته، وتدوينها اجتهاد لتحاشيها أو بعضها في طبعات قادمة؛ حتى يصير الكتاب أكمل وأنفع. فمثلاً كانت بعض الاقتباسات التي بين قوسين والأشعار بلا نسبة إلى أهلها، وأيضا يوجد بعض الأخطاء النَّحوية والطِّباعية التي لا تتناسب مع رقي أسلوب الكاتب، إضافة إلى النَّقل المختصر لبعض المقالات دون إشارة، والنَّقل "المخل" لكيفية وقوع الحادث الأليم كما وصفه المؤلف بنفسه دون بيان اعتبارات هذا الإخلال، ومن الملحوظات ترك إكمال بعض القصص كما في قصة المضيفة (ص81) مع كونها عجيبة حسب وصف المؤلف؛ والنفوس تتطلع لمعرفة العجيب.


وقد أشار في المؤلف في الصفحة 48 إلى سعادة الشَّيخ رحمه الله في بيتيه مع كونه معدِّدا، وذكر أنَّ التَّعدد نادر في ديار نجد، وهذه المعلومة غير صحيحة، وأستغرب من إيراد المؤلف لها وهو الذي يعرف المنطقة وأهلها بحكم ملازمته للشَّيخ الوهيبي، بل إنَّ حال الشَّيخ ينقض هذه المعلومة؛ إذ تزوج أربع مرّات، مع أنَّه ينتمي لمنطقة شقراء الجميلة والحبيبة إلى قلوبنا، والتي يشتهر أهلها بأنَّهم من أقل النَّجديين تعدَّدا.


اللهم ارحم الشَّيخ الوهيبي ومَنْ فرط من أهله وارض عنهم، واحفظ يا حفيظ مَنْ بقي من أهله وولده، وقيِّض لهم مَنْ يرعاهم فيحسن غاية الإحسان، واشف اللهم ابنته وآجرها. والدُّعاء موصول للمؤلف أبي المنذر ولكلِّ مَنْ شارك معه في إخراج الكتاب وطباعته ليقرأ الحاضرون والقادمون، والقريبون والبعيدون، سيرة ناصعة من العطاء والشَّفقة، مع العلم والحزم والجدِّية.