من اليهودية إلى النصرانية ثم إلى الإسلام


دين الإسلام لا يحتاج إلى دعايات كاذبة، وبهارج مزخرفة، ليجذب الناس إليه؛ فهو دين الفطرة التي فطر الله الناس عليها.
والإنسان مهما بلغ من السوء، وارتكب من الكفر والفجور، والعصيان؛ فإنه يحمل قلباً قابلاً لأن يلين لشرع الله سبحانه وتعالى، وعقلاً قد يفكر يوماً في مصيره ونهايته؛ فتكون بداية هداية له؛ كما حصل لكثير من الكفار والفساق الذين أسرفوا على أنفسهم بالعصيان، وواقعوا الكبائر والموبقات، فبعضهم أسلم بمجرد سماعه لآية تتلى من كتاب الله تعالى، أو حديث عن رسوله ، أو أعجبه حكم شرعي جعله يطلع على أحكام هذا الدين بقصد التعرف عليه ليس إلا، ولكن بمجرد معرفة أحكامه تغيرت مجريات حياته؛ فقرر أن يغير دينه، وينتقل إلى حياة جديدة.. ينتقل من الكفر إلى الإسلام، ومن الضلال إلى الهداية، ويغير تبعاً لذلك اسمه ونظام حياته؛ إرضاءً لربه، وطلباً للجنة.
وهداية التوفيق هبة من الله تعالى يمن بها على من يشاء من عباده، فمن قضى الله بهدايته اهتدى مهما بدا للناس أنه بعيدٌ عن الإسلام؛ ذلك أن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء.
وليست الهداية مقصورة على جنس دون جنس، أو لون دون لون، أو لسان دون لسان، أو محصورة في بلد معين، أو قبيلة محددة؛ بل من شاء الله تعالى هدايته اهتدى ولو حاول إضلاله مردة الجن وشياطين الإنس، ومن لم يرد الله هدايته فلو اجتمع أهل الأرض كلهم من أجل هدايته لما استطاعوا، وصدق الله العظيم إذ يقول: ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى" يكونوا مؤمنين ( 99 ) وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون (100) {يونس: 99، 100} .
وفي هذه القصة التي بين أيدينا امرأة تائهة عن الحق، محرومة من نعيم الدين والدنيا، تعامل عند قومها كما يعامل المتاع الرخيص الذي لا يساوي شيئاً، وقد عملت من الفجور ما عملت حتى إن من رآها استبعد أن هذه قد تؤمن في يوم من الأيام، ولكن الله تعالى لطيف لما يشاء، وغالب على أمره، ولا يعجزه شيء، فهداها للإسلام، وأخرجها من الضلال.
تحكي قصتها امرأة مسلمة فتقول:
رأيتها بوجهها المضيء في مسجد يقع على ربوة في مدينة أمريكية صغيرة تقرأ معاني القرآن باللغة الإنجليزية، سلمت عليها.. ردت ببشاشة.. تجاذبنا أطراف الحديث.. وبسرعة رهيبة صرنا صديقتين حميمتين.
وفي ليلة جمعتنا على شاطئ بحيرة جميلة حكت لي قصة إسلامها فقالت: نشأت في بيت أمريكي يهودي.. في أسرة مفككة.. وبعد انفصال أبي عن أمي تزوج بأخرى أذاقتني أصناف العذاب، فهربت وأنا في السابعة عشرة من وسكانسن إلى أوهايو حيث التقيت بشباب عرب...
وهم كما حكت رفيقاتي المشردات كرماء.. وما على إحداهن إلا الابتسام في وجوههم حتى تنال عشاء وشراباً فاخراً.. ففعلت مثلهن، وفي نهاية كل سهرة كنت أهرب، فقد كنت لا أحب هذه العلاقات، ثم إني أكره العرب..
ولكني لم أكن سعيدة بحياتي، ولم أشعر بقيمتها ولا بالأمان.. شعرت دوماً بالضيق وبالضياع.. لجأت إلى الدين؛ لكي أشعر بالروحانية، لكي أستمد منه قوة دافعة في الحياة؛ ولكن اليهود بدينهم لم يقنعوني.. وجدته ديناً لا يحترم المرأة، ولا يحترم الإنسانية كلها.. دين أناني.. كرهته.. وجدت فيه التخلف.. ولو سألت سؤالاً لم أجد إجابته..
تنصرت ولم تكن النصرانية إلا ديناً آخر متناقضاً.. فيه أشياء لا يصدقها عقل، ويطلبون منا التسليم بها.. تساءلت كثيراً: كيف يقتل الرب ابنه؟! كيف تكون لدينا ثلاثة آلهة ولا نرى أحداً منهم...؟!
