نظرة في العمق: “الطاقة” .. العنصر الغائب في نهضة التقنيات المتنقلة

battery-empty

منذ سنوات عديدة كنت أستطيع أن أستخدم هاتفي المحمول الذي لم يكن يقوم بأي وظيفة سوى إجراء المكالمات لعدة أيام دون أن أحتاج الى مصدر كهربائي لإعادة شحن بطاريته من جديد, بعدها بعدة أعوام أصبحت أحتاج الى شحن هاتفي المحمول – و الذي أصبح يسمى الآن بجهاز كفي يمكنني استخدامه للعديد و العديد من المهام من بينها مشاهدة الوسائط المتعددة بكافة أشكالها – كل يوم أو يومين في المتوسط. أما الآن فقد أصبح توصيل الهاتف المحمول – و الذي أصبح يدعم الجيل الثالث و يقوم بالمزيد من الوظائف – بمصدر الطاقة جزء لا يتجزأ من الروتين اليومي للحياة, ليس مرة كل يوم, و لكن أحيانا عدة مرات في اليوم الواحد. ما قد يدفع الى المزيد من العجب هو أن هاتفي المحمول الاول و الذي يتجاوز عمره الآن عقدا من الزمان لا يزال لدي كجزء من التراث التقني الذي تمتع نظرك بتأمله و التفكر في هذا التطور دون أن يغادر هذا التساؤل العجيب ذهنك, كيف يستطيع هذا الهاتف الأثري أن يحتفظ بشحنته بشكل طبيعي الى حد ما حتى اليوم في الوقت الذي تراجعت فيه كفاءة البطارية – و الحديث هنا ليس عن زمن التشغيل فحسب و إنما عن العمر الإفتراضي للبطارية نفسها – في العديد من الهواتف الأكثر تقدما التي جاءت من بعده ؟؟

إننا لا يجب أن نجحف التقنية حقها في مقارنة “هاتف” بهذا الشئ الذي أصبح بين أيدينا اليوم و أصبحنا نطلق عليه “الهاتف الذكي” و هو في واقع الأمر بمثابة منتج هجين يجمع بين أكبر قدر من الأجهزة الإلكترونية الممكنة في قطعة واحدة, فهاتفنا اليوم أصبح كاميرا رقمية, حاسب شخصي صغير, أداة لاستهلاك الوسائط المتعددة و ربما حتى جهاز عرض ضوئي صغير في المستقبل القريب. و لكن ما يبدو جديرا بأن نتسائل عنه هو أين هي وسائل إختزان الطاقة من هذة الثورة الهائلة ؟؟ ألم يكن من المنطقي أن تتطور هذة الوسائل بالمعدل ذاته لتتيح لنا أن نستغل هذة التقنيات المتحركة الحديثة ؟؟!!

نعم بالفعل, ربما أصبح هذا الصراع على وضع أفضل و أكبر شاشة عرض ممكنة في الهاتف المحمول جنب الى جنب مع أحدث تقنيات الإتصال اللاسلكية هي الأولويات الرئيسية للشركات المنتجة و لكن ألم يخطر ببالنا للحظة أن هذة الفجوة بين تطور تقنيات إختزان الطاقة و وسائل استهلاكها تجعلنا في موقف لا نستطيع فيه أن نستفيد بشكل فعلي من هذة التقنيات المذهلة ؟؟ هل تتشكك في ذلك ؟؟ دعني أقدم لك مثالا على ما أقصده ..

ما هو معدل إضاءة الشاشة الذي تستخدمه في هاتفك المحمول ؟؟ لا أظنه سيتجاوز ال50% من قدرة شاشة العرض في هاتفك في معظم الاحوال لتحافظ على بطارية هاتفك من التبخر السريع .. هل تترك هاتفك يعمل دائما في وضع الإتصال بشبكات الجيل الثالث ؟؟ ربما, و لكنك ستندهش لزمن التشغيل الإضافي الذي ستحصل عليه في حال قمت بإغلاق هذة الخاصية و الإعتماد على الشبكات الأقدم و الأبطأ من حيث السرعة .. هل تترك الWiFi في وضع التشغيل ؟؟ ماذا عن استخدام الألعاب ثلاثية الأبعاد التي أصبحت ثمة مشتركة في هواتف اليوم ؟؟ بل ماذا عن أجهزة العرض المدمجة التي يبدو واضحا أنها ستنتشر و بشدة في الجيل القادم من الهواتف خلال العام الى العامين القادمين ؟؟ الجيل الرابع و شبكات الLTE و مزيد من السرعات الهائلة في تصفح الإنترنت من هاتفك ؟؟ .. و إذا ما كنت بالفعل تستخدم جميع هذة الخواص دون أن تلقي بالا الى استهلاك الطاقة فصدقا, كم مرة تحتاج الى شحن هاتفك بالطاقة يوميا ؟؟!!

لقد أصبحنا نتأقلم مع طبيعة النفاذ السريع لطاقة أجهزتنا المحمولة دون أن نشعر بذلك حتى أصبح المعتاد هو أن نتخلى و لو جزئيا عن خواص قد نكون دفعنا الكثير في مقابل الحصول عليها في هذة الأجهزة, اتجهنا الى حلول بديلة لم تكن جزءا من الصفقة الرئيسية لشراء الجهاز المحمول ذاته, بطاريات الطاقة الإضافية, إصطحاب الشاحن الخاص بالهاتف كجزء لا يتجزأ من الهاتف نفسه, شاحن السيارة .. و غيرها من الحلول البديلة. و إذا ما كانت هذة الحلول بالفعل مقبولة الى حد ما في الوقت الحالي .. فماذا عن المستقبل ؟؟

دعونا نلقي نظرة سريعة الى الجانب المشرق, إنه سوق الحاسبات المحمولة و التي إشتعلت فيها المنافسة مؤخرا في مجال تحقيق أطول زمن تشغيل ممكن للحاسب المحمول بالإعتماد على بطارية الحاسب الرئيسية دون أي إضافات خارجية, و الحق لا بد و أن يقال فقد نجحت الشركات المنتجة للحاسبات المحمولة في تحقيق نهضة هائلة في هذا المجال فأصبح من الممكن أن تحصل على حاسب محمول تدوم بطاريته الى سبع ساعات بل و في أحيان كثيرة الى عشر ساعات متواصلة من التشغيل المستمر و في حالات أخرى أكثر من ذلك. و لكن الواقع هو أن ما تم تحقيقه في مجال الحاسبات المحمولة في معظمه إعتمد على عنصريين رئيسيين ليس لهما علاقة مطلقا بتطور تقنيات إختزان الطاقة التي نتحدث عنها اليوم.

إن خلاصة القول, هي أن هناك فجوة حقيقية إتسعت بشدة على مدى السنوات الماضية بين تطور تقنيات التزود بالطاقة و بين التقنيات المتحركة التي أصبحت تعتمد اليوم أكثر من أي يوم مضى على هذة الطاقة و أن هذة الفجوة تتسع يوما بعد يوم مع إضافة كل تقنية جديدة. و أنه ما لم تحدث طفرة سريعة في مجال خلايا إختزان الطاقة فإن مفهوم سهولة الحركة و التنقل الذي لطالما تميزت به الأجهزة المحمولة سيستمر في التراجع. الحلول بالفعل موجودة و لا أظن الشركات المنتجة بغافلة عنها و لكنها تحتاج بكل تأكيد الى مجهود أكبر و معدل أسرع للحاق بهذا الجواد الجامح, جواد الأجهزة المتنقلة.

لا يسمح بنقل هذا المحتوى من سوالف دون الاشارة برابط مباشر

Exit mobile version