مع دخول الإنترنت إلى المملكة أمل الكثيرون في السوق السعودي بأن يكون ذلك بداية فترة نشطة من استثمارات ضخمة في تقنية المعلومات والتحول إلى الأعمال الإلكترونية.وعلى الرغم من مضي خمس سنوات على بداية تصفح المستخدمين للإنترنت في السعودية، إلا أن تطور السعودية نحو بناء مجتمع رقمي لا يزال دون المستوى المطلوب. ولا يزال سوق الإنترنت في السعودية مثقل بالكثير من مشاكل الاتصال بالإنترنت بدلا من أن التفرغ للتعامل مع التجارة والأعمال الإلكترونية.
وفي سوق يهيمن عليه عامل الاتصال بالإنترنت فإن استراتيجيات مزودي خدمة الإنترنت لبيع خدمات القيمة المضافة بما فيها استضافة المواقع وتصميمها والصيانة وحتى تزويد التطبيقات، لم تترسخ بعد في السوق. كما أن سوق الإنترنت في المملكة ابتلي في بداياته بمسائل الكلفة العالية وعدم استقرار الخدمة. وتم بصورة عامة تجاوز مشاكل جودة الاتصال وسعة الموجة ولكن بقي على مزودي الخدمة أن يقنعوا الشركات والأفراد أن يواصلوا الاتصال بالإنترنت.
يقول الدكتور إبراهيم الفريح رئيس وحدة خدمات الإنترنت في مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية: '' نشهد حاليا نموا مطردا ومتواصلا في استخدام الإنترنت في البلاد، ويوجد في المملكة أربع خطوط رئيسية STM-1 للاتصال وسيتم تركيب المزيد منها قريبا، ويعكس هذا نمو السوق''. ويضيف الدكتور ابراهيم بالقول: ''ولكن مستوى انتشار الإنترنت لا يزال دون المستوى المطلوب، ومن وجهة نظري فإن السببين الرئيسيين لذلك هما الافتقار للوعي والأسعار. والمطلوب تعزيز الوعي بما يمكن للإنترنت أن تؤمنه للأفراد والمؤسسات التعليمية والشركات والدوائر الحكومية''.
وتمثل عملية بناء ثقافة الإنترنت في المملكة جملة ضخمة من التحديات التي يمكن مواجهتها فقط من خلال مبادرات واسعة النطاق، بحيث تربط بين الشركات والجهات الحكومية ومجتمع تقنية المعلومات ومزودي خدمة الإنترنت. وتتميز تحديات بناء ثقافة إنترنت قوية في المملكة بثلاثة أوجه هي: كلفة الاتصال العالية وانتشار محدود للكمبيوتر وجودة المحتوى المتوفر على الإنترنت.
ومع طرح أسهم شركة الاتصالات السعودية للاكتتاب الأولي العام وتوفر المزيد من المنافسة في السوق خلال الفترة القادمة يتزايد الحديث عن تخفيضات في كلفة الاتصالات.
وخلال شهر أكتوبر الماضي، أمر مجلس الوزراء، شركة الاتصالات بتخفيض رسوم الاتصال بالإنترنت، وذلك في مسعى لإخراج مشغلي خدمات الاتصال بالموجة الواسعة عبر الأٌقمار الاصطناعية من السوق. ووفقا لراشد آل سنان المدير التنفيذي لشركة باتلكو الجريسي المشتركة، أثير فقد: ''تم التعهد بتقديم المزيد من التخفيضات في المستقبل القريب''.
وتبقى المسائل العالقة مثل توليد المحتوى الجيد على الإنترنت وكلفة شراء الكمبيوتر في مواجهة سوق الإنترنت في السعودية كما هو الحال في الدول المجاورة في المنطقة ذاتها. كما أن البعض يرى في الافتقار لمجتمع نشط في مراكز تصفح الإنترنت (مقاهي الإنترنت) دليل على جمود الاقتصاد الرقمي في المملكة. محسن ملكي كبير المحللين في مؤسسة أي دي سي IDC أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا يعلق على ذلك بالقول: ''يجب أن تتوفر ثقافة إنترنت قوية، ولتكوينها تحتاج لمحتوى محلي قوي وخاصة في سوق مثل السعودية''. ويضيف محسن: ''وفي الجانب الآخر من المعادلة يجب أن يكون هناك زيادة في الترويج للكمبيوتر مع خطط تمويل مريحة لتشجيع الشراء. وبمجرد القيام بذلك وتجاوز معوقات دخول الإنترنت وانتشارها سترى حركة قوية في هذا السوق الذي سيتحرك بسرعة أكبر''.
