في هذا العام تحتفل إنتل بمرور 30 عامًا على استيطانها الأرض الفلسطينية. ففي عام 1974 افتتحت الشركة مركزًا لتصميم الرقاقات الإلكترونية، ليكون الأول من نوعه خارج الولايات المتحدة الأمريكية.أتبعتها بمركز آخر للأبحاث والتطوير في " بتاح تكفا " قم بمصنع كبير في " كريات جات " بتكلفة 1.6 مليار دولار، هذا بالإضافة إلى عدد من مراكز الأعمال الأصغر حجمًا في تل أبيب وبئر السبع. كما قامت إنتل بتملك العديد من الشركات الإسرائيلية الواعدة في مجال الإلكترونيات والاتصالات. ويقدر عدد موظفي إنتل في إسرائيل بـ 5300 موظف.
أما عائدات هذا الاستثمارات فلم تكن أقل سخاءً. ففي مركز حيفا تم تطوير أجيال متعاقبة من معالجات إنتل، بدءً من المعالجين 286 و 386، وجزئيًا المعاج 486 وبنتيوم مرورًا بتقنية MMX وصولا إلى تقنية Centrino للأجهزة المحمولة والتي طورت بالكامل في إسرائيل.
أما مركز بتاح تكفا فهو متخصص بتقنيات الاتصالات والهاتف المحمول. وآخر إنجازاته تتمثل بالمساهمة في تصميم المعالج PXA800F المعروف بالاسم الكودي Manitoba ( اسم أول مستوطنة يهودية في كندا ) والموجه لتقنيات الجيل الثالث من الهواتف المحمولة.
أما بلغة المال فتعادل صادرات إنتل 15% من الصادرات الإلكترونية الإسرائيلية، وتقدر هذه الصادرات بـ 5.5 مليون دولار. وتحتل الشركة بثبات منذ أكثر من ثلاث سنوات الترتيب الأول في قائمة المستثمرين الأجانب في إسرائيل.
وبذلك فإسرائيل تستحق بجدارة علامة إنتل الشهيرة Intel inside. وستكون إنتل فخورة بلصق هذه العلامة على جدار الفصل العنصري من الخارج.

عندما أثارت بعض الصحف الإسرائيلية مسألة التعاون بين إنتل وإسرائيل في العام 1997، بمناسبة إطلاق Pentium II، اعترضت وقالت بأن القضية ليست سياسية وأن الشركة توجه استثماراتها على أسس تجارية واقتصادية بحتة، فهل الأمر كذلك حقا؟!
لنسترجع معا المشهد الاستثماري في إسرائيل عشية 1974:
* الجيش السوري يخوض استنزاف ضد القوات الإسرائيلية بعد حرب أكتوبر 73، والتي جعلت إسرائيل تستنفر ترسانتها النووية لحفظ بقائها.
* التضامن العربي يبلغ ذروته وفرض حظر نفطي على الدول المؤيدة لإسرائيل.
* هنري كيسنجر يقوم برحلاته المكوكية بين دمشق وتل أبيب سعيًا لفض الاشتباك على الجبهة الشمالية.
* دول عدم الانحياز تقتطع علاقتها بالجملة مع إسرائيل، وتشدد من عزلتها السياسية.
* تتويج انتفاضة وصمود الشعب الفلسطيني بالإعتراف الدولي بمنظمة التحرير، وعرفات يلقي خطابه التاريخي في الأمم المتحدة.
* عشرات آلاف المستوطنين يغادرون " أرض الميعاد " فيما عرف بالهجرة المعاكسة.
* ولهذه الأسباب وغيرها أزمة اقتصادية خانقة والتضخم يصل إلى 40%.

فهل هذا هو المناخ الاقتصادي الرائع الذي تبحث عنه إنتل بعد نجاحها المرموق بإطلاق المعالج 8080، وتحليق أسهمها في سماء "وول ستريت" وهي لم تبلغ السادسة من عمرها؟!!!
أم أنها كانت تريد أن تثبت للكيان الصهيوني بأن " الصديق وقت الضيق "، تمامًا كما فعلت موتورولا في 1948 و IBM في 1949 بفتح فروع لهما في إسرائيل قبل أن تجف دماء النكبة؟!!