احترت فتركت كل شيء؛ ولكني كنت أعلم أن للعالم خالقاً، وكنت كل ليلة أشرب حتى الثمالة، فارتمي في أي ركن، أو حديقة، أو بيت مهجور حتى الصباح. وفي ليلة صحوت في وقت السحر، وكنت على وشك الانتحار من سوء حالتي النفسية.. كنت في الحضيض.. لا شيء له معنى.. المطر يهطل بغزارة، والسحب تتراكم وكأنها سجن يحيط بي.. الكون ضيق.. الشجر ينظر إليّ ببغض.. قطرات المطر تعزف لحناً كريهاً رتيباً..
عندما كنت أطل من نافذة بيت مهجور وجدت نفسي أتضرع لله: يارب.. أعرف أنك هناك.. أعرف أنك تحبني.. أنا سجينة.. أنا مخلوقتك الضعيفة.. أرشدني أين الطريق؟؟ رباه إما أن ترشدني أو تقتلني.. كنت أبكي بحرقة حتى غفوت..
وفي الصباح صحوت بقلب منشرح غريب علي.. كنت أدندن، فخرجت كعادتي إلى البار التقط رزقي، فلعل أحدهم يدفع تكاليف فطوري، أو أغسل الصحون فأتقاضى أجرها هناك.. التقيت بشاب عربي.. تحدثت إليه طويلاً.. فطلب مني بعد الإفطار أن أذهب معه إلى بيته، وعرض علي أن أعيش معه..
تقول صديقتي: ذهبت معه، وبينما نحن نتغدى ونشرب ونضحك دخل علينا شاب ملتح اسمه سعد كما عرفت من جليسي الذي هتف باسمه متفاجئاً!!
أخذ هذا الشاب الزجاجة وقام بطرد صاحبه، وبقيت أرتعد فها أنا أمام إرهابي وجهاً لوجه.. لم يفعل شيئاً مخيفاً بل طلب مني وبكل أدب أن أذهب إلى بيتي.. فقلت له: لا بيت لي.. نظر نحوي بحزن استشعرته في قسمات وجهه البهي.. وقال: حسناً فابقي هنا الليلة وكان البرد قارساً وفي الغد ارحلي، وخذي هذا المبلغ ينفعك ريثما تجدين عملاً، وهمّ بالخروج.
فاستوقفته وقلت له: شكراً.. لن أبقى هنا وتخرج أنت؛ ولكن لي رجاء، أريد أن تحدثني عن أسباب تصرفك مع صديقك ومعي، فجلس وأخذ يحدثني وعيناه في الأرض وقال: إنه الإسلام يحرم الخمر، والخلوة بالنساء، ويحثنا على الإحسان إلى الناس، وحسن الخلق. تعجبت من هؤلاء الذين يقولون عنهم: إرهابيين؟؟
لقد كنت أظنهم يحملون مسدساً ويقتلون كل من يقابلون من الناس.. وهكذا علمني الإعلام الأمريكي. قلت له: أريد أن أعرف أكثر عن الإسلام، هل لك أن تخبرني؟؟
قال لي: سأذهب بك إلى عائلة سعودية متدينة تعيش هنا، وسوف يعلمونك خير تعليم، فانطلق بي إليهم، وفي الساعة العاشرة كنت في بيتهم؛ حيث رحبوا بي، وأخذت أسأل والدكتور سليمان الجلعود يجيب حتى اقتنعت تماماً..
بالفعل هذا ماكنت أبحث عنه: جواب لكل سؤال. دين صريح، واضح، متوافق مع الفطر، لم أجد أي صعوبة في تصديق أي شيء مما سمعت.. كله حق، أحسست بنشوة لا تضاهى..
حينما أعلنت إسلامي، وارتديت الحجاب من فوري في نفس اليوم الذي صحوت فيه منشرحة في الساعة الواحدة مساءً، أخذتني السيدة إلى أجمل غرف البيت، وقالت: هي لك، ابقي فيها ماشئت، فرأتني أنظر إلى النافذة وأبتسم، ودموعي تنهمر على خدي.. وسألتني عن السبب، قلت لها: سيدتي، بالأمس في مثل هذا الوقت تماماً كنت أقف في نافذة وأتضرع إلى الله قائلة: رب، إما أن تدلني على الطريق الحق وإما أن تميتني، لقد دلني وأكرمني، وأنا الآن مسلمة محجبة مكرمة، هذا هو الطريق.. هذا هو الطريق..
وأخذت السيدة تبكي معي وتحتضنني.