فيما هناك مدىً واسع شاسع .. و ( شبّة ) لأصحابي .. ومقهى يرتاده كل مدمني ( الشيشة ) والبلوت والضومنة ....!
وفيما هناك حديقة قرب منزلي عائلية المسمى ، شبابية الارتياد ...
وفيما هناك ( الشارع الأصفر ) وشباب يهدرون لحظاتهم على أرصفة الثرثرة .... تركت كل هذه الاغراءات المراهقة ، وانحزت إلى نفسي ..!
وفيما كان بريدي .. و(أعترف ) يغص برسائل فاكهة الرجال .. أجدني ( ولأول مرة ) لا أهتم بغذاء عقلي وجسدي ... وانحزت إلى جوعي ..؟
ولأول مرة .. أشعر بأن الدنيا عدوّ في ثوب صديق ..!
عذراً آنستي ومن يسمعني ... ولكنني أنا بحاجة - بالفعل - إلى استراحة بكاء .. عذراً لأنها ستنفجر بحضرتكم .. عذراً لأني سأحرض سواد حزني في أبيضاض صفحاتكم ..
عذراً ، لأني قادر على كبح اندفاعاتي أمام سحر آنسة .. عذراً لهذا ، ولغير هذا ...
أي عاطفة تتدفق من جوفٍ ، نضب معينه .. وما عهدت نفسي مثل هذا ... ولكنني ، بدأت أتلون كـ (حرباء) فتارة أجد نفسي صالحاً ، وأخرى طالح .. متديّنا ، وكافر .. عفيف ، ولص .. فاجر ، ومحصن .. عالم ، وجاهل .. عاشق مائع ، ومحب مخلص .. شيخ ، وطفل .. قويّ ، وضعيف ...... ولا أدري لما أتقمص في هذه الأيام كل هؤلاء ..؟ ، لما أشعر بشعور كل منهم على حدة ؟ وقد اختلفت فيهم الصفات ، وتلونت الاحاسيس وتباعدت وتباينت وتضاربت وتشعبت ......!
يالرأسي .. يالهذا الضياع .. وهذا الصداع .. وهذا الجحيم .... كلما جاءت عروس بثوب زفافها الأبيض ، أرفضها بكبرياء سقيم :
حلكة سوادي أهم من بياض هذه المتطفلة ..؟!
وتمر اللحظات .. وجسدي يركع للحمى .. ورأسي ينحني لويلاته .. وأبحث عن ( أنا ) .. فلا أجد منها .. إلاّ مشروع جثة .. وبقايا وعي .. وإرهاصة غياب ..!
وتضيع اللحظات .. ويتطاير فرحي .. وتتلاشى سعادتي .. وتنتصب على قمة وجعي همومي ... فأجدني أغفو في تابوت .. وأنام في مقبرة .. فأقتات الخوف .. ويقتاتني القلق ..
وأركض .. أركض .. أبحث عن صوتك ، فلا أجدك .. أبحث عن أخرى ، ولا أجدها .. أبحث عن صديق ، ولا أجد إلاّ الضيق ..... ثم ، لا أحتمل ... وأجهش في البكاء ..!
قلت لنفسي : هل أنا رجل ..؟؟؟؟
فأجبتها : نعم ..
فقلت : ولكنني أراك تبكي ..
فأجبت متعجباً : وما علاقة البكاء بالرجولة ..؟ ، ولكنها صفة للنساء ولتلك الطفولة ...!
حينها أدركت بأنّي أمرأة الاحاسيس ، طفولي التأثر ....؟
تنازلت لأسبوعٍ ماضٍ عن أُناسي .. وانحزت لوحدتي .. أسدلت ستائر نوافذي ، كي لا أرى الضوء .. هربت من عملي لأسبوعٍ من غير إجازة .. وتقمصت مسائي .. فأضيق ، وأتقمص الكون .. فأتناهى ، ثم أُعاود التضاؤل .. حتى كرهني التفاؤل ، وأضعف .. فأبحث مرة أخرى عن نفسي .. وقسوتي .. وجبروتي .. أبحث عن جلدي .. أفتش عن ثوبي ... و(أنتِ) لست هنا ، وهي ليست هنا .. وهم ، لم يبقوا كما هم .. فلا أجد .. إلاّ كائناً وحيداً .. وطفولة ساذجة .. تتنازعها الرهبة .. فأغرق في همٍ تراقص على جمر القلق ...!
أنا ، حقاً قاسٍ .... في حق تعبي يا ( من سمعني ) ...!
أنا ، حقاً حصان ...... راكع على طاولة شطرنج ..!
أنا ، حقاً محب ...... لقتل طموح متفائل ..!
لم أعد أحتمل كل هذا ( الوجع ) .. فصرخت :
سئمت حياتي ، كرهت البشــر ...... هـــويت بناني عشـقت الشعـر
فنفسـي تتــوق إلى وحـــدةٍ ...... أكـنُّ بها لوعــــات الدهـــر
وأنظم حزناً بأحزانهــــــا ...... وأشكـــو حنيني إلى المنتظـر
فيسخـر ( قومي ) لِما أبتغي ...... وتسخـــر نفسـي لِما أنتظــر !
لِمَ النـاس تعجب من مطلبــي ...... وترمـــي الملامةُ رمي الحجـرْ
لم النفـس تسخـر من رغبـتي ...... ونفســـي تعيش حياة الحفــر
فعزُ شبابي : حياة الملــوك ...... وذلُّ شبابي : بـــأن أُحتقـــــر
فإمّا ارتشـافُ رحيق الحـياة ...... وإمّـــــا قبــورُ بهـا أَحتضر
فإن قلت يوماً:أريد الحـياة ...... يقول النُّهاة : أتعصي القدر؟
وإن قلت يوماًأُريد الممــات ...... يقول النهاة : وهـل تنتحـر؟
كأنّي أجـودُ بطيبِ الســـؤال ...... وصحبــي تجــودُ بخبث الخبـرْ
شكوتُ إليهم ، وهـم يشتكـوا ...... فهل للسائلِ أن يُنتهــــــــر ؟؟

هذا ما أنا به .. عذراً لأنه خرج في حضرتكم .. عذراً يا ( آنستي ) ... عذراً لزجّي بتشاؤمي في حضرة تفاؤلكم ........!
ولأصحـو .. وأحنـو .... وأتوضأ من سحابكم ... دعواتكم ....!!!


------------------
أحب الصدق وأعمل به كسبته وكنت أنا الخسران ** ولو صدقي يخسرنى تشرفني خساراتي