إن مفهوم التشبع هو مصطلح علمي صحيح ينطبق على الكثير من مناحي الحياة فيما حولنا و هو نظام حيوي دقيق و متوازن يحكم الكثير من العمليات في داخل جسد الإنسان على سبيل المثال, و لكن و لما كنا لا نتحدث هنا عن شئ سوى التقنية و ما يحيط بها فدعوني أؤكد لكم أن توقعكم في محله, نعم إن ما نتحدث عنه هو تطبيق هذا المفهوم, مفهوم التشبع, على سوق التقنية و لكي أكون أكثر دقة فإن ما في مخيلتي في هذة اللحظات هو سوق الهواتف الذكية من الفئة الأعلى و الأكثر تطورا و التي شهدت طفرات متتالية و سريعة خلال الفترة الأخيرة على وجه التحديد.
ربما يظن البعض أن ما نتحدث عنه هنا لا يزال غامضا بعض الشئ, لذا دعونا نفسر الأمر في عبارة واحدة و نحاول أن نضع مفهوما بسيطا لمعنى “التشبع” الذي نقصده و هو الآتي؛ إن كل مجال من مجالات التقنية – كونها موضع حديثنا الآن – يخضع لعملية تطور و تقدم مستمرة يصاحبها إزدهارا كبيرا في المبيعات للمنتجات الجديدة في هذا المجال حتى يصل في مرحلة محددة الى درجة التشبع و هي الدرجة التي عندها لا تقدم المنتجات الجديدة التي تظهر في هذا السوق حافزا فعليا يدفع مستخدمي المنتجات الحالية الى التحول الى المنتجات الجديدة و عندها تتراجع مبيعات جميع هذة المنتجات و تقتصر على المشترين الجدد, و هذة المرحلة ليست نهاية الطريق لهذا السوق و لكنها بمثابة عملية دورية يجب أن تحدث كل فترة من الزمن الى أن تظهر إبتكارات جديدة تماما تنجح في تغيير الساحة كليا و تعود بالإثارة و الحافز الى المشترين المحتملين.
قناعتي الشخصية هنا هي أن بعض مجالات التقنية تخضع بشكل كامل لهذة القاعدة فيما تخالفها الى درجات كبيرة بعض المجالات الأخرى, فعلى سبيل المثال سوق مشغلي الهاتف المحمول و شركات الإتصالات هي أحد الأسواق التي تخضع و بقوة لمفهوم التشبع فشركات الإتصالات عندما تظهر في سوق جديد تجد نفسها أمام معدلات متزايدة من أعداد المشتركين الجدد تمثل لها إغراءا هائلا الى أن يصل السوق الى مرحلة التشبع التي يصبح عندها معظم المواطنين مشتركين بالفعل لدى إحدى شركات الهاتف بشكل يوصف بأنه مستقر الى حد ما عندها يجب على هذة الشركات أن تبدأ في التفكير في مسارات جديدة للدخل عبر خدمات مستحدثة أو عبر إجتذاب عملاء من الشركات المنافسة بامتيازات مبتكرة و تقبل الأمر الواقع بأن عدد المشتركين الجدد لا يمكن أن يستمر في تزايد الى ما لا نهاية خضوعا لهذا المفهوم, مفهوم التشبع. في حين نجحت مجالات أخرى في المخالفة من بينها مجال الحاسبات الشخصية على سبيل المثال لا الحصر و الذي أثبت قدرة كبيرة على مواصلة مبيعاته بشكل مستمر بل دعونا نقول متزايد و يرجع السبب الرئيس في ذلك الى معدل التطور السريع للغاية في هذا السوق الذي يعتمد على أرقام ترمز لسعات و قدرات الحاسبات و أرقام أخرى ترمز الى إحتياجات التطبيقات و الالعاب و طالمات توافقت هذة الأرقام فإن وتيرة التطور و التقدم و من ثم المبيعات مستمرة.
