كتب الأستاذ: حمد البدارني :

انتشرت عبر منتديات ومواقع الانترنت ظاهرة جديدة وغريبة في الوقت نفسه تتمثل في وجود عدد ممن يقومون ببيع آلاف العناوين البريدية العربية لمن يود ويرغب في شرائها.

وتعد تلك الظاهرة جديدة نوعاً فيما بين المواقع العربية التي لا تزال تؤكد جميعها عند التسجيل فيها "بالحفاظ على سرية المعلومات" الشخصية وخاصة الرسائل البريدية وهي حالة تؤكد إفلاس عدد من المواقع العربية التي تقوم بالمتاجرة في تلك القوائم البريدية التي تتسبب بشكل أو آخر في وجود كم كبير من الرسائل البريدية المهملة Spam سيعاني منها الكثير من المستخدمين العرب ولن يتفاجأ أحد بعد الآن بامتلاء صندوق أو صناديق بريده الافتراضية بعد اليوم بعشرات الرسائل التي تنطلق من هنا وهناك من دون سبب واحد وفي تحد لابسط حقوق المستخدمين وهو الحفاظ على سرية عناوينهم البريدية المطلوبة للتسجيل في المواقع والمنتديات العربية.


صراع جدلي والشركات على الخط

وتابعت الرياض @نت خلال الفترة الماضية ظهور طبقة من "تجار القوائم البريدية" الذين يقومون بشراء أو عرض بيع ومبادلة القوائم التي يمتلكونها لكل من يرغب سواء أكانوا شركات أو مؤسسات أو حتى مواقع عربية والضحية في النهاية هو المستخدم نفسه الذي سيجد ازعاجاً من تلك الرسائل المهملة والتي قد يستغرب وصولها في النهاية إلى بريده رغم أنه لم يشترك فيها.

وتباينت ردود الأفعال وخاصة في المنتديات العربية بين مؤيد ومعارض لمثل ذلك العمل ورغم أن معظم المشاركين في تلك المناقشات يرفضون بيع معلوماتهم لكل من هب ودب ويعدون ذلك العمل تعدياً عليهم بالدرجة الأولى إلا أن هناك فئة قليلة وهي المستفيدة بالطبع ترى في أن تلك القوائم البريدية المليئة بالمشتركين حق من حقوقهم وطريقة مشروعة في رأيهم للتكسب من خلال الوقت والمال الذي أمضوه وصرفوه على بناء وتطوير مواقعهم.

وفي النهاية فإن هناك عدداً من الشركات التي لا تمانع في شراء تلك القوائم بل واستخدامها لأغراضها التجارية للترويج لمواقعها وخدماتها ومنتجاتها وقد تلقت الرياض @نت نسخاً من تلك الإعلانات التجارية التي تتصف بأنها غير مشروعة حسب نظام الانترنت باعتبارها وسيلة تسويقية ممنوعة ولكن يبدو أن تلك الشركات وجدت في ضعف الأنظمة الخاصة بالحماية من الرسائل المهملة وتجريمها في البلدان العربية وسيلة للتحايل على تلك الأنظمة إضافة إلى أن العديد من المستخدمين الذين يتعرضون لمثل تلك الرسائل لا يقومون بارسال الطلبات إلى تلك الشركات المصدرة للرسائل لوقفها أو منعها أو حتى التهديد باملاحقتها نظامياً.

ويتبع عدد من المواقع والشبكات والمنديات العربية أساليب احتيالية لطمأنة المستخدمين بأن معلوماتهم ستكون "غاية في السرية" وسيتم "الحفاظ عليها" باعتبار أن ذلك شعار للموقع بيد أن الواقع يؤكد عكس ذلك تماماً.


حتى الدين الحنيف أقحم في القضية

وبعد أن يطمئن المستخدمون إلى أن معلوماتهم في "الحفظ والصون" فإنهم يقومون بعرض بيعها وخاصة بعد تجميع عدد كبير من عناوين المستخدمين لكل من هب ودب، والمؤسف في الأمر أن بعضهم يستخدم عبارات قد تجيز مثل ذلك الأمر وهو "استخدامها لأغراض دعوية ودينية" واستخدام الدين الحنيف غطاء لبيع وتبادل مثل تلك القوائم وهو ما قد يجد تجاوباً كبيراً بين بعض القائمين على المواقع للمساعدة في ذلك العمل "الدعوي".

