سيدي رئيس جمهورية مصر العربية المُنتظر..
تحية طيبة وبعد..
أكتب إليك خطابي الأول لأي رئيس عرفته في حياتي سواء رئيس جمهورية أو وزارة أو حتى في العمل، وربما يكون هو الخطاب الأول الذي يصلك من أحد من أبناء الشعب.


سيدي الرئيس أود أن أبلغك أنني لم أعد جبانا، ما عدت اخشى الكلام، فلقد علمتني أيام الثورة والغضب أن لي لسانًا ينطق وعقل يفكر، وقلب لا يزال ينبض بعشق الوطن وحب ترابه، فاجأتني الثورة أني ما زلت أحيا وكنت قد اعتقدت إني انتهيت منذ زمن.

سيدي الرئيس المُنتظر أعلم أن مقدمتي قد تكون غريبة بعض الشئ ولكنها ياسيدي الحقيقة، ففي سالف الأزمان وتحديدًا قبل يناير 25 يناير 2011 كنت هناك أنا وكثير من شباب مثلي نشأنا وتربينا في ظل رئيس متنحي أو مخلوع أو مُتخلي يدعى محمد حسني مبارك، وُلِدنا ونشأنا وتعلمنا وبدأنا حياتنا العملية والمهنية في ظل حكمه ومؤسساته.


كان دومًا يتغنى بأنه راعي الحريات وما قُصِف قلم في عهده وما أغلقت صحيفة، وفي الوقت ذاته كان سيف الطوارئ مسلط على رقابنا، ومعتقلات أمن الدولة مفتوحة دومًا لاستضافة من يقوى ويتجرأ على أن يتفوه بكلمة ضد حكمه ونظامه، وكانت كل أطياف المجتمع ضيوف على معتقلات وزراء داخليته، إخوان، يساريون، سلفيون، وحتى أبناء نظامه في بعض الأحيان.

تربيت على الخوف والحذر، والحياة "جنب الحيط"، "عشان أنا إبن مواطن غلبان مالوش ضهر وعايش على سمعته وشرفه والستر.. ولعلمك ياريس المواطن الغلبان ده مات بسرطان الكبد بسبب المواد المسرطنة اللي كان بيجيبها لنا واحد من وزراء ما قبل 25 يناير.. وبرضوا يا ريس خفت أقلهم انتوا موتوا أبويا ليه.. معلش يا ريّس اخدتك بره الموضوع شوية".

سيدي الرئيس تربيت في عهد النظام البائد، وعلموني في المدرسة أن لا أرى سوى ما يراه الاستاذ، فإذا حاولت الإجابة بطريقتي نهرني، وإذا حاولت النقاش قيل لي لا تناقش بل احفظ ما يقال لك حتى تنجح في الامتحان، وفي البيت كالمدرسة لا تناقش وافعل ما يملى عليك فالأب حاكم ونحن محكومين، في الجامعة منعت من ممارسة الأنشطة ما عدا اللعب في دوري الجامعة، وشطبوا اسمي من انتخابات اتحاد الطلاب، وحتى الآن وبعد مرور أكثر من 8 سنوات لم أعلم لماذا تم منعي، وحتى عندما بدأت عملي في الصحافة قيل لي إن هناك سياسة تحريرية مقدسة آثم من يتمرد عليها.

سيدي الرئيس طوال 26 عاما هي ما قدر لي أن أعيشه حتى الآن، لم أقوْ مرة على اختراق القواعد، ولم أحاول مرة أن أعبر عن رأيي اللهم بيني وبين نفسي، حتى أني كنت أخشى أن أدونه مخافة أن يقع في يد زبانية النظام، وفجأة وبحكم عملي بداية تواجدت لتغطية أحداث مظاهرات في 25 يناير، ملتزمًا بآداء واجبي المهني في نقل الأحداث وحسب.

فجأة سيدي الرئيس ومن هول ما وجدت من فرط استخدام القوة وقمع من قوات الأمن المركزي قبل أن يطويها الفراغ وتختفي وتتلاشى كالسراب، وجدت ينابيع الثورة تنفجر بداخلي، وتتجمع بكياني شحنات من الغضب والحنق، وظللت حتى جمعة الغضب أسأل نفسي.. ليه كده .. ليه كده.

وبدأت الأمور تأخذ مَنحًا جديدا تحديدا عقب صلاة جمعة الغضب، حيث انضممت لصفوف المتظاهرين في تحول لاإرادي هاتفا.. "الشعب يريد.. اسقاط النظام".. لا أخفيك سرا سيدي الرئيس أني حينها لأول مرة أشعر أنني من الشعب.. وأفهم ما معنى الشعب بعد أن كنت لا اعلم ولا أعي سوى سوط النظام.

سيدي الرئيس آسف على الإطالة ولكن الثورة علمتني أنك الآن موظف لدي ولدى كل واحد من أبناء الشعب وبحكم عملك يجب أن تصغى لي لأني واحد من الشعب الذي يدفع راتبك كي تدير لنا شئون وطننا، .. للمرة الأولى في حياتي أتمكن من قول ما أريده دون خوف ولا رهبة.. ووجدتني أهتف وسط ميدان التحرير" مبقتش جبان.. مبقتش جبان".
ختاما سيدى الرئيس المنتظر أعلم أن مهمتك شاقة أن تقود شعبا من الشجعان الذين عاشوا بعضا من حياتهم جبناء ثم ذاقوا معنى الحرية ومذاق الشجاعة، فكم من الصعب أن تقود شعب يعرف حقوقه ويقوى على التعبير عن رأيه والدفاع عن مكتسباته.. على أية حال طالما انك جئت، إذن أفترض أنك تقوى عليها.. لذا أكلفك بأن تدير حقي في الوطن.. وأن تحافظ على مكتسباتي من ثورة التحرير .. وأذكرك سيدي الرئيس المنتظر.. "أنا لم أعد جبانا.. فاحذرني".


المصدر