عودة الى صلب القضية التي نتحدث عنها في هذة اللحظة, إن إعتقادي الشخصي أن سوق الهواتف الذكية الحديثة لا يماثل سوق الحاسبات الشخصية و لكنه يخضع بدرجة من الدرجات لقاعدة التشبع. ربما يخالفني الكثيرون في هذا بعد أن قدمنا باستخدام المثال السابق – مثال الحاسبات الشخصية – و لكن هناك أرقام و حقائق تجبرنا على أن نعيد التفكير و نحترم هذة القاعدة. بعض هذة الحقائق يظهر في هذة المقارنة المبينة بالأعلى و التي أعدتها شركة Flurry و تظهر بالأرقام قدر المبيعات التي حققها كل من الهواتف الأربعة iPhone 3GS, Motorola Droid, HTC My Touch 3G و Google nexus one خلال أسبوع واحد من طرح كل منهم بالأسواق, نعم ربما تكون هناك إختلافات في عوامل أخرى من بينها الضجة التي يحدثها كل هاتف قبل طرحه و ما يقدمه من قدرات و توافره عالميا و لكنني أميل الى الإعتقاد – و من واقع المتابعة و المشاهدة اللصيقة لإطلاق كل منها – بأن الهواتف الثلاثة iPhone 3GS, Motorola Droid و Google nexus one على وجه التحديد قد جاءت متقاربة الى مدى بعيد للغاية من حيث جميع هذة المعايير السابقة و من حيث الضجة الإعلامية التي أحاطت بكل منها كذلك ما يتركنا أمام متغير وحيد هو تاريخ طرح كل منها و ما حققه كل هاتف من مبيعات و منها نخرج ببساطة بمحور حديثنا هنا و هو “التشبع”.
إن جوهر الأمر يكمن في أنه “من الصعب, بل ربما من المستحيل, أن يقبل المستخدم التقليدي – حتى و لو كان شديد الهوس بالتقنية – على تغيير هاتفه المحمول الذي اشتراه للتو خلال فترة لا تتجاوز شهرين الى أربعة شهور مع ما تحمله عملية التغيير بين طياتها من متاعب كبيرة من حيث نقل جميع ما يحتويه الهاتف السابق من بيانات, تطبيقات و أرقام هامة يتزايد حجمها كلما كان المستخدم ملما بقدرات هاتفه و ما يتضمنه التغيير من التخلص من ما قام بجمعه من ملحقات و إكسسوارات و ما أقدم على شراؤه من تطبيقات لهاتفه السابق, كل ذلك في سبيل الإنتقال الى هاتف جديد لن يقدم له الكثير على صعيد التجديد”
كي لا أطيل عليكم, و لنلخص ما سبق في عبارة واحدة, فإنني أتصور أن المستخدم التقليدي لأجهزة الهواتف الذكية الملم بقدرات هاتفه و يستخدمها لأبعد مدى لا يمكنه – ما لم تجبره الكتابة و التدوين عن التقنية على سبيل المثال 🙂 – أن يقبل على تغيير هاتفه قبل مرور عام كامل في المتوسط ما لم يظهر شئ مبتكر و جديد كليا يدفعه لذلك. بطبيعة الحال, فإن ما نتحدث عنه هنا هو الوضع الحالي الذي نرى فيه المزيد و المزيد من الهواتف الجديدة التي يتم إطلاقها بصفة يومية و بمواصفات و قدرات تكاد تكون متماثلة و هو ما يعود بنا الى نقطة البداية لنقول بأن تراجع مبيعات الهواتف الذكية الجديدة خلال هذة الفترة هو أمر منطقي و متوقع بعد أن وصل السوق هذة الايام الى أحد مراحل التشبع و التي نتوقع أن تزول في المستقبل القريب .. ربما بإطلاق Windows Phone 7 Series, ربما بإطلاق الجيل القادم من الآي فون, و ربما بحدث آخر … و لكنها حتما ستزول قريبا فهذا هو حال سوق التقنية دائما … و دمتم بخير ..
لا يسمح بنقل هذا المحتوى من سوالف دون الاشارة برابط مباشر