ينبهر كثير من المسلمين بما يرونه من مظاهر الفرح والبهجة وطقوس العيد التي يمارسها النصارى في عيد رأس السنة ويتحسرون على غياب شيء من هذا في أعيادهم التي يرون أنها باتت خالية من هذه المظاهر وأصبحت مناسبات تقليدية يحجم كثير منهم عن المشاركة فيها وهذا ملاحظ في غياب شباب اليوم عن أداء صلاة العيد وغيابهم الأكبر عن واجب زيارة ومعايدة أهلهم فهل العيب في أعيادنا أم في فهمنا القاصر لها ؟
ارتبط عيدا المسلمين : الفطر والأضحى بعبادتين من أعظم العبادات هما الصوم والحج شكرا للمولى عز وجل على توفيقه للعبد بإدراك هاتين الشعيرتين وإكمالهما وجاءت السنة لتوضح أعمال العيد من الواجبات والسنن والشعائر لتشكل ملامحه ومظاهره المميزة
ففي عيد الفطر يشرع للمسلم التكبير المطلق طوال ليلة العيد وحتى القيام للصلاة {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة/185] في البيوت والأسواق والمجالس , وإخراج زكاة الفطر طعاما للفقراء قبل فجر يوم العيد , والاغتسال والتطيب , كما يسن للمسلم أن يأكل قبل الخروج إلى صلاة العيد تمرات، وتراً: ثلاثاً أو خمساً أو أكثر, يقطعهن على وتر, فعن أنس (رضي الله عنه) قال: (كان النبي (صلى الله عليه وسلم) لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات ويأكلهن وتراً) [رواه البخاري]، والوتر هو العدد المفرد , وأمر النبي (صلى الله عليه وسلم) أن يشهد صلاة العيد أهل البلد جميعاً، رجالاً ونساء، ومذهب أبي حنيفة، وفي رواية عند الإمام أحمد (رحمهما الله)، أنها فرض عين. وعن أم عطية (رضي الله عنها) قالت: أمرنا رسول (الله صلى الله عليه وسلم) أن نخرجهن في الفطر والأضحى: العوائق والحيّض وذوات الخدور, فأما الحيّض فيعتزلن المصلى, ويشهدن الخير ودعوة المسلمين, قلت: يا رسول الله، إحدانا لا يكون لها جلباب؟ فقال (صلى الله عليه وسلم): (لتلبسها أختها من جلبابها) [متفق عليه]
و يسن للمسلم أن يخرج إلى مصلى العيد ماشياً لا راكباً إلا من عذر، كعجز وبُعد مسافة، فعن الإمام علي (رضي الله عنه): (من السنة أن يخرج إلى العيد ماشياً) [رواه الترمذي]، وينبغي مخالفة الطريق بأن يرجع من طريق غير الذي ذهب منه. فعن جابر (رضي الله عنه) قال: (كان النبي (صلى الله عليه وسلم) إذا كان يوم عيد خالف الطريق) [رواه البخاري]. قال ابن رجب الحنبلي (رحمه الله): وقد استحب كثير من أهل العلم لللإمام وغيره إذا ذهبوا في طريق إلى العيد أن يرجعوا في غيره. وهو قول الأئمة مالك والثوري والشافعي وأحمد (رحمهم الله)
ويسن للمسلمين إعلان فرحهم بالعيد، وتبادل التهنئة والدعاء، فعن محمد بن زياد (رحمه الله) قال: كنت مع أبي أًمامة الباهلي (رضي الله عنه) وغيره من أصحاب النبي (صلى الله عليه وسلم) فكانوا إذا رجعوا من العيد يقول بعضهم لبعض: (تقبل الله منا ومنك). وقال ابن رجب الحنبلي (رحمه الله): (وقد روي عن جماعة من الصحابة والتابعين أنهم كانوا يتلاقون يوم العيد ويدعو بعضهم لبعض بالقبول)
كما شرع للمسلمين اللعب فيه والمرح وشهود ذلك كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم والسيدة عائشة رضي الله عنها من ورائه يشاهدان لعب الحبشة بالرماح في المسجد
فلنتخيل لو أننا طبقنا هذه السنن فضجت بيوتنا وأسواقنا ومجالسنا بالتكبير رجالا ونساء وأطفالا وأشركنا الأطفال في إخراج زكاة الفطر ثم تناولنا التمر بعد صلاة الفجر ولبسنا أجمل حللنا وخرجنا إلى مصليات العيد وتبادلنا التهاني مع المسلمين ثم عدنا لنتزاور ونحيي عاداتنا الجميلة المباحة التي لا تخالف الشرع ولعبنا ومرحنا ووزعنا الهدايا على الأطفال وطعمنا وشربنا مع أهلنا وأقاربنا وجيراننا وحتى إن خرجنا للنزهة خرجنا سويا ألن تكون للعيد طقوس مميزة ومظاهر فرح جميلة ؟ بلى والله لكن ما الذي يحصل اليوم :
ابتعدنا عن تطبيق سنة التكبير حتى في المصلى واكتفى الكثيرون بشراء كوبونات الزكاة - لا أقول أنها حرام - ففقدنا طعم إخراج زكاة الفطر ولهثنا ليلة العيد للأسواق نشتري ما نقص علينا وكأن العيد جاء فجأة ولا تسل عن الأخلاق والنفسيات السيئة ثم سهر حتى الفجر ثم شهود الصلاة والتي بدأنا نلمس غياب الشباب من الجنسين عنها بل إن أداءها في المساجد- رغم جواز ذلك - أفقدها طعمها ومن جرب أداءها في المصلى ثم جرب أداءها في المسجد لمس الفرق وبعد الصلاة ربما اكتفينا بتهنئة القريبين ثم أوينا لمهاجعنا ونمنا حتى المساء والبعض حتى بعد صلاة العشاء مفوتين الصلوات وخرجنا مع أصدقائنا أو مع عائلتنا الصغيرة وكأننا في يوم عادي !! حتى أطفالنا فقدوا بهجة العيد فحتى ألعاب العيد يشترونها بأنفسهم وربما أفسدوها قبل حلوله كما حرموا من عادة المرور على البيوت ومعايدة أهلها في الحارات القديمة لأن بيوتنا اليوم أصبحت مغلقة في وجوه الزوار إلا لمن نعرفهم كما أن هذا الأمر صار خطرا عليهم لضعف العلاقة بين الجيران ومخاطر العمالة الأجنبية
وأما عيد الأضحى المبارك - العيد الأكبر - فملامحه ومظاهره أكبر وأشهر وأجمل فقبله أيام هي أعظم أيام السنة للحاج وغيره وفيها يوم عرفة أفضل أيام السنة ولأن شعيرة الحج يؤديها جمع قليل من عموم المسلمين شرع الله لغيرهم إحياء أيام العشر بالذكر والتكبير والصيام والإمساك عن أخذ شيء من الشعر والبشرة لمن أراد أن يضحي وجعل يوم العيد وأيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل فما أجمل مشهد التضحية واجتماع العائلة على ما رزقهم الله وما أجمل تهادي الأهل والأقارب لحوم الأضاحي والتصدق بجزء منها !
لكن هل استشعرنا معاني العيد السامية واستعدنا ذكريات إبراهيم الخليل عليه السلام ومعاني الفداء والتضحية فيها ؟
إن العيد عند المسلمين عيد للقلوب والأرواح يستشعرون ويستحضرون فيه شكر الله على نعمة التوفيق للطاعة ويستجيبون فيه لأمره عز وجل بتطهير قلوبهم من الغل والحسد فتتصافى نفوسهم ويتسامحون ويروحون عن نفوسهم بما أباحه الله لهم من لهو مباح يستجمون فيه ويستعيدون نشاطهم وقوتهم في العبادة وعمارة الأرض
كيف سنحس بطعم العيد ونحن لا ندرك معانيه ولا نطبق واجباته وسننه ولا نؤدي شعائره ومظاهره كما يجب ؟ لقد أدرك أجدادنا هذه المعاني وابتكروا من العادات والتقاليد ومن الأطعمة الخاصة والمظاهر الشعبية ما يجعلهم يصنعون للعيد بهجته وفرحه حتى رسخت ذكرياته في نفوسهم فعاشوا مطمئنين متصالحين مع أنفسهم ومع الآخرين
لكننا اليوم فرغنا هذه المناسبة من حقيقتها واكتفينا بمظهرها الخارجي لأننا في حياتنا نفسها استوردنا كثيرا من العادات والتقاليد والمظاهر البعيدة عن ثقافتنا وابتعدنا عن إرثنا وحضارتنا وثقافتنا التي تميزنا وتعطينا هويتنا الخاصة فلا عجب ألا تكون للعيد البهجة التي يجب أن تكون له خاصة أن فكر التشدد طال بعض عاداتنا وتقاليدنا الموروثة فحرمها بغير مسوغ شرعي !

