السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

في كل ما وعى التاريخ لم نجد زوجة عظيمة وقفت مع زوجها وشدت أزره كما فعلت أم المؤمنين خديجة بنت خويلد زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأول امرأة أسلمت على وجه الأرض , بل لعلها أول المسلمين من الرجال والنساء قاطبة …

يروي ابن هشام أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أول ما نزل عليه الوحي في غار حراء رجع إلى أهله خائفا يترقب وأخبر زوجته خديجة بما حدث له فضمته إلى صدرها وقالت :

( الله يرعانا ياأبا القاسم , أبشر ياابن عم واثبت , فوالذي نفس خديجة بيده إني لأرجو أن تكون نبي هذه الأمة , والله لا يخزيك الله أبدا : إنك لتصل الرحم , وتصدق الحديث , وتحمل الكل , وتقري الضعيف , وتعين على نوائب الحق … ) .

هل هنالك أجمل من هذا الكلام الصادر من القلب ؟

هل هنالك أقوى من هذا الموقف تقفه المرأة المؤمنة بربها ثم بزوجها أمام العالم كله ؟

لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بدعوته الجديدة يقف أمام العالم كله فردا , ولكن هاهي دي زوجته العظيمة خديجة تقف معه فورا وتؤمن بما جاء به وتأخذه إلى ابن عمها (( ورقة ابن نوفل )) ذلك الشيخ العليم فتحدثه بما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول ورقة :

(( قدوس قدوس … والذي نفس ورقه بيده لئن كنت صدقتني ياخديجة لقد جاءه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى وعيسى وإنه لنبي هذه الأمة فقولي له فليثبت )) .

ثم يقول ورقة - الشيخ الهرم – للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم :

(( والذي نفسي بيده إنك لنبي هذه الأمة , ولتكذبن , ولتؤذين , ولتخرجن , ولتقاتلن , ولئن أنا أدركت ذلك اليوم لأنصرن الله نصرا يعلمه )) .

قال الرسول الله صلى الله عليه وسلم :

(( أو مخرجي هم ؟ ))

فقال ورقة :

(( نعم , لم يأت نبي قط بمثل ما جئت به إلا عودي , ليتني أكون فيها جذعا … )) .

والمرأة التي آمنت برسول الله صلى الله عليه وسلم وصدقته كأول امرأة على وجه الأرض : خديجة بنت خويلد … كانت هي تلك المرأة العظيمة التي وفرت لرسول الله - قبل أن يبعث – الراحة والروح , والسكن والمودة , والجو الهادئ المطمئن , ولم تشتك من انقطاعه صلى الله عليه وسلم في غار حراء يتعبد الليالي الطوال , بل كانت ترسل له الزاد والماء , وترسل له من يحرسه , وتقوم بكل شئون بيته وأطفاله , حتى إذا عاد لها من خلوته المقدسة , استقبلته بالبشر والحب , وأعطته كل السعادة والحنان … كانت زوجة عظيمة … عظيمة … كانت ولا تزال قدوة لكل امرأة مسلمة … كانت ولا تزال نموذجا للزوجة المحبة الوفية البارة التي تدفع زوجها إلى القمم وتهيئ له معارج الرقي والنجاح …

حتى إذا بعث رسول الله كانت أول من آمن به وصدقه ووقف معه , حتى إذا ضرب المشركون حصارهم البغيض على المسلمين , ولجأ هؤلاء إلى واد غير ذي زرع بشعب أبي طالب تركت خديجة قصرها الواسع , ومالها الكثير , وارتحلت مع زوجها العظيم إلى الشعب الموحش , وهي عليلة قد جاوزت الستين , أحوج ما تكون من هي في صحتها وسنها إلى بيتها ومأمنها ولكنها - كأفضل امرأة عظيمة في الدنيا – ترى أن بيتها هو زوجها , وأن مأمنها هو زوجها , وأن وطنها هو هذا الزوج … وعاشت مع المسلمين على المرار والحصار حتى أودي بها ذلك فك الحصار بثلاثة أيام , فسمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ماتت فيه ( بعام الحزن ) وظل عليه السلام محيا لها وفيا لذكراها إلى آخر العمر , ولم بتزوج عليها في حياتها أبدا ولم تنسه زوجاته بعد وفاتها ذكرها وحبها والوفاء لها وقالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها :

(( ماغرت على امرأة قط ماغرت على خديجة من كثرة ذكره صلى الله عليه وسلم لها )) .

ولقد ذكرها يوما فقلت : ماتصنع بعجوز حمراء الشدقين قد أبدلك الله خيرا منها ؟ فغضب عليه السلام وقال : (( لا والله ما بدلني الله خيرا منها آمنت بي إذ كفر الناس , وصدقتني إذا كذبني الناس , وواستني بمالها إذا حرمني الناس , ورزقني الله منها الولد دون غيرها من الناس )) .

إنه وفاء الرجل العظيم للزوجة النادرة … وإنها لم تكن زوجة فقط ولكنها - كما وصفها ابن إسحاق ببلاغة واختصار - : (( كانت له وزير صدق على الإسلام )) بل الإعجاب بشخصية خديجة وموقفها العظيم مع زوجها تعدى المسلمين إلى غير المسلمين , فهذا (( در منجم )) يصف اللحظة التي نزل فيها الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء إلى خديجة خائفا , يصف موقف هذه الزوجة العظيمة فيقول : (( فإذا بها ترد إليه السكينة والأمن , وتسبغ عليه ود الحبيبة وإخلاص الزوجة وحنان الأمهات , وتضمه إلى صدرها فيجد فيه حضن الأم الذي يحتمي به من كل عدوان الدنيا )) .

وهذه القصة خديجة وحياتها وموقفها مع زوجها وتضحياتها وثباتها على الحق لا تزال نبراسا لكل الفتيات والزوجات والأمهات , نبراسا يقتبسن من نوره دروسا بليغة في معاملة الزوج في الحياة , والأخ والولد , فإن المرأة كانت ولا تزال وستظل أكثر من كونها مجرد زوجة بل هي السعادة وهي أسعد حظ الرجل أو أسوأه , وهي فوق هذا وذاك حاضنة القيم والأمنية على الأحياء ودافعة الرجل إلى النجاح …


------------------
كم من الكلمات تحيا عندما يحكم عليها بالموت وماهي الا قياس صادق لحرارة دم كاتبها وقد تمنح الكلمات وسام الشهادة تجعلها اكثر استعدادا للحياة
مع تحياتي NIGHTMARE