بسم الله الرحمن الرحيم
تبصير الضَّرير
بذكر بعض ما أحدثْته رياحُ التغيير

غُرابُ البَينِ خيرٌ مِنْ حَمَامِ *** بِحُسنِ الصوتِ يَدعو للحِمَامِِ
وصوتُ البُومِ أحلى مِنْ حُداءٍ*** على أشلاءِ إخوانٍ وهَام
ونارُ الفقر خيرٌ مِنْ نَعيمٍ *** على أنيابِ ذُؤبانٍ لِئام
وصبرٌ والشعائرُ قائماتٌ *** أخفُّ مِنَ الخروج على الإمام
وَرَعيُ الضأنِ في شِعبٍ بأمنٍ *** أحبُّ مِنْ القصورِ بِلا سَلام
وذكرُ الله في غارٍ بقفرٍ *** وخبزٌ بُلَّ مِنْ ماءِ الغَمام
أحبُّ مِنْ الحياةِ بدونِ ذكرٍ *** ومِنْ قَمرٍ يُطَلُّ مِنْ الخِيام

وأنتم لم تعولوا من فطمْتم *** ولا عُفيَ الوليدُ من الفِطام
فكنتم مثل من حبست لهرٍّ *** ولم تُطْعمه من بعض الطعامِ
ولا تركتْه يذهب حيث يهوى *** ويأكل من خشاشٍ أو هوامِ

لَحاكَ اللهُ مِنْ زمنٍ خَئونٍ *** يُديرُ الظَهرَ للقومِ الكِرام
يُصدَّقُ فيه مَنْ عُرفوا بكذبٍ *** وكُذِّبَ أهلُ صِدقٍ والتزام
وقدْ نَطقَ الرويبض بعد صَمْتٍ *** وكان يَخاف مِنْ صَوتِ اليَمام
وحَدَّثَ نَفسَهُ مَنْ كان ثَعلاً *** بأنْ يَسطو على أُسْدِ الحِمام
وباْسم الشعب قدْ نادى أُناسٌ *** وهمْ أنكى عليه مِنْ الحُسام

نعمْ قدْ غُيَّرَ الوضعُ لدينا *** وبُدِّلنا التَفرقَ بالوئام
وكان الضوءُ يأتينا صباحاً *** مساءً ثُمَّ صِرنا في ظَلام
ومشتقاتنا كانتْ بِسعرٍ *** رَخيصٍ دُون فوضى أو زِحَام
فصارتْ إِن وجدناها ببحثٍ *** شَديدٍ مِثْلَ جَوهَرةِ النِّظام
وقَتل النفس ظُلما صار شيئاً *** طبيعياً لدى بَعضِ الأنام
وصارتْ قيمةُ الإنسانِ تُودى *** بقيمة طَلقَةٍ مِنْ كَفّ رَام

وكان المرءُ مِنْ صَنعاءَ يَمشي *** إلى سيئون والبَلدِ الحَرام
ولا يخشى لصوصاً في طريقٍ *** ولا يخشى التقطّعَ مِنْ فِئام

فصرنا ليس نأمنُ في قُرانا *** وفي سُبُل المدينة مِنْ سِهام
وعُطّلَ ضَربُنا في الأرض حتى *** أضرَّ بقومنا طُولُ المُقَام
وعُطّلتِ المتَاجرُ والمباني *** مِنَ العُمال في رَهجِ الخِصام
وكمْ مِنْ مُنشئاتٍ دَمَّروها *** لها احتاجَ البِناء لِبضعِ عام
وصارَ الرأي للسُفهاءِ مِنَّا *** وسُفِّه رَأيُ ذِي حِلمٍ هُمام
وصارَ السَّبُّ للأمراءِ فضلاً *** لدى الغوغاء عُشَّاق الهُيام

كأنَّ السَّبَّ للأمراءِ فرضٌ *** لهُ أجرُ الصلاةِ أوِ الصيام
إذا ما خزّنوا لَعنوا وسبّوا *** ولاة الأمر في حُمَّى الكَلام
وقد عَلموا بأن الطَعن فيهمْ *** حَرامٌ لا يَحلُّ لَدى الكِرام
فأين الفقه والإيمان منكمْ *** وأين الحِفظ منكمْ للذِمَام ؟!
وذاتُ الخدر بعد الصَونِ تأوي *** إلى الساحاتِ في جُنح الظَلام !

يُحدَّثُ بَعضُهمْ بَعضاً جهاراً *** نهاراً دُون خَوفٍ واحتِشَام
كأن شَعائر التغييرِ تقضي *** على النسوانِ إسقاطَ اللثَامِ

فَحُقَ لِمنْ لهُ قلبٌ وعينٌ *** بأنْ يَبكي على بَلد الكِرام
وأن يبكي لتونس أو لمصرٍ *** بدمعٍ مِنْ دَمٍ لا مِنْ غَمام
فلا همْ أطعموها أو سقوها *** ولا تُركتْ تُفتّش عنْ طَعام

وهذا الغيضُ مِنْ فيضٍ ذَكرنا *** لمِنْ نادوا بتغييرِ النظام
وصلى الله ألفاً بعد ألفٍ *** على المبعوث نوراً في الخِتام

كتبها: أبو عمر عبد الكريم الجعمي
12/شعبان/1432هـ