وهنا قد تقع الكارثة عندما يقوم ذلك "المحتال" باستخدام تلك القوائم لبث إعلانات بريدية مجانية غير مقبولة من المستخدمين أنفسهم بل والاتصال بعدد من الشركات العاملة في بيع المنتجات والخدمات على الانترنت لتوفير تلك القوائم البريدية والتي قد تكون كبيرة للغاية والتكسب منها.

وهذه القضية القديمة في الانترنت والتي قد تكون حديثة في المنتديات والشبكات العربية تعود بنا إلى القضية الجدلية الكبيرة في الانترنت وهي هل يمكن وصف العناوين البريدية لدى الموقع بالأصول المالية له ومن ثم هل يجوز للقائمين عليها التصرف بها وبيعها على اعتبار أنها من ضمن ممتلكات الموقع نفسه ثم ما مدى مشروعية التعامل والتصرف بتلك القوائم البريدية من دون الحصول على إذن من أصحابها الأصليين وهم المستخدمون أنفسهم؟

وبما أن تلك القضية لا تزال كما تم وصفها بالجدلية فإن الجدلية في الشبكات العربية ستكون أكبر باعتبار مدى مشروعية أو حرمة التعامل بتلك القوائم البريدية من الناحية الدينية ومدى أخلاقية مثل تلك الأعمال إضافة إلى عدم وجود جهات عربية يمكن الرجوع إليها للشكوى أو التظلم من قبل باعة معلوماتهم الشخصية والمتاجرة فيها.

الإغراق البريدي أخطر من الهاكرز

يذكر أن العديد من الشركات التي تقوم بالتعامل مع الانترنت قد حذرت بأن أكبر المخاطر التي تهدد شبكات الانترنت الدولية هو ليس المخترقين والمخربين فقط وإنما حملات البريد المهمل Spam والتي قد تتسبب في إيقاف مواقع وخدمات بريدية بأكملها إضافة إلى أنها ستؤثر حتماً على المشتركين والمستخدمين للشبكة ويمكن أن تصل إلى درحة تهديد مباشر لصناديق بريدهم أو مواقعهم الافتراضية في حالة توجيه كميات كبيرة من الرسائل الكبيرة لتعطيل الموقع أو إيقاف الاشتراك البريدي نفسه.

وينصح عدد من الخبراء المستخدمين باستخدام بريد اليكتروني خاص للاستخدامات الشخصية وآخر للاستخدامات الخاصة بالاشتراك في المواقع والخدمات على الشبكة والتي قد تكون عرضة لهجمات البريد المهمل.

وقد حصرت الرياض @نت من خلال جولتها على المواقع العربية عدداً من الأسماء العربية التجارية المعروفة على شبكة الانترنت والتي تستخدم مثل تلك الأساليب وهو أمر يستدعي وضع حل نظامي لها وإيجاد عقوبات خاصة على الشركات التي تستخدمها باعتبار أن ذلك الأمر غير نظامي كما أنه يستدعي من المشرعين العرب في مجال أمن المعلومات لوضع حد لتلك الثغرة الأمنية والإجرائية وسدها لمنع انجراف الكثير من الشركات إلى مثل تلك الحملات التسويقية التي قد لا تكون مكلفة كما هو حال الحملات الإعلانية في الوسائل الأخرى رغم أنها ستكون حملات فاشلة باعتبار أن مصير تلك الرسائل المهملة هو سلة المهملات في برامج الكمبيوتر.

المبرمجون يزيدون الطين بلة

والأخطر في هذه القضية هو انجراف عدد من المبرمجين في طرح سكربتات وبرامج خاصة لاستخلاص العناوين البريدية من المواقع العربية ومن ثم تجميعها وفهرستها ووضعها على شكل قواعد بيانات وبالتالي يمكن لمن يود التصرف فيها إعادة بيعها من جديد وهو أمر قد يزيد من الطين بلة في هذه القضية ويستدعي من المشرعين العرب سد الثغرة النظامية في التعامل مع شبكة الانترنت ووضع المتاجرة في القوائم البريدية ضمن تصنيف جرائم الانترنت كما هو الحال في الأنظمة المستخدمة في عدد من الدول الغربية وخاصة في أمريكا الشمالية وأوروبا والتي تعد مثل ذلك العمل ممارسة غير مشروعة.


http://www.alriyadh-np.com/rnet/18-05-2002/tah.html