يؤلمني جدا أن أسمع ثناء كثير من الشباب على أعياد الغرب وهم يرون مظاهر الفرح تعم مدنهم وقراهم يشترك فيها الجميع وتحسرهم على فقدان هذا الشعور بالسعادة وغياب مظاهر الفرح في أعيادنا غير مدركين أن العيب ليس في أعيادنا بل في تغييب مظاهره وشعائره وفي بعدنا عن ديننا العظيم الذي قصرنا معانيه على الجوانب التعبدية فقط

إن إعادة السعادة والفرح لأعيادنا مهمتنا جميعا ويقع العبء الأكبر على العلماء والدعاة وطلبة العلم فليتهم يتقدمون الصفوف ويشاركون في برامج فرح اجتماعية في مدنهم وقراهم ويساهمون عمليا في إظهار شعائر العيد مع التوعية والتوجيه وعدم الاكتفاء ببيان الأحكام الشرعية فقط

إن الأعياد مناسبات عظيمة تبرز فيها الأمم عقائدها وثقافتها وحضارتها وفرصة عظيمة لترسيخ ذلك في نفوس أبنائها ووالله لو أظهرنا شعائر أعيادنا وطبقنا واجباتها وسننها واستعدنا عاداتنا الجميلة لكانت من أكبر وأعظم الوسائل للدعوة إلى الله وإلى تعلق المسلمين بدينهم وعقيدتهم وعودة الفرح والسرور لنفوسنا وبيوتنا وحياتنا فمتى نعي ذلك ؟


http://blog.amin.org/faleh/2010/12/31/%D8%A3%D8%B9%D9%8A%D8%A7%D8%AF%D9%86%D8%A7-%D9%88%D8%A3%D8%B9%D9%8A%D8%A7%D8%AF%D9%87%D9%85/