نعود للحديث عن Fab 18 وهو اسم مركز التصنيع في كريات جات، والمخصص لتصنيع الشرائح الإلكترونية بتقنية 0.18 ميكرون، وافتتح هذا المجمع في 1999.
يقع هذا المجمع الذي ترتفع أسواره السبعة أمتار ( على غرار جدار الفصل ) على أنقاض القرى الفلسطينية عراق المنشية والفالوجة. ( 32 كم شمال شرقي غزة ). وهذه قرى فلسطينية يمتد تاريخها إلى أيام الكنعانيين، وطبقًا لقرار الأمم المتحدة 188، فإن هاتين القريتين ضمن حدود الدولة الفلسطينية التي لم تر النور!!!
وخلال حرب 48 صمد فيهما عدد من القوات المصرية برز منهم جمال عبد الناصر، ونصت اتفاقية الهدنة بين مصر وإسرائيل، على التزام إسرائيل بالإبقاء على سكان القريتين شأنهم شأن العديد من أشقائهم داخل الخط الأخضر. وتم وضع الاتفاق أصولا لدى الأمم المتحدة. وكعادتها بادرت إسرائيل إلى ضرب الاتفاقات عرض الحائط فأرغمت بأساليبها الإرهابية سكان القريتين على النزوح إلى الخليل أو غزة. ثم قامت جرافاتها بتسوية ما فيها من بيوت ومدارس ومساجد ومزارع لتقيم عليها مستعمرة كريات جات.
مجمع إنتل الصناعي Fab 18 يقع إذن على أرض محتلة تعرضت لأبشع أنواع التطهير العرقي، وشرد أهلها البالغ عددهم حوالي ألفين شخص ( الآن يتجاوز 15 ألف ). وساهم ببنائها عاملين فلسطينيين في ظروف تشبه العبودية.
في هذا المجمع صنع معالج وشرائح إنتل التي تملأ جنبات الكمبيوتر القابع أمامي! فيا للعار!!!!
وتتحدث إنتل عن خطط لتوسيع المجمع بقيمة 3.5 مليار دولار، وهي إنما تفعل ذلك انسجامًا مع الميول الصهيونية لإدارتها. وبينما يطالب الكثير من الإسرائيليين حكومتهم بالانسحاب حتى حدود 67 كثمن للسلام. نجد أن موقع إنتل على شبكة الإنترنت يعرض خريطة إسرائيل شاملة الجولان والقطاع والضفة. كما أنها تطلق الاسم الكودي بانياس على مشروع تطوير Centrino، وبانياس كما هو معروف نهر سوري في الجولان. ولم نجد معنى لاسم معالجها Xeon ( يلفظ زيون ) غير أنه احتيال لفظي لكلمة (Zion) والتي تعني صهيون.
ونرى أن السيد " كريج باريت " منغمسًَا حتى أذنيه في الهموم الإسرائيلية الداخلية، فقد أتى في الخريف الماضي إلى شارون لإقناعه بزيادة ميزانية التعليم بعد أن كان ينتحب على تدني مستوى المعارف لدى الطلبة الإسرائيليين، وعلى تآكل المزايا التنافسية لإسرائيل أمام نهوض المراكز الصناعية في آسيا.
وتصر إنتل إصرارًا موجه بدوافع سياسية على توسيع استثماراتها في إسرائيل.
وباختصار فإن إسرائيل ( من منظور حيادي ) منطقة استثمارية خطرة، وإنتل تعرض أموال حملة أسهمها وغالبيتهم من غير إسرائيليين للخطر. إذ لا يعرف أحد متى سيصل مدى صواريخ القسام 35 كم. أو متى تنقلب خريطة الشرق الأوسط الكبير على رأس العابثين بمصائر الشعوب. أو متى سيعود لاجئو الفالوجة وعراق المنشية، وبأيديهم قائمة حساب طويلة مذيلة بعبارة Intel outside. أو متى يدرك العرب والمسلمون ومحبوا السلام والحرية حقيقة توجهات إنتل فيبدؤا بالبحث المنتجات البديلة. المنتجات التي تحمل العلامة الخضراء AMD inside مثلا...

منقول باختصار من مجلة تقنية