مع أحداث الأرض المباركة
لقد تركت الأحداث التي حصلت في الأقصى أثرها العميق في نفوس المسلمين، ولاخيار لمسلم أيا كان أن يقف موقف الحياد، أو يتغافل عن مثل هذه الأحداث، كيف لا والأمر يتعلق بالإيمان؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم :"مثل المؤمنين في توادهم و تراحمهم و تعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر و الحمى"(رواه مسلم وأحمد من حديث النعمان بن بشير.. ) .
ويزداد الأمر أهمية حين يتعلق بموطن مبارك، وقد وصفه تبارك وتعالى بذلك في آيات كثيرة {سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله} {تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها} {وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة}.
وقد كثر الحديث عن هذا الموضوع والتفاعل معه، والمقصود هنا الإشارة إلى بعض الوقفات الدعوية، ومن ذلك:
* مع أن المسلم يسوءه ما حصل لإخوانه ويتألم لمصابهم، فإنه يؤمن أن بعض ما يكرهه الناس قد تكون عاقبته إلى خير، فقد قال عز وجل عن حادث الإفك الذي قذفت فيه أطهر النساء بالسوء{لاتحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم}.
* لعل مثل هذه الأحداث تعيد لدى المهتمين بالقضايا الإسلامية الاهتمام والاعتناء بشأن قضية الأرض المباركة التي نسيها الناس وغفلوا عنها، ومهما علا شأن قضايا المسلمين فليست بأولى من هذه القضية التي تتعلق بمسرى النبي صلى الله عليه وسلم والأرض المباركة والمسجد الأقصى وموطن الطائفة المنصورة، ولن ينتهي الصراع حولها حتى يقتل مسيحُ الهداية مسيحَ الضلالة.
* لابد من استثمار مثل هذه الأحداث في تقرير القضايا الكبرى في خلفية الصراع، وربط المسألة بجذورها العقدية وأن هذه الجرائم صدرت من {أشد الناس عداوة للذين آمنوا}. ومن هذه القضايا أيضا التحالف بين النصارى واليهود، ووقوفهم في خندق واحد حين يكون العدو المستهدف هو الإسلام وأهله {بعضهم أولياء بعض}. إن هذه المسلمات الشرعية نسيها الناس في ضل المصطلحات السياسية التي روضهم الإعلام عليها: الصراع العربي الإسرائيلي، إسرائيل لاتريد السلام.
* اتضح من خلال هذه الأحداث أثر الإعلام في إثارة تفاعل الناس مع القضية، فالصور والتقارير المؤثرة التي تناقلتها وسائل الإعلام فعلت فعلها في النفوس، ألما يحن الوقت لدى الدعاة إلى الله عز وجل أن يدركوا تأخرهم في التعامل مع هذه الوسائل المؤثرة، وأن يتعلموا فن الصنعة الإعلامية الذي يمكن أن يثير تفاعل الناس مع قضايانا.
* لابد من السعي لبناء الأولويات لدى الناس -مع استثمار العواطف الخيرة- فقتل طفل آمن جريمة نكراء، لكن قتل المئات والآلاف من خلال سياسة التجويع والحصار الاقتصادي أشد جريمة، وترويع الآمنين وقتلهم جريمة بشعة، وأشد من ذلك بشاعة صد الناس عن دينهم وفتنتهم فيه {والفتنة أشد من القتل}.
* لابد من استمثار مثل هذه الأحداث في دعوة الناس للعودة إلى الدين والرجوع إليه، وأن ما أصابهم إنما هو حين تركوا دينهم وأعرضوا عنه، وهذه الأحداث فرصة للدعاة إلى الله في الأرض المباركة في أن يزيد من حضورهم لدى الناس، ويسعوا إلى إعادة الناس إلى دينهم.
* يقبل الناس في مثل هذه الأحداث على الاستماع إلى آراء المحللين والمعلقين، فأين حضور دعاة الإسلام وأهل العلم في ذلك؟ وهل ما يقدمونه للناس -إن وجد- على مستوى ما يسمعه الناس من غيرهم؟ أم لازلنا نعتقد أن الحديث في مثل هذه القضايا مما يشغل طالب العلم ويصرفه عما هو أهم؟
* إن تفريق الناس بين من يتحدث باسم القضية، وإصرارهم على التعامل مع الصادقين منهم، بذرة من الوعي ينبغي أن تستثمر وتنمى قبل أن تذبل وتموت.