بداية, لابد و أن أشير بوضوح الى أنني أبعد ما أكون عن طبيعة المحلل الإقتصادي و أن خبرتي في هذا المجال تكاد تكون لا تذكر, و لكن لسبب منطقي فإن هناك ذلك الخيط الرفيع الذي يربط ما بين اقتصاديات التشغيل الخاصة بشركات التقنية و القرارات الإستراتيجية البحتة التي تتخذها هذة الشركات و من ثم تؤثر على ما نراه من تقينات جديدة على أرض الواقع بشكل مستمر. فالشركات تبحث أولا و أخيرا عن الأرباح, و الواقع يخبرنا أن هذا في حقيقته هو شئ جيد لأنه في ظل سوق حر و تنافس شريف متاح أمام الجميع فإن من يحقق الأرباح هو من يقدم المنتج و القيمة الأفضل للمستخدم ما يعني نهاية أنه كلما إزدهر هذا السوق أكثر – على صعيد الأرقام – كلما حصل المستخدم على تقنيات أحدث – على صعيد المنتجات . و لهذا السبب فإن الملم إجمالا بالتقنية لا بد و أن يمبقى على صلة و لو كانت سطحية مع هذا الخيط الرفيع الذي يربط التقنية باقتصاديات الشركات التي تنتجها.
يمكنك الآن أن تمحو هذة الكلمات السابقة من ذاكرتك و تدع ذهنك يستوعب هذة العبارة الوحيدة القادمة, لقد كانت الشهور القليلة الماضية بمثابة حلم جميل عاشته معظم شركات التقنية الكبرى, و هو مقارنة بسنوات عجاف مضت يجعل هذا السوق – سوق التقنية – يبدو الآن في واحدة من أفضل حالاته و يتطلع بثبات الى مستقبل يبدو لي مشرقا للغاية. اليكم ما أتحدث عنه تفصيلا, فعلى مدى الأسبوعين الى الثلاثة أسابيع الماضية و في الفترة الممتدة بين 12 أكتوبر المنقضي و 29 من الشهر ذاته تم الكشف عن النتائج المالية للربع المالي الماضي – و الذي يختلف من شركة لأخرى بحسب أنظمة السنة المالية التي تتبعها كل شركة – لأربعة شركات من كبريات الشركات التي تعد الرواسي المحورية لسوق التقنية و هي في الوقت ذاته – و معها في ذلك عدد آخر محدود لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة من الشركات الأخرى الكبرى – تمثل ما يحلو لي أن أطلق عليها دفة القيادة لهذا السوق هائل الحجم. فهذة الشركات معا هي الشركات التي غالبا ما تبادر بتقديم الإتجاهات و الخطوط الجديدة التي يتبعها فيها الجميع من بعد و الأهم هو أنها في معظم الأحيان ما تكون هي منبع الشرارة الأولى للمنافسة في أسواق جديدة و أشكال جديدة من العجائب التقنية التي نعشقها.
البداية, كانت مع إنتل و التي أعلنت عن نتائجها المالية للربع الثالث من عام 2010 في الثاني عشر من شهر أكتوبر كاشفة النقاب عن أول ربع مالي لها تحقق فيه دخل يتجاوز 11 مليار دولار مع ربح صافي وصل الى 3 مليارات دولار و بزيادة قدرها 18% عن الفترة ذاتها من العام الماضي, تلتها في الثامن عشر من أكتوبر أبل بالكشف عن نتائجها المالية للربع المالي الرابع و بدخل إجمالي قدره 20.34 مليار دولار محققة أفضل ربع مالي لها على الإطلاق و بربح صافي بلغ 4.31 مليار دولار بنسبة زيادة عن الفترة ذاتها من العام الماضي بلغت 27% و بمبيعات من هاتفها الآي فون وصلت الى 14.1 مليون هاتف في ثلاثة شهور فقط لتصل نسبة الزيادة في مبيعات الهاتف وحده مقارنة بالربع المماثل من العام الذي سبقه الى 91%. النجاحات الهائلة لم تتوقف هنا, لتأتي ميكروسوفت في الثامن و العشرين من الشهر ذاته و تكشف عن نتائجها المالية للربع المالي المنقضي محققة 16.2 مليار دولار من الدخل بنسبة زيادة عن العام السابق بلغت 25% و بأرباح صافية وصلت الى 5.41 مليار دولار و أخيرا عاشت إتش تي سي هذا الحلم الجميل ذاته محققة دخل بلغ 3.3 مليار دولار بعد أن باعت 9.9 مليون هاتف خلال الثلاثة شهور المنقضية بزيادة تخطت ضعف ما قامت ببيعه في العام الماضي.
هناك عبارتين أردت أن أتوقف أمامهما في هذة السطور, الأولى هي التي فصلناها في ما مضى من كلمات و هي حقيقة و واقعية كون هذة الفترة القصيرة الماضية واحدة من أزهى فترات سوق التقنية منذ فترة ليست بالقصيرة شهد فيها النظام الإقتصادي العالمي سقطات متتالية تأثرت بها بطبيعة الحال شركات التقنية هي الأخرى. أما الثانية فهي إجابة هذا السؤال, لماذا ؟؟ … كيف و لماذا تحققت هذة النتائج المشرقة خلال الشهور الماضية ؟ و لكي أكون صادقا, فإن ما يلي هو مجرد وقفة شخصية لا تتعدى كونها محاولة تحليل من واقع خلفية متابعتي اللصيقة لعالم التقنية.
إن ما حدث خلال الشهور القليلة الماضية هو نتاج استقرار عدد من الإتجاهات و الإستثمارات الجديدة – التي لم تخلو في معظمها من مخاطرات كبيرة من جانب هذة الشركات الكبرى – و قد كان من المنطقي أن تمر هذة الإتجاهات و الإستثمارات الجديدة بفترات عاصفة في بدايتها, لا تعني بالضرورة فشلها و لكنها طبيعة كل شئ جديد لابد و أن يلقى نصيبه من الهجوم و التشكك قبل أن يستقر و يثبت أقدامه. الواقع هو أن سوق التقنية بشكل عام, و سوق الحوسبة بشكل خاص, قد شهد تغيرات عنيفة خلال السنوات القليلة الماضية, تغيرات انتقلت بالمنتجات الأكثر مبيعا من فئة الحاسبات المكتبية و المحمولة الى فئات أخرى جديدة كليا تضمنت أجهزة النت بوك, الأجهزة اللوحية و حتى الهواتف الذكية التي اقتربت من أن تنافس الحاسبات في تقدير المقبل على الشراء, و هو الأمر الذي شكل صدمة, أو لنسميها وضع من عدم الإستقرار أربك الشركات المنتجة بين تمسكها بالفئات التي أعتادت أن تستثمر فيها من المنتجات و بين هذة الفئات الجديدة التي أقبل عليها المستخدم و باتت في حاجة الى استثمارات هائلة لاكتشاف مستقبلها و ما يمكن أن تحققه.
هذة الشركات الكبرى, و التي سبق و أطلقنا عليها اسم “دفة القيادة” أقبلت – بعد فترة من التشكك ربما – على الإستثمار في هذة المجالات الجديدة التي يبدو سوقها مقبلا على فترات و عصور أزهى و أكثر إزدهارا و بعد أن استقرت نسبيا هذة المجلات و الإتجاهات الجديدة, بدأت النتائج الفعلية في الظهور و بدأ جميع المنافسين في الإقبال على هذة الأسواق الجديدة الواعدة. الجانب الآخر الذي لا يمكننا أن نغفل عنه هنا كذلك هو بالتأكيد بدايات التعافي للوضع الإقتصادي عالميا بشكل عام, و هو ما لا أجيد الحديث عنه كما سبق و ذكرت.
إذا, كيف يبدو المسقبل ؟؟ أراه مشرقا, فما تحقق في اعتقادي هو مجرد البدايات, فعلى الرغم من أن هناك مجالات عديدة من سوق التقنية قد توقفت – أو تباطءت على أقل تقدير – عن النمو من حيث حجم أسواقها مثل سوق الحاسبات المكتبية على سبيل المثال, إلا أن هناك مجالات و أسواق أخرى قد استقرت و ثبتت من أقدامها و هي مقبلة على مرحلة جديدة من الإزدهار و اشتعال المنافسة بدرجات غير مسبوقة و لنعدد بعضها على سبيل المثال لا الحصر فإننا لا يمكننا أن نغفل عن سوق الهواتف الذكية, الأجهزة اللوحية, الحاسبات المحمولة خفيفة الوزن سهلة الحمل, التقنيات اللاسلكية و بكل تأكيد سوق الإنترنت و الخدمات الإجتماعية .. أظنه هنا, هنا يكمن المستقبل خلال الشهور و السنوات القليلة المقبلة.
لا يسمح بنقل هذا المحتوى من سوالف دون الاشارة برابط مباشر