1 إن الإنسان لا يتعامل مع الخارج ، إلا على أساس صور مختزنة في داخل النفس ، والتي كثيرا ما تكون مخالفة للواقع ، أو معاكسة لها تماماً.. ومن هنا لزم القيام بعملية مسح شامل لداخل النفس ، لحذف الملفات التي لا تعطي صورة صادقة للواقع .. وهذا هو منشأ الزلل التعاملي ، وذلك للانخداع بتلك الصور التي على اساسها يتم التعامل .

2 إن الوهم بروافده العديدة ، من موجبات شحن الباطن بكم كبير من الصور الباطنية ، التي لا تلامس اليقين أبداً .. ومن هنا أمرنا القرآن بعدم اتباع الظن ، وما ليس لنا به علم.. وإننا مسؤولون( سمعا وبصرا وفؤادا )عما نحققه ، نتيجة لتصديق الأوهام ، والظنون الباطلة.

3 من روافد الوهم في حياتنا : تصديق دعاوى تحقق السحر في الحياة - وخاصة بين الزوجين - والمطلوب قبل الاعتقاد بدعاوى الذين يتاجرون بهذا العمل المحرم (بابتزاز الضحية بعد التلقين) هو البحث عن مناشئ الخلاف ، لئلا نلقي اللوم على الخارج الموهوم ، بدلا من البحث عن الواقع المعلوم.. فإن ما يرسم درب الحياة هو : ما يقوم به العبد من خير اوشر ، ثم إيكال الأمر للحفيظ العليم .. وهذه سنة الله تعالى في خلقه.

4 إن الروايات الشريفة تحذرنا من الركون إلى الذين يحاولون التصرف في عالم الوهم والخيال - وهو أساس السحر – اذ لا واقع له حقيقة ، والا كان كالمعجز.. فقد روي عنه (ص) : من مشى الى ساحر، أو كاهن ، أو كذاب يصدقه بما يقول ، فقد كفر بما انزل الله من كتاب .. وعن علي (ع) : من تعلم شيئا من السحر ، كان آخر عهده بربه.

5 إن من روافد الوهم : الاعتقاد بالابراج والنجوم ،وكذلك الاعتقاد بالنحوسة والشؤم فيما لم يرد فيه نص قاطع .. ومن الغريب ان تطرح وسائل الاعلام هذه التخرصات التي لا تستند الى علم بل ولا الى ظن ، وهو بعيد كل البعد عن المنطق العلمي والديني .. فلماذا يتداولها المثقفون الذين يؤمنون بضرورة ثبوت كل شيء ، من خلال اسس الاثبات المعروفة حسا او تعبداً ؟!..

6 من روافد الوهم : ما تعارف عليه العوام من قراءة الفنجان والكف ، وهي امور اشبه الى التسلية والنوادر منه إلى الكشف عن الواقع .. ان الاخبار عما وراء الطبيعة من الاحداث المستقبلية ، من الامور التي استأثر بها الله تعالى ، ولا يطلع على غيبه إلا من ارتضى من الرسول ، او المنصوب من قبله ، في حدود ما أذن به عالم الغيب المتعال.. والامر اجل من ان يكشف بفنحان او باخبار جني!.

7 من روافد الوهم : التأثر بالمنامات بحقها وباطلها، والحال ان المنام بعضه حق ، وبعضه انعكاس لا شعوري للصور المختزنة من عالم الشعور في اليقظة.. فعملا بقاعدة ( اذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال) ينبغي عدم التأثر بما لا يكشف عن الواقع .. فإذا كان كلام المعصوم (ع) في المنام لا يعد حجة على المكلفين ، فكيف بما وراءه؟!.. ومما ينبغي الالتفات إليه ، ان تعبير المنام من العلوم الخفية ، فلا يركن الى من يتخرص التأويل ، بقراءة كتاب او كتابين في تعبير الاحلام..

8 من روافد الوهم : الاعتقاد بتأثير الاشباح والجن عند كل حركة مشكوكة !.. والحال ان الجن طائفة من الخلق ، خلقهم الله تعالى - كالأنس- من أجل تحقيق عبوديته ، ولم يؤذن لهم بالتصرف في حياة الأنس جزافاً.. وعلى الذين يسعون لما يسمى بالتسخيرات ، الالتفات إلى أننا لم نخلق لمثل هذه الأمور ، وهي محاولة للتصرف في عناصر الوجود ، بما ليس في طريق العبودية بشيء ، ولطالما وقعوا وأوقعوا الاخرين ، في دوامات من الوهم ، والوحشة الكاذبة.

9 ان الاستغلال التجاري للشفاء بالقرآن والتعويذات ، عمل قد يسيء الى القرآن ، ويحوله من كتاب هداية ، إلى كتاب يراد به صرف الناس عن وسائل التداوي المتعارفة ، التي أمر الله تعالى بها ، من جهة الاخذ بعالم الاسباب .. انا لا ننكر الشفاء في : القرآن، وماء زمزم ، وتربة الحسين الشهيد (ع) ، إلا أن ذلك ليس من باب العلة التامة ، بل انه من المقتضيات التي لا بد وان يقترن معها مقتضيات اخرى ، بالاضافة الى ارتفاع الموانع التي لا نحيط بها علما.. اضف الى أن القطع بالتأثير ، وفي ايام معينة ، وبطريقة خاصة - من قبل المتاجرين بها - ليس من الامور التي تستند الى دليل ، لا من كتاب ولا من سنة.

10 ان خير وسيلة لدفع الاضرار المحتملة هي : الاستعاذة القلبية ، والالتجاء الى ولي الامر ، الذي يصرف شؤون عباده (رب الناس) والملك الذي لا يعجزه شيء (ملك الناس) والمعبود الذي ينبغي الاستعانه به (إله الناس) .. إن من كان واجداً لتلك الامور ، هو الجدير بأن يلتجأ اليه عند كل مخوف وملمة .. ومما يعزز هذه الحالة القلبية ، هو الإكثار من قراءة المعوذتين اللتين انزلتا على النبي (ص) حماية له، ولاهل بيته ، ولأمته من بعده ، وذلك من الاخطار المادية المتمثلة : بـ ( الإيذاء الانسي ، وما خلق من الشر عموماً ) ، والمعنوية : المتمثلة بـ ( الوسواس الجني ، والنفاثات في العقد ، والحاسد اذا حسد ).