الحمد لله واشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له ، وأشهد أن محمدا صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم عبده وسوله ، وبعد :

ففي ظل هذه الأحداث الصاقعة المأساوية التي تمر بها المنطقة ، والتي قد تعقب من الدمار ، والمصائب ، والفتن ما الله به عليم ، وفي كل حال أيضا ، ليس ثمة شيء أنفع للمرء من اللجوء إلى الله تعالى ، و الاستعانة به ، و التوكل عليه ، واللوذ به ، والاعتصام بطاعته ، والاشتغال بالتوجه إلى من بيده الأمر كله ، وإليه يرجع الأمر كله ، علانيته وسره ، والإيمان الجازم بأن لله تعالى في هذا كله تدبيرا لأهل الإسلام ، سيظهره الله تعالى آجــلا ، ولو كره الكافرون .

وهذه عشر وصايا نافعة إن شاء الله للناس البعيدين عن ساحات الجهاد ، أما المجاهدون فحسبهم قوله تعالى : ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين ) .

أولا : تذكر أوّل ما تتذكر ، أن ركوب سفينة التوكل على الله ، وتفويض الأمر كله إليه ، وإنزال جميع شؤونك به ، هو الخطوة الأولى لكل نجاح في كل مطلوب .

ثانيا : اجعل معها مقرونة بها ، اللياذ بحياض الدعاء والصلاة ، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة ، وكان يحض علـــى دعاء المكروب : ( لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ) ، وكان يقول في الشدائد ( الله الله ربي لا أشرك به شيئا ) ويردد : (لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا هو رب العرش العظيم، لا إله إلا هو رب السماوات ورب الأرض رب العرش الكريم ) ، وكان يقول : من قــال ( بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ) إذا أصبح لم يضره شيء ذلك اليوم حتى يمسي ، وفي المساء حتى يصبح . ومن أنفع الاعمال عند اشتداد الاحوال : كثرة الاستغفار ، قال تعالى ( وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ) .

ثالثا : الصبر أوسع عطاء يعطاه المؤمن ، فادخل في حصنه الحصين ، وأغلق عليك بابه ، ولا تدع الجزع يدخل عليك ، فأنت بالصبر قوي على كل مصيبة ، قال تعالى ( واستعينوا بالصبر والصلاة ) ، وليتذكــر المؤمــن دائما أن أمر المؤمن كله خير ، كما قال صلى الله عليه وسلم : ( عجبا لامر المؤمن إن أمره كله خير إن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له ، وإن أصابته سراء شكر فكان خيرا له ، فأمره كله خير) .

رابعا : طهّـر إيمانك من الولاء للكافرين ، وحب ، أوتمني ، أو الركون والرضى بظهورهم في الأرض ، فإن ذلك ناقض للإسلام ، ممحقة لأصل الإيمان ، واعلم أن هذه الحرب مقدمة لمكر أكبر يمكر به أكابر مجرمي القوى العالمية ، هدفهم منها إطفاء نور الله تعالى ، والقضاء على الجهاد ، وتركيع الأمة الإسلامية لمخططاتهم الخبيثة ، فلا تغتر بما يقولونه من زخرف القول غرورا ، فقد امتلأ القرآن العظيم تحذيرا من كيدهم .

واجتهد بالدعاء لإخوانك المجاهدين ، واعلم أن عُظْـم هذا المكر الكافر الخبيث ، إنما هو على المجاهدين ، فهم المستهدفون بالدرجة الأولى ، فليكن لهم نصيب وافـــر من دعائك ، فالدعاء أقوى سلاح للمؤمنين في كل عصر وحين .

واعلم بإيمان جازم أن الله تعالى ناصر دينه لامحالة ، لايخلف وعده رسله ، ولايغرنك تقلبك الذين كفروا في البلاد ، فالعاقبة ليست إلا للمؤمنين ، وعد صادق ، ماله من دافع قال تعالى : ( كتب الله لأغلبن أنا ورسلي ) ، لكن لابد أن يتقدم ذلك امتحان ، طال زمنه ، أم قصر .

والحق ممتحن ومنصور فـلا تجـــزع فهذي سنة الرحمن

خامسا: طهـّـر قلبك من الأحقاد والضغائن على المسلمين ، ومن كل سـوء ، ومن تمني أن يصيب الشر غيرك ، وإنه لمن أعظم الكبائر أن يفرح المرء بهلاك غيره من المسلمين ، ليشفي غيظه بسبب مصيبة أصابته من قبل ، بل الواجب أن يحزن لمصاب المسلمين ، والعاقل يغلب مقتضى التقوى على غريزة الانتقام العمياء ، فينبغي أن ندعو الله أن يجعل عاقبة هذه المصيبة العامة خيرا علينا ، وعلى أهل العراق ، وكل مسلم في مشارق الأرض ومغاربها .

سادسا : التفاؤل مطلوب من المسلم دائما وفي كل حال ، وإذا تذكر العبد أن من تدبير الله تعالى اللطيف الخبير ، تسخير كيد الكائدين من أهل الشر ، فينقلب عليهم ، ويصير قوة ونصرا لأهل الحق ، من حيث لا يشعر أعداؤهم ، كما قال تعالــــى ( إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون ) ، وقال تعالى ( فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا ) .. إذا استحضر العبد هذه السنة الإلهية ، فلا يعدم التفاؤل أبدا في كل حال ، مهما اشتدت على أهل الإسلام الظروف ، وضاقت الأحوال.

سابعا : كن معطاء لغيرك ، معينا لكل ذي حاجة وملهوف ، دالا على الخير ، لا تقصر همّــك على في نفسك فحسب ، فلا يهمّـك ما يصيب غيرك ، بل قـدِّم للآخرين ما يحتاجونه ، واشعر بمعاناتهم ، وآثـر على نفسك ما استطعت إلى ذلك سبيلا .

ثامنا : لاتكن مروّجا للإشاعات ، فهي أحيانا أشد فتكا من كل سلاح ، وقد قيل في الأمثال : إن الطاعون انطلق إلى أرض ليهلك أهلها ، فمر على رجل فأخبره بما هو عازم عليه ، فلما رجع قال : هلك مائة ألف ، عشرة آلاف مني ، وتسعون ألفا من الإشاعة التي نشرها الرجل .

تاسعا : عليك بالسكينة التي يجلبها ذكر الله تعالى ، لا تجعل قلبك يطير عند كل صيحة ، وتسمع كل صرخة فيطيش لها عقلك ، وردد دائما : حسبنا الله ونعم الوكيل .

عاشرا : تذكر أن أسعد الناس بعد انقضاء كل فتنة ، هو الذي لم يلوث قلبه بالرضا بما لا يحبه الله ، ولا لسانه بقول مالا يرضي الله ، ولا يده بفعل ما حرم الله ، وأن العبادة في الهرج ( وهي الفتنة ) كهجرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، والعاقل يغتنم فرص الثواب العظيم ، فيعمر وقته بطاعة الله تعالى .

ونسأل الله تعالى أن يلطف بعباده المسلمين في بغداد والعراق والكويت ، وفي كل أرض للإسلام ، يرفع فيه الآذان ، وأن ينزل على الناس سكينته ، ويعيذهم من كل سوء وشر ، ويعقب عليهم بعد انكشاف الغمّة ، نعمة الثبات على الإيمان وموجباته فهي أعظم نعم الله على العبـد ، والأمن في الأوطان ، والظهور على كل أهل الظلم والشرك والكفران ، والله المستعان ، حسبنا الله ونعم الوكيل.

الشيخ حامد بن عبدالله العلي

www.h-alali.net

/www.dawah.ws