هل اصبحت وسائل التواصل المصدر الاول للأخبار

كتب: أيمن عبد الله

هل اصبحت وسائل التواصل المصدر الاول للاخبار
هل اصبحت وسائل التواصل المصدر الاول للاخبار

خلال العقد الأخير، شهدنا تحولًا جذريًا في الطريقة التي يتابع بها الناس الأخبار، حيث تقدمت وسائل التواصل الاجتماعي لتصبح بالنسبة لكثيرين المصدر الأول للمعلومة، متجاوزة القنوات التلفزيونية والصحف والمواقع الإخبارية التقليدية.

هذا التغيير لم يكن وليد الصدفة، بل جاء نتيجة عدة عوامل، أبرزها السرعة الفائقة في نقل الأخبار، وسهولة الوصول إلى المحتوى من خلال الهواتف الذكية، والتفاعل المباشر مع ما يتم نشره.

اليوم، يكفي أن تفتح تطبيقًا مثل فيسبوك أو إكس أو تيك توك لتجد أمامك موجزًا متنوعًا من الأخبار العاجلة، والتغطيات الميدانية، وحتى التحليلات المصورة التي يقدمها صناع المحتوى المستقلون. لم يعد الجمهور ينتظر النشرات الإخبارية في أوقات محددة، بل يتلقى المستجدات لحظة بلحظة، وأحيانًا قبل أن تصل إلى الصحفيين المحترفين. هذا التغير في الإيقاع الزمني جعل الأخبار على وسائل التواصل أكثر إغراءً وأسرع انتشارًا.

جانب آخر يعزز من دور هذه المنصات كمصدر أول للأخبار هو قدرتها على الجمع بين الخبر والصورة والفيديو والتفاعل الاجتماعي في مكان واحد. فالمستخدم لا يكتفي بقراءة الحدث، بل يرى صورًا من موقعه، أو مقاطع مصورة تبث مباشرة، ويتابع ردود الأفعال من مختلف أنحاء العالم. هذه الطبيعة التفاعلية تجعل التجربة أكثر جذبًا مقارنة بالمصادر التقليدية التي غالبًا ما تقدم الخبر بشكل أحادي.

لكن رغم هذه المزايا، هناك تحديات جوهرية لا يمكن تجاهلها. انتشار الأخبار الكاذبة أو المضللة يمثل تهديدًا كبيرًا، خاصة في القضايا الحساسة مثل الكوارث أو الأزمات السياسية. في لحظات كهذه، يمكن أن تنتشر معلومة خاطئة على نطاق واسع قبل أن يتم تصحيحها، ما يترك أثرًا طويل المدى على الرأي العام. ولعل أبرز الأمثلة ما شهدناه في أزمات عالمية كبرى، حيث كان النشر العشوائي على وسائل التواصل سببًا في إثارة الذعر أو خلق تصورات غير دقيقة عن الأحداث.

التواصل الاجتماعي

إحصاءات عدة تؤكد هذا التحول، حيث تشير دراسات حديثة إلى أن أكثر من نصف مستخدمي الإنترنت حول العالم يعتمدون على وسائل التواصل كمنصتهم الرئيسية لمتابعة الأخبار، خصوصًا الفئات العمرية بين 18 و35 عامًا. هذا الميل يعكس أيضًا تغيرًا في سلوك الجمهور، الذي أصبح يفضل الأخبار المختصرة والمحتوى المرئي السريع، على التقارير الطويلة والتحليلات المطولة.

من جانب آخر، لم تعد وسائل الإعلام التقليدية بمعزل عن هذا التغيير. بل على العكس، انخرطت معظم الصحف والقنوات في نشر محتواها على هذه المنصات، ليس فقط للوصول إلى جمهور أوسع، ولكن أيضًا لمجاراة سرعة التغطية التي تفرضها بيئة الإنترنت. النتيجة أن الخط الفاصل بين الإعلام التقليدي ووسائل التواصل أصبح أكثر ضبابية، وأصبح التنافس على جذب انتباه المستخدم يجري في مساحة مشتركة.

هل اصبحت وسائل التواصل المصدر الاول للاخبار

المستقبل يشير بوضوح إلى أن هذا الاتجاه سيستمر، وربما يتعزز أكثر مع التطور التقني في مجالات الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات، حيث ستتمكن المنصات من تخصيص الأخبار لكل مستخدم بناءً على اهتماماته وموقعه الجغرافي وسلوكه الرقمي. لكن هذا التطور سيجعل من مسؤولية التحقق من صحة الأخبار أمرًا أكثر إلحاحًا، سواء على عاتق المنصات نفسها أو المستخدمين الذين يتلقون هذه المعلومات.

في السنوات الأخيرة، ظهرت أمثلة عديدة تؤكد أن وسائل التواصل الاجتماعي سبقت وسائل الإعلام التقليدية في نقل الأخبار، وأحيانًا غيرت مجرى التغطية الإعلامية بالكامل.

أحد أبرز الأمثلة كان أثناء الربيع العربي، حيث لعبت منصات مثل تويتر وفيسبوك دورًا محوريًا في نشر مقاطع فيديو وصور من قلب المظاهرات قبل أن تتمكن القنوات الإخبارية من الوصول إلى مواقع الأحداث. كثير من الأخبار العاجلة والمشاهد التي أصبحت لاحقًا مواد أساسية في التغطيات التلفزيونية كانت قد انتشرت أولًا عبر حسابات ناشطين ومواطنين عاديين.

كذلك، خلال انفجار مرفأ بيروت عام 2020، انتشر على إنستغرام وتويتر مقاطع مصورة للحظة الانفجار خلال دقائق، وشاهدها الملايين حول العالم قبل أن تبث القنوات الكبرى أي تقرير رسمي. هذه المقاطع شكلت الانطباع الأولي عن حجم الكارثة، وأجبرت وسائل الإعلام التقليدية على إعادة ترتيب تغطيتها بناءً على ما تم تداوله على الإنترنت.

وفي أحداث كأس العالم 2022 في قطر، انتشرت لقطات ميدانية من الجمهور والمشجعين على تيك توك ويوتيوب، كانت أسرع وأكثر تنوعًا من التغطيات الرياضية التقليدية، وهو ما جعل جمهور الشباب يعتمد على هذه المنصات لمتابعة أجواء البطولة لحظة بلحظة.

حتى في الكوارث الطبيعية، مثل زلزال تركيا وسوريا 2023، انتشرت على تويتر وتيك توك نداءات استغاثة من تحت الأنقاض ومقاطع لعمليات الإنقاذ، ما ساعد على تحريك حملات الدعم والتبرعات بشكل عاجل قبل أن تصل التغطية التلفزيونية الكاملة.

هذه الحالات توضح أن وسائل التواصل لم تعد مجرد وسيلة مكملة للأخبار، بل أصبحت أحيانًا السبّاقة في صناعة الحدث ونقله، لتؤكد أن المشهد الإعلامي العالمي دخل مرحلة جديدة يكون فيها كل شخص حاملًا للهاتف قادرًا على أن يصبح “مراسلًا” في لحظة.

لا يسمح بنقل هذا المحتوى من سوالف دون الاشارة برابط مباشر

Exit mobile version