أبو بكر الصديق عبد الله بن أبي قحافة
من مواليد مكة المكرمة، ولد بعد عام الفيل بسنتين وستة أشهر (50 ق.هـ / 573م)، و توفي في المدينة المنورة في جمادى الأولى 13هـ / 23 أغسطس 634م رضي الله عنه.

لقد اخترت لكم في هڈه السلسلة حدثًا جليلاً عظيمًا من أحداث التاريخ الإسلامي آثرت أن أفرد له هذا البرنامج، حتى ندرسه ونفقهه ونحلله؛ فنتحرك به خطوة، بل خطوات إن شاء الله إلى الأمام.
هذا الحدث الجليل هو استخلاف الرجل الجبل أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه على المسلمين بعد وفاة رسول صلى الله عليه وسلم
ولاحظوا أننا نقول استخلاف أبي بكر الصديق، ولا نقول أننا سنحدثكم عن خلافة أبي بكر الصديق، فهذا يطول ويتشعب، لكننا فقط في هذه المقالات نتحدث عن قصة الاستخلاف:
كيف اختير أبو بكر الصديق خليفة للمسلمين؟
وكيف تم؟
وما هي خطواته وما هي تبعاته؟
ماذا حدث في سقيفة بني ساعدة؟
وماذا أثير حولها من شبهات من المستشرقين وأحبابهم؟
والحق أن كثيرًا من القراء قد يتعجبون لإفراد هذا الحدث، الذي يعدونه حدثًا قصيرًا بسيطًا في التاريخ ببحث خاص.
فالحدث تم في أقل من يوم واحد، وتاريخ المسلمين أربعة عشر قرنًا من الزمان، فهل نفرد له بحثًا خاصاً و لماذا هذا الحدث بالذات؟
لقد أحب رسول الله صلى الله عليه وسلم حبًّا خالصًا خالط لحمه ودماءه وعظامه وروحه حتى أصبح جزءًا لا يتجزأ من تكوينه، والصحابة جميعًا أحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حبًّا عظيمًا فريدًا، ولكن ليس كحب أبي بكر الصديق رضي الله عنه
هذا الحب الذي فاق حب المال والولد والأهل والبلد، بل فاق حب الدنيا جميعها.
وحب رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكملات الإيمان، فقد روى البخاري ومسلم رحمهما الله عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ”.
وأبو بكر الصديق رضي الله عنه أشد الناس إيمانًا، فهو إذن أشد الناس حبًّا للرسول صلى الله عليه وسلم، ففي حديث رسول الله في مسند الإمام أحمد عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ غَدَاةٍ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، فَقَالَ: “رَأَيْتُ قُبَيْلَ الْفَجْرِ كَأَنِّي أُعْطِيتُ الْمَقَالِيدَ وَالْمَوَازِينَ، فَأَمَّا الْمَقَالِيدُ فَهَذِهِ الْمَفَاتِيحُ، وَأَمَّا الْمَوَازِينُ فَهِيَ الَّتِي تَزِنُونَ بِهَا، فَوُضِعْتُ فِي كِفَّةٍ وَوُضِعَتْ أُمَّتِي فِي كِفَّةٍ، فَوُزِنْتُ بِهِمْ، فَرَجَحْتُ، ثُمَّ جِيءَ بِأَبِي بَكْرٍ، فَوُزِنَ بِهِمْ فَوَزَنَ”.
هذا الحب المتناهي، له دليل من كل موقف من مواقف السيرة تقريبًا، ولو تتبعت رحلة الصديق رضي الله عنه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لرأيت حبًّا قلما تكرر في التاريخ.
وتعالوا نقلب الصفحات في حادث واحد فقط هو حادث الهجرة إلى المدينة المنورة:
- لما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت أبي بكر في ساعة لم يكن يأتيهم فيها، أول ما قاله أبو بكر قال: فداء له أبي وأمي، والله ما جاء به في هذه الساعة إلا أمر.
- ولما أخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمر الهجرة قال أبو بكر الصديق بلهفة: الصُّحْبَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الصُّحْبَةُ”.
فماذا كان رد فعل أبي بكر لما علم أنه سيصاحب رسول الله؟
أترك لكم السيدة عائشة تصور هذا الحدث: قالت: فوالله ما شعرت قط قبل ذلك اليوم أن أحدًا يبكي من الفرح، حتى رأيت أبا بكر يبكي يومئذ.
يا الله، يبكي من الفرح للصحبة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع أن هذه الصحبة الخطيرة سيكون فيها ضياع النفس، فمكة كلها تطارده صلى الله عليه وسلم، ويكون فيها ضياع المال، ويكون فيها ضياع الأهل، ويكون فيها ترك البلد، لكن ما دامت في صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا أمر يبكي من الفرح لأجله.

المصدر:
ارابيا مان