هذا الحب في الله …. فأين البغض فيه
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على عبده ورسوله الذي اصطفى وبعد
إن الحب في الله والبغض في الله من أوثق عرى الإيمان كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك،
وإنما صار ذلك (أوثق عرى الإيمان) لأنه من أصح علامات وجوده في القلب، وبقدر قوته وضعفه تكون قوة الحب في الله والبغض في الله.
قال أبو زرعة بن عمر بن جرير : ((ما تحاب رجلان في الله عز وجل إلا كان أفضلهما أشدهما حبا لصاحبه)).
وإنما صار الأشد محبة هو الأفضل، لأنه أفضل في الإيمان الذي تفرعت منه هذه المحبة.

وقد قيل في المحبة في الله أنه لا يزيدها البر و لاينقصها الجفاء .. هذه حقيقتها فتأمل.
وهذا مما يدل على صدقها وسلامتها من الشوائب .. ولقد كثر في وقتنا المدّعون للمحبة في الله!!
فحتى لا تُخدع ويغرر بك، انظر في حبهم في الله، فإن كان كالثمرة والنتيجة للبغض فيه فنعم، وإلا فهي دعوى لا يغتر بها بصير بدينه لكنها تروج على العميان لأنه
(((لا ولاء إلا ببراء)))

والذي عليه عامة الناس، الانكباب على الحب في الله وتجاهل البغض فيه، ورغم أنهما جناحان في طائر لا يستقيم التحليق إلا بهما ، تعلم هنالك خداع الناس لأنفسهم، فلا تعجب من ضعف الإيمان وسقوط تلك المحبة المزعومة من حين إلى آخر.
قال ابن عباس رضي الله عنهما ((من أحب في الله وأبغض في الله ووالى في الله وعادى في الله فإنما تُنال ولاية الله بذلك، ولن يجد عبد طعم الإيمان وإن كثرت صلاته وصومه حتى يكون كذلك، وقد صارت عامة مؤاخاة الناس على أمر الدنيا، وذلك لا يجدي على أهله شيئاً)).
قال يوسف بن أسباط: ((سمعت سفيان الثوري يقول: إذا أحببت الرجل في الله ثم أحدث حدثاً في الإسلام فلم تبغضه عليه فلم تحبه في الله .. وهذا مما توزن به المحبة في الله، فهو ميزان صادق لا الدعاوى العارية من الحقائق، ولا الآراء الفاسدة والشقاشق.

وتارك البغض في الله أتاه الشيطان من جهة حسن الخلق، وحسن الخلق والرحمة ونحو ذلك هو بغض ما يبغض الله ورسوله، ومن آثار ذلك الطيبة أن يستشعر العاصي بمخالفته، وإلا كيف يستشعر بذلك إذا لم ير جفوة من صديق ، وتغيراً من صاحب وحبيب، وهذا كالمنبه والمحذر له.
ولو رأيت شخصاً عزيزاً عليك يسير في طريق محفوفة بالمخاوف والمخاطر، وهو قد يعرف أن الطريق كذلك وقد لا يعرف أو قد تكون معرفته بذلك ضعيفة ، فهو إذا لم ير الجد منك والتغير يتساهل ولايبالي حيث لم يشعر منك بتغير يناسب الحال ، فهل نصحته أو غششته ببرودة قلبك؟؟!!
ومعلوم أن العاصي مطيع للشيطان وهو أعدى أعدائه ويقوده إلى كل هلكة وعطب بزمام الهوى، ومغضب للرحمن، وهو موعود بعذاب لا يطاق، وأنت تراه أسير عدوه صريع هواه، وأنت بارد القلب، فهل يدل هذا على شفقة ورحمة أو حسن خلق بوجه من الوجوه أو يدل على محبة صادقة؟؟!!

وحسن الخلق مطلوب شرعاً وعرفاً، ومن توفيق الله للعبد أن يكون حسن الخلق، لكن الشأن بمعنى هذه الصفة، هل معناها ألا تغضب و لا تبغض فيه ولا تغضب إذا انتهكت محارم الله بدعوى أنك حسن الخلق.
هذا مفهوم سيئ ، ويلزم منه أن من غضب لله وأبغض في الله أنه سيئ الخلق.
والحقيقة أن حسن الخلق هو فعل ما أمر الله به واجتناب ما نهى عن اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي له الكمال من هذه الصفة، ومع هذا لا يقوم لغضبه شيء إذا انتهكت محارم الله، ويتغير وجهه للأمر المنكر، ويبغض في الله ويهجر في الله مع أنه لا ينتصف لحق نفسه.
لقد هجر النبي صلى الله عليه وسلم نساءه شهراً من أجل كلام أغضبه
وهجر ابن عمر رضي الله عنهما إبنا له إلى أن مات.

قال النووي في شرح مسلم: (أن أهل البدع والفسوق ومنابذي السنة مع العلم، يجوز هجرانهم دائماً، والنهي عن الهجران فوق ثلاثة أيام إنما هو فيمن هجر لحظ نفسه ومعايش الدنيا)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
المستتر بالمنكر ينكر عليه ويستر عليه، فإن لم ينته فعل ما ينكف به إذا كان أنفع به في الدين، وإن المظهر للمنكر يجب الإنكار عليه علانية ولا تبقى له غيبة، ويجب أن يعاقب علانية بما يردعه عن ذلك، وينبغي لأهل الخير أن يهجروه ميتاً إذا كان فيه كف لأمثاله فيتركوا تشييع جنازته)) أ.هـ
وقد ذكر العلماء أن الستر المندوب إليه في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من ستر مسلماً ستره الله عز وجل يوم القيامة) أن المراد بذلك الستر على ذوي الهيئات.
وقد سئل الإمام أحمد رحمه الله عن رجل له جار رافضي يُسلم عليه؟ قال : ((لا وإذا سلم عليه لا يد عليه)).

وقال شيخ الإسلام في الفتاوى المصرية: (من أظهر المنكر وجب الإنكار عليه، وأن يهجر ويذم على ذلك فهذا معنى قولهم: (من ألقى جلباب الحياء فلا غيبة له) بخلاف من كان مستتراً بذنبه مستخفياً فإن هذا يستر عليه لكن ينصح سراً، ويهجره من عرف حاله حتى يتوب، ويذكر أمره على وجه النصيحة)
والله تعالى أعلم


------------------
كن في الدنيا كأنك غريب