منقول
طراء لي في ذات يوم حاجة في غير مدينتي ، فعقدت العزم على السفر ، وأخذت بعض أغراض الرحلة ، ولأنني لا أفضل التوقف في المقاهي أو الاستراحات المنتشرة في أنحاء الطريق ، لذا فقد اعتدت على أن اخذ حاجياتي (عزبتي) معي لأنني قد أقف في بعض الطرق ، لطهو طعامي وأعداد قهوتي العربية التي أحبها ، المهم أنني حملت بسيارتي ، ما استطعت .
غمزت محرك السيارة وتحركت تخترق شوارع المدينة حتى تجاوزتها ، ثم انحرفت يميناً قاصدا الطريق المؤدي إلى حيث أريد ، كان الوقت حوالي الساعة الثامنة صباحاً ، سرت في الطريق ، وبعد حوالي الساعتين أحسست بالإرهاق وجاءتني الرغبة لإعداد دلة من القهوة ، ولأنني لأحب الوقوف على الطريق ابتعدت بسيارتي حوالي ثلاثة كليو مترات عن الطريق ، وأوقفت سيارتي الجيب ، ثم أخذت بإشعال النار بحزمة من الحطب كانت معي وقمت بإعداد القهوة . وما هي إلا هنيئة حتى رأيت رجلاً طويل القامة يسير نحوي ، فرحت به ، وقلت بنفسي رزقك الله بمن يشرب القهوة معك وتأخذ أخباره وأخبار ديرته ، اخذ الرجل يقترب ويقترب ثم انحرف إلى اليمين قاصداً عدم المرور علي ، قلت لنفسي لعلني أدعو (إبن هالحلال) لعله يأتي.
وقفت وأخذت بسماليل غترتي وأومأت له ، نظر إلي وأشر بيده ، ولكنني ناديته (يا الاخو) تفضل ، لم يتكلم و أوماء بيده بأن شكراً ، أصريت على دعوته بأن قمت وأخذت أسير نحوه ، عندما راني كذلك ، أخذ يشد المسير ، فتعجبت منه ، وأخذت أنادي عليه ، ياالأخ لو سمحت ... لو سمحت ... اسمع .... أسمع.... لما رأى إصراري على اللحاق به . توقف .. وأدار وجهه ناحيتي ، كنت حتى هذه اللحظة لم ألمح وجهه بعد ، اقتربت منه كثيراً وعندما أصبحت على مقربة عشرة أمتار رأيت وجه الرجل ، وجهة لم أر وجه رجل مثله من جماله ، تعجبت وقلت سبحان الله ، أهلاً يأخ ... قال أهلاً ماذا تريد ، تعجبت حيث أنه ليس من عادة العرب أن تسأل هذا السؤال ، قلت سلامتك ولكني رأيتك في هذه الصحراء التي لم أتوقع أن أجد بها أحد وفرحت بك ، ضحك ، إلا أنني لم اطمئن لضحكته ، وقلت له على راحتك ، إن كنت تريد تناول القهوة معي فحياك الله ، فتمتم بكلمات لم أعرفها وقلت له ما تقول قال لا بأس .
سرنا نحو السيارة ، وعندما وصلنا قلت له تفضل بالجلوس. جلس الرجل ، وكانت القهوة جاهزة ، ناولته فنجان من القهوة ، أخذه و وضعة على الأرض. قدمت له بعض التمر ، فرفض ..
قلت له : من أين أنت .
قال : لا تسأل (كان صوته خافتاً ولا أكاد أسمعه)
قلت : لماذا لا اسأل لا باس بأن تخبرني من أي الناس أنت .
قال :قلت لك لا تسأل من الأفضل أن تشرب قهوتك ونسير إلى حال طريقنا .
قلت : ولكن القهوة لا تطيب إلا مع العلوم الطيبة ، كما أنك لم تشرب فنجانك بعد.
قال : لو كنت أعرف أنك فضولي لما قبلت دعوتك .
قلت له : أسف ولكني لا أجبرك على الحديث ، أشرب قهوتك.
قال : أنا لا أشرب .
قلت : لا تشرب لماذا كل الناس يشربون ويأكلون ، قل بأنك لا تحب القوة ، هل ترغب بشيء من الشاي .
قال : لا شاي ولا قهوة ولا شراب أنا لأشرب أبداً.
قلت : لا تشرب أبدا عسى ما شر هل بك من مرض .
قال : أنا أحسن منك وأطيب منك ، ومن جنسك .
