الموضوعية والتفكير العلمي السليم والقطيعة المعرفية والحداثة التي ادعى الغرب أنها أدواته التي لم يكف عن تطويرها منذ قرون، أسفرت - عندما سقطت الأقنعة - عن حقيقة مذهلة، حقيقة تنحية العقل كله لتصدر الأحكام الوثنية المطلقة التي لا تطيق أي معارضة، حقيقة يصفها الدكتور عبد الوهاب المسيري بأن أمريكا تحاول القضاء على الفكرة التي عاشتها البشرية طوال تاريخها في مفهوم ثنائية الخالق والمخلوق، إلى فكرة أخرى تكون أمريكا فيها هي «الله» والإنسان في نفس الوقت، وهي الفكرة التي عبر عنها فيلسوفهم الشهير وليم جيمس في كتابه الشهير: «البراجماتية»، حيث يقول إنهم ليسوا في حاجة إلى إله يحدد لهم ما يفعلون، بل إلى إله يحددون هم له ما يحله وما يحرمه!!.. إله يستمتعون به لا إله يهددهم بالعقاب!!..
وربما يصاب المواطن العادي بالذهول وهو يتابع انعدام المنطق الكلي في الأداء السياسي الأمريكي، و ما كان لهذا المواطن أن يصاب بكل هذا الذهول إلا لأنه ضحية لعمليات التجهيل التي نفذها الغرب بأيدي نخبنا الخائنة.
على أن فكر جورج بوش ليس غريبا على الإطلاق!!..
ففي كتاب: محاكم التفتيش للدكتور رمسيس عوض -دار الهلال- نجد الأصول النظرية الكاملة لفكره في محاكم التفتيش. محاكم التفتيش التي لم تجد حلا لمشكلة إنكار ضحاياها أنهم مذنبون غير الالتجاء إلى ما يعرف في تاريخ القانون بالمحاكمة عن طريق وضعهم في محنة Trial by ordeal للتأكد من براءتهم إذا اجتازوها أو عدم براءتهم إذا فشلوا في اجتيازها. إحدى طرق الاختبار بالمحنة كان وضع كرة ملتهبة أو قطعة من الحديد المحمى في يدي المتهم ليسير بها لمسافة تسع خطوات فإذا تقيحت جروحه فهذا دليل على إدانته.. وطريقة ثانية هي وضع يد الضحية في الماء المغلي حتى يصل إلى معصمه أو كتفه طبقا لخطورة الجرم المرتكب، وفى كلتا الحالتين يقوم القسيس بتقييد المتهم لمدة ثلاثة أيام يفحص القسيس بعدها يدي المتهم فإذا ظهرت أية أعراض للتقيح فهي إشارة من الله إلى أن المتهم مذنب. وإذا لم تظهر أعراض التقيح فهي دلالة على براءته.. أما النوع الثالث من هذه المحاكمات فيتلخص في إلقاء المتهم في ماء مثلج، فإذا غاص فيه فهو بريء وإذا طفا فوقه فهو مذنب.. أما النوع الرابع فيتلخص في إعطاء المتهم لقـمة خبز كبيرة تزن أوقية فإذا عجز عن ابتلاعها ووقفت في زوره فهو مذنب وإذا ابتلعها دون مشاكل فهو بريء. وكان هناك طرق أخرى منها وضع عصابة على عيني المتهم حتى يسير معصوب العينين بين محاريث ملتهبة مثل الجمر. فإذا كان المتهم بريئا وفقه الله ألا يحترق بجمرها وإذا لم يوفق وأصابته الحروق بالأذى فإن المحكمة تعتبره مذنبا وتوجه الاتهامات إليه.
ألا تشعرون يا قراء أن المعين الذي يطفح بمثل هذا هو نفس المعين الذي تطفح منه قرارات محاصرة العراق، ومطالبته بإدانة نفسه، ومطالبة رئيسه بالاعتراف بالكذب على شاشة التلفاز، نفس الإجرام والوحشية وانعدام المنطق الذي اتسمت به محاكم التفتيش.. بل أكثر كما يقول المستشار الكبير يحيى الرفاعي، ففي محاكم تفتيش عصورهم الوسطى كانوا يطلبون من الضحية الاعتراف بالتهم التي يوجهونها إليه والتي أتوا هم بالدليل عليها، أما محاكم تفتيش جورج بوش فتطالب الضحية أن يأتي هو بأدلة اتهامه .. فإن لم يأت بها أحرقوه حيا..!!.
ألا تشعرون يا قراء أن مجرمين كجورج بوش وتوني بلير و ارائيل شارون ينتمون إلى هذا الفكر الشيطاني المجرم..
ألا ترون يا قراء أنهم يتعاملون معنا بنفس الفكر.. بل بنفس الكفر الشيطاني المجرم.
يواصل الدكتور رمسيس عوض وصفه المرعب لمحاكم التفتيش، والمرعب في الأمر أنه بدا كما لو كان يصف الإدارة الأمريكية الراهنة لا محاكم التفتيش منذ قرون..:
فعندما أصرت الضحايا على عدم الاعتراف أمام محاكم التفتيش، وطالبوا بأن يروا بأنفسهم أسماء الشهود الذين اعتمد المحقق على أقوالهم وشهاداتهم في إصدار حكمه، فإن المفوض البابوي رفض الاستجابة إلى طلبهم متعللا بأن هذا يشكل خطرا على الشهود ويعرض حياتهم للاعتداء وبهذا أصبح المتهمون عاجزين عن الدفاع عن أنفسهم. وقام المفوض البابوي بنقل جميع أوراق التحقيق إلى روما حتى لا تقع في أيدي الأشرار فيعتدون على حياة الذين شهدوا ضدهم.
أليس هذا بتمامه، بل وربما أسوأ منه ما تفعله أمريكا الآن من أدلة مكذوبة لا تعلن مستنداتها أبدا خوفا على مصادرها.
أليس هذا بتمامه هو السبب وراء إنهاء عمل المفتشين الذين أصرت أمريكا على دخولهم إلى العراق، وكادت تضربه عندما بدا لها أنه يتلكأ، فلما دخلوا كانت أمريكا هي التي تطالب بسحبهم، عندما بدا لها أنهم من صنف آخر غير الجاسوس باتلر، و أنهم سينصفون العراق في تقاريرهم.
أن أصولية جورج بوش ومن معه إنما هي أصولية الشيطان..
أصولية الكفر كاملا والشرك غير منقوص ..
أصولية الوحشية والحيوانية والجنون..
أصولية الشر والدنس والدم وقرابين البشر إلى وثن دموي شرير يعبدونه ويدعون أنه «الله» .. «تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا

منقول