ويقترح ملكي على مزودي خدمة الإنترنت في المملكة أن يتبعوا نفس الخطوات التسويقية المشتركة التي قامت بها مجموعة من مزودي الخدمة في السوق المصري. ففي سعيهم لزيادة الوعي في السوق ولبناء ثقافة إنترنت محلية، قام مزودو خدمة مصريين بتجميع مواردهم التسويقية ليطلقوا حملة للترويج للإنترنت بدلا من تسويق خدمة شركة محددة للتزويد بخدمة الإنترنت. ويضيف ملكي: ''وجد مزودو خدمة الإنترنت في مصر أنهم وصلوا لطريق مسدود في السوق فيما يتعلق بعدد المشتركين بالخدمة، وكان ذلك هو الفرق بين المشتركين الذين يتحدثون الإنكليزية والطبقة المتوسطة التي تتحدث بالعربية فقط. فقاموا بتجميع ميزانيات التسويق لدى كل منهم للقيام بالترويج للإنترنت لأنهم أدركوا أنها الوسيلة الوحيدة لزيادة عدد المشتركين، وبدؤوا بالترويج للإنترنت دون تحديد خدمة من شركة معينة''.
ولكن الترويج للموجة الواسعة لن يفلح إلا إذا كانت هناك خدمات متوفرة للشركات والأفراد. وفي الوقت الراهن تقوم شركات عديدة بتقييم تقنيات الإنترنت بدلا من تبنيها بصورة كاملة. ويقترح افتكار نديم أحد كبار المحللين في مجال الأعمال الإلكترونية في مركز الإدارة والاقتصاد في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن KFUPM: ''تدرك العديد من الشركات تماما ما تريد تحقيقه وترغب أن تحقق لها استراتيجية تقنية المعلومات هذه الحاجات، سواء كانت التجارة الإلكترونية أو العمليات الخالية من طباعة الورق. ويقومون بالبحث داخليا قبل إطلاق الخدمات الموجهة للخارج''. وتقوم شركات كثيرة بتقييم فرص الأعمال الموجهة للشركات B2B من خلال التكامل مع الشركاء المزودين. ومثلا، تقوم شركة الجفالي بتقديم البرامج والأجهزة لعدد من الشركاء الرئيسيين في سعي منها لتشجيعهم على الاتصال بالشركة.
يقول جميل العماد المدير العام لمركز أنظمة المعلومات الجفالي، وهي شركة تقنية المعلومات التابعة لمجموعة شركات الجفالي: ''ستصبح هذه الحاجات أسهل بكثير مع وجود الإنترنت وهناك المزيد من الوعي بها، وإذا تمكنت من تقديم تبرير عملي لمبادرة ما فإن الشركات ستعمل معك بانسجام تام''.
وكانت عملية توسيع قدرة اتصال تطبيقات العمود الفقري وهو SAP R/3 لدى مجموعة الفيصلية، أولوية هامة، ويقول سالم الفارس مدير مجموعة تقنية المعلومات في المجموعة: ''لدينا البنية التحتية للاتصال مع المؤسسات الأخرى ولذلك فنحن نسعى لطرق لوصل هذه البنى التحتية مع شركاء أعمالنا''.
III
وبعيدا عن الشركات الخاصة، فإنه يبدو أن الشركات تشكك في جدوى الأسواق العامة الافتراضية على الإنترنت، فهي تفضل العمل بصورة مباشرة بالاتصال مع شركائها. ووفقا لمحمد الشمري، نائب رئيس شركة البصائر الشاملة Integrated Visions Group، تقوم الشركات بإنشاء بواباتها الداخلية internal portals ثم تقوم بربط بعض شركاء أعمالها بتلك البوابات. أما كم سيلزم من الوقت حتى تقوم الشركات باستخدام الأسواق الافتراضية على الإنترنت، فهو أمر لا يزال قيد النقاش. ويعلق محمد الشمري على ذلك بالقول: ''يتزايد الوعي بإمكانيات الأعمال الموجهة للشركات B2B ولكن يلزم إجراء الكثير من دراسات الأمثلة الفعلية والأبحاث المحلية لإقناع العديد من الشركات المحلية بالشروع للعمل بذلك الاتجاه''. ويضيف: ''هنا يكمن الدور الذي يمكن أن تلعبه الشركات متعددة الجنسيات، فسوف تقوم هذه بدفع الكثير من الشركات المحلية والشركاء بالشروع باستخدام هذه التقنيات''. وتقوم شركات من حجم أرامكو وسابك وشركاء دوليين كبار بدفع وتطوير مفاهيم الأعمال الموجهة للشركات B2B لكن الشركات الصغيرة والمتوسطة SME لاتزال بعيدة عن هذا المجال.
ويقول باسل الجبرا أمين عام فريق العمل الوطني للتجارة الإلكترونية في وزارة التجارة: ''قمنا بتحديد عدد من العوائق التي تواجه تبني التجارة الإلكترونية في القطاع الخاص والعام، ومن هذه هناك الافتقار للوعي بأهمية ذلك وقضية الثقة ومسائل الأمن والحماية وصعوبة إجراء الصفقات المالية على الإنترنت''.
IX
كان تقرير مولته لجنة التعاون التجاري، وأجرته مؤسسة ارنست ويونغ ما بين شهري مارس ويوليو من عام 2002 أشار إلى الحاجة لدفع الشركات الصغيرة والمتوسطة على الإقدام على هذه المشاريع. واقترح التقرير العديد من التوصيات لجعل الشركات الصغيرة والمتوسطة تعمل على الإنترنت. وكان هناك عروض جوالة ومؤتمرات وورشات عمل وبناء مواقع مخصصة للشركات الصغيرة والمتوسطة، وتوزيع ملفات معلومات مفيدة. ويضيف باسل الجبرا: ''القضية الرئيسية هنا هي نشر الوعي بين الشركات الصغيرة والمتوسطة. كما يجب أن يكون موقع الإنترنت غنيا بالمعلومات المفيدة ويشرح قصص النجاحات التي حققتها شركات توجهت للإنترنت وجنت أرباحا كبيرة، كما تفيد ملفات المعلومات الشركات الصغيرة التي تنوي العمل على الإنترنت للرجوع إليها كمصدر هام للمعلومات التي تشرح كيفية العمل على شبكة الإنترنت والشروع بالتجارة الإلكترونية''.
ولتحويل التقرير إلى أرض الواقع العملي هناك متطلبات مثل ارتباط المؤسسات الحكومية ودفع الخدمات من خلال غرف التجارة، والتي تتمتع بصيت عال ومكانة مرموقة في المملكة. ووفقا لباسل الجبرا فإن الحكومة تتحمل مسؤولية بناء موقع شركة نموذجية لعرض المنتجات وخدمات السوق واستضافة الكتالوجات الإلكترونية وتأمين آليات للدفع. ويشرح ذلك بالقول: ''يعد هذا أمرا مكلفا وبحاجة للتحديث، وعلى كل مؤسسة حكومية أن تقوم ببناء موقع ويب ضخم لجمع الشركات الصغيرة والمتوسطة فيه والمساعدة على عرض المنتجات وأن تؤمن حلولا مناسبة للدفع.''
قد تفلح مجموعة من المنتجات والخدمات المحلية في قطع شوط كبير نحو تأسيس مجتمع إنترنت نشط ضمن المملكة. وهناك مؤشرات على أنه يتم تأمين المزيد من المحتوى المحلي الذي يغني البيئة الثقافية على الإنترنت. ولكن يبقى على الشركات في المملكة أن تخطو نحو الإنترنت لتلبية حاجات هامة تتطلب توصيل خدمات إنترنت متطورة.
ويعلق على ذلك عبد الله الزامل نائب رئيس شركة الزامل للمكيفات في مجموعة الزامل: ''تحسنت مستويات الخدمة وسرعة الإنترنت بدرجات كبيرة خلال العام الماضي. ونستخدم نحن جلسات تدريب مع شركائنا بهدف زيادة ثقافة استخدام الإنترنت''.
منقول بتصرف
من مجلة ويندوز