قلت : أعوذ بالله ، ولكن يا رجل أنا لم أسيء لك ، وأرجوك أن لا تخطيء علي حتى لا نخسر بعضنا .
قال : أه . نخسر بعضنا ، أنت لا تعرف شيء ، نحن خسرنا بعضنا من آلاف السنين .
ضحكت وقلت : خسرنا بعضنا من آلاف السنين ، يا رجل أنا لم أكمل الآلف سنة بعد وتقول آلاف السنين .
قال نعم : أجدادنا خسروا بعضهم البعض .
سكت برهة من الزمن وأخذت أفكر فيما يقول هذه الرجل وقلت لنفسي هل هذا مجنون والله هذي البلشة ، أنا وين جبت لنفسي هالمشكلة ، فقلت : أجدادنا ، والله أنا اعتقد إن أجدادنا ما شافوا بعض أبداً ، وإذا كان عندك علم قله لي من هم أجدادك ومن أنت ، وبعدين هل تعرف أجدادي أنا منهم .
فقال : أسئلتك كثيرة ، وأقدر أجاوب عليها كلها ، ولكن أرجوك ما تندهش ولا تخاف .
فقلت : أخاف ، لا يأخي ما أنا من اللي يخافون ... ما يهمك ، قل ما بداء لك .
قال : ما رأيك في .
قلت : من أي ناحية ، شكلاً أو مضموناً .
قال : بل شكلاً أما مضموناً ، مالك دخل فيه ، ولن تعرفه.
قلت : صدقت ، شكلاً ، مظهرك جميل ولباسك حديث ، ومنطقك جيد إلا أن به بعض الجلفة ، والشدة ، ولو لم أكن أريد أن أثيرك لقلت به بعض الحماقة.
ضحك وقال : الحماقة تبدوا في منطقي ... لأني أقدرك ، وأقدر دعوتك لي .
قلت : ولأنك تقدرني وتقدر دعوتي لك تتجلف بأسلوبك ، وتتقصد الحماقة ، كيف ذلك .
قال : أنا أشير عليك أن لا نسترسل في الحديث ، ومن الأفضل أن نتوقف وتتركني أسير لحال سبيلي فعندي من الأعمال ما الله به عليم ، وإني مرسل بعمل لا بد وأن أقضيه .
قلت : بل لا بد من أن نستكمل الحديث معك وهو حديث شيق وجميل ، أما بالنسبة للأعمال فأنا على استعداد أن أساعدك وأوصلك للمكان الذي تريد ، لأني أراك تسير على قدميك .
ابتسم وقال : أما أن تساعدني فهذا عجيب ، وأما قدماي فهي أفضل من كل سياراتكم ، وأنا أستطيع أن أصل إلى أي مكان أسرع منك .
قلت وقد علتني الدهشة : أسرع من سيارتي ؟ هذا مستحيل ، بالله عليك قلي من أنت .
قال : لقد جنيت على نفسك ، أنا لست منكم .
قلت : لست منا منا ... ماذا تقصد لست منا .
قال : لست من بني البشر يا أخ .
قلت : بسم الله الرحمن الرحيم .... إذن من أين أنت .
قال : ألم أقل لك أنك جنيت على نفسك ، ألم المح لك باني أسرع منك .. ألم أقل لك أن أجدادنا أعداء .....
قلت : على رسلك ، ولكنك لا تبدوا جنياً ، فهيئتك هيئة انسي ، وشكلك جميل وملابسك أنيقة ، ونحن نسمع أنكم تتخلقون بأشكال قبيحة وتلبسون ما رث من اللباس .
فقال : تسمعون ... وتسمعون ... وتسمعون ... أما نحن فنرى .. ونرى ... ونرى ، اسمع أنا من الجن ، صدقت أم لم تصدق ، و أستطيع أن أثبت لك بالبرهان . القاطع أن أردت ، فنحن لا نكذب مثلكم . أما عن هيئتي وشكلي ، فبالله عليك ، هل ترضى لنفسك غير الشيء الجميل .
قلت : لا
قال : ونحن كذلك إذا خرجنا عن طبيعتنا فنختار لأنفسنا أجمل الأشكال ، وأجمل اللباس ، لماذا نختار أقبحه ، ونحن لدينا القدرة على التشكل بما نريد، أفضل الأشكال ، وافضل اللباس ....
قلت : منطق ، ولكن هذا ما يقال.وكنت قد اطمأننت له قليلاً فأخذت تراودني العديد من الأسئلة حول ما كنت قد قرأت عن الجن وعالم الجن ، وعن طبيعتهم ، ودورهم ، ودخولهم في الإنسان .... الخ
فقال : ما بك هل خفت .
قلت : لا ولكني أفكر في أمور عديدة ، ولدي أسئلة كثيرة أخاف أن لا تستطيع الإجابة عليها ، أو أن تخدعني.
قال : لست من الخادعين أما أسئلتك فيمكن أن يكون لدي الإجابة على بعضها ، أما البعض الأخر فقد لا أعرف الإجابة عليه ، وهناك من هو أعلم منى.
فقلت : ولكني لا أثق بك .
فقال : هذا ما ربيتم عليه ، وما عشش في عقولكم من الأزل ، وتوارثتموه عبر الأجيال ، وهذا تسمونه عندكم العقل الجمعي .
قلت : العقل الجمعي ، سمعت بهذا من قبل ... هذا من مصطلحات علم النفس ، هل تعرف شيء عن علم النفس .
قال : علم النفس . لا .. هذا علم لديكم .. لا أعرفه . ولكني أستخدم مفرداتكم التي تتداولونها . اسمع؛ هناك من يعرف أكثر منى ويمكنك سؤاله عما بداء لك.
قلت : لقد كررت علي هذا الكلام ويبدوا أن وراء الأكمة ما وراءها ، ماذا تقصد ، أنا لا أثق بك .
قال : هذه مشكلتك هل تبحث عن المعرفة ، أولم تقل من قبل أنك لا تخاف .
قلت : نعم ، لا أخاف إذا كنت اعرف من سأقابل ، ولكن إذا كنت لا أعرف ولا أستطيع مواجهته ، فمن الشجاعة أن تعرف قدر نفسك .
قال : صحيح ، ولكني اضمن لك كل ما تطلب .
قلت وقد نظرت حولي : ولكني على سفر .
قال : خفت .. وأخذت تبحث عن أعذار لنفسك . أعدك بأن تعود إلى مكانك هذا وكل شيء على ما يرام .
قلت : وسيارتي .
قال : وسيارتك .
قلت له : ولكن أين ستأخذني . وما هي مصلحتك .
قال : سؤالين جميلين منطقيين على قولك . أولاً ، سآخذك إلى حيث تجد كل الإجابات التي تبحث عنها ، والتي قلت بأنك تريد أن تسألني عنها ، ثانياً : مصلحتي هو أني بدأت أثق بك وأرى أنك يمكن أن تنقل الحقيقة ، وأن تصحح بعض ما علق في أذهان الناس عنا.
قلت : لا بأس ، ولكن ، ما هو المكان الذي سأجد به كل الإجابات ، وفي أي أرض .
قال : ليست بعيدة من هنا ، أما أين هي فهذا ما ستراه وتعرفه ، لأني لو ذكرت أسمها لك فلن تعرفه ، فمن الأفضل أن تراها بعينيك .
قلت : وقد راودتني الرغبة في الذهاب معه . على ذكر الأسماء لم تذكر لي اسمك ياخي .
قال : هل هو مهم .
قلت : نعم ، كيف أناديك ، قال قل : "خيروشان" وستراني أمامك .
قلت :على بركة الله ، وتوكلنا على الله ، هل أضع حاجياتي في سيارتي ، ومتى سأعود .
قال : أما حاجياتك فلا باس أن تضعها في سيارتك وتغلق السيارة جيداً ، أما متى سنعود فهذا يعود لك ، فمتى ما رأيت أنك تريد العودة فاخبرني ، فساكون قريباً منك .
قلت له : وماذا ستعمل بأعمالك التي تقول أنك أرسلت لقضائها .
قال : سأرسل غيري أنت لدي أهم منها .
قلت : لا باس .
نهض قائماً ، ونهضت معه ، ثم سرنا جنباُ إلى جنب ، مشيناً حوالي كيلومتر ثم توقفنا .
قال : امسك بيدي .
قلت : لماذا ؟
قال : ياخي لا تكثر الأسئلة علي فيما لا يهمك ، أمسك بيدي.
فمسكت بيده ، وما هي إلى دقائق معدودة حتى وجدتني في مكان قربت أن تغرب عنه الشمس ، مليئ جوه بالرطوبة ، سماؤه بها بعض الغيوم ، أخذنا نمشي ، وكنت أتلفت ذات اليمين والشمال ، سمعت صوتاً خافتاً ، ونظرت إلى اليمين ثم إلى اليسار، ولكني لم أرى شيء .
قلت : ما هذا الصوت .
قال : لا تخف ، أنت في ديارنا ، ستسمع ما لم تسمعه في حياتك كلها .
قلت :