تحثني أمي على شرب كأس الحليب وتقول : إذا شربت بيبسي بتصير أسود زي البيبسي ... يالله يا ماما اشرب الحليب عشان تصير أبيض وحلو
سبحان الله ... من الصغر وتربيني على العنصرية مع جرعات الحليب ( بدون قصد طبعا )
سألتها ذات مرة: طيب واللي عيالها سود وش بتقول أمهم لهم؟ (( واحد عمره ست سنين ناوي يحرج أمه وما يبي يشرب الحليب ))
فكرت عبقرية زمانها لوهلة ... ثم قالت : السود يطالعون الحليب أسود والبيبسي أبيض ... وهم عندهم الأسود حلو ... يالله إشرب وخلصني
فقلت مستغربا تلك المعلومة الجديدة: وشلوووون؟ ... عيونهم زي عيوننا ...
فأجابت الماكرة المهووسة بإرغام صغيرها على شرب الحليب: وش يدريك أن الأسود أسود والأبيض أبيض؟ ... تحسب كل الناس يفكرون زيك؟
وينتهي الأمر بشربي الحليب مرغما وعلى وجهها علامات الزهو والإنتصار ... منك لله ... أكان لازما أن تدخليني في دوامة رؤية الألوان؟ ... إلى الآن بعد عقد ونصف من الزمن وأنا أتفكر في هذا السؤال ... هل الألوان التي يراها الشخص هي نفس الألوان التي يراها شخص آخر؟ .! .. قد يتفقون على التسمية ... لكن هل يرون نفس اللون؟
---------------------------
تقول لي: " يالله لازم تخلص آخر قطعة من الخبز ... يمكن فيها البركة "
طيب ... قضمنا الطرف الأسفل من الساندويش ... هاه؟ استانستي الحين؟ ... أكلنا قطعة " البركة"
ترجع وتقول: وش يدريك أن هذا الطرف الأسفل من السندويش؟
فأقوم وأقضم الطرف الآخر : هاه ... والحين وش بتقولين؟ ... أكيد قطعة البركة في واحد من هالطرفين اللي أكلتهم ...
فتعود إلى إرهابها الفكري في إرغام عقلي الصغير على الدخول في دوامة فلسفية: الحين صار عندك سندويش أصغر ... والبركة في آخر قطعة منه ... يالله يا ماما لازم تاكلها ...
ينتهي الأمر بصحن فارغ بعد أن دست محتوياته زورا في حلقي وعقل صغير تائه حيران في سؤال فلسفي عميق: أين هي قطعة (( البركة )) في الساندويش؟
-------------
سألتها ذات مرة: يا ماما كم عمرك؟
فتجيب حانقة: وش دخلك؟ ... الصغار ما يسألون عن أعمار أمهاتهم...
بعد إلحاح ودندرة ومطاردة لها من مكان لمكان ... أجابت: خمس وعشرين
- وكم عمر بابا؟
أجابت بدون تردد: واحد وثلاثين
وهكذا كنت أحسب الفرق بين عمري وبين عمر والديّ ... بعد كل سنة من عمري أضيف سنة لعمريهما لسبب لا أعلمه ... واحد فاضي يبي يشغل نفسه بأي شي
عندما بلغت الحادية عشرة ... أتى ذلك اليوم الذي قلب حساباتي وتفكيري رأسا على عقب ... تجمعت صويحبات أمي في بيتنا في أحد المناسبات ... ودارت سالفة بين الحريم حول فلانة الي بتتزوج واحد قد ابوها إلخ ... حتى انتهى الأمر إلى مصارحة الأعمار ... أتى دور أمي فقالت: ثمان وعشرين
دخلت في نقاشهن لقافة مني بعد أن مللت العبث بصحن الكيك أمامي وقلت: لا ... عمرك ثلاثين
نظرت إلي أمي تلك النظرة الحمراء يتطاير منها الشرر وتيقنت أني هالك لا محالة .... ثم قالت تعلو وجهها ابتسامة صفراء: ماعليكم منه هاوشته اليوم ولسه زعلان ... هاهاها ... يحليله ... يعرف شلون ينتقم
استغربت من تلك القصة الملفقة... ما هاوشتيني ولاني زعلان حتى أنتقم... هممت بالتعبير عن استغرابي إلا أنا أمرتني بالإنقلاع خارجا والكف عن الجلوس مع النسوان ...
طبعا لم أترك تلك الكذبة تمر بسلام ... لابد من مواجهتها بها ...! سألتها في تلك الليلة: شلون تقولين إن عمرك ثمان وعشرين؟ ... أنا كنت أحسب وطلع عمرك ثلاثين ...
يبدو أنها في تلك الأثناء استشعرت حقيقة أن ابنها أذكى مما يبدو ... قدر الله أن يبتليها بصبي يحسب الأعمار ويحتفظ بسجلات ووثائق عن والديه ...
إن كنت ريحا فقد واجهت إعصارا ... هكذا كان لسان حالها عندما اخترعت تلك القاعدة الجديدة التي قلبت موازين تفكيري رأسا على عقب ...
أجابت بهدوء مصطنع ومكر: لا يا ماما إنت غلطان ... الرجال يكبرون سنة بسنة ... صح ... لكن الحريم كل سنة يكبرون نص سنة ... يعني كل سنتين يزيد عمرهم سنة ... ماعلموك كذا في المدرسة؟ ... يمكن بتاخذونه في صف سادس ...
تركتني مشدوها فاغرا فاهي لتلك القاعدة العجيبة التي لم أملك حيالها إلا التصديق ... فهي أولا صادرة من أمي ... وثانيا قرأت معلومة من مجلة ماجد في ركن " مشاركات الأصدقاء" أن النساء يعمرن أطول من الرجال ... وأن الحيوانات تختلف في مضي أعمارها بالنسبة للإنسان... لابد أن يكون هذا السبب ... وثالثا يبدو عليها الثقة مما قالته إذ أنها وعدتني بأني سأدرس تلك القاعدة في صف سادس ...
مرت مرحلة سا! دس إبتدائي ... ثم أول متوسط ... ولم يأت ذكر لهذه القاعدة ... سنتين من عمري أمضيتهما في تصديق تلك الخرافة .... يا الله ... كل ذلك حتى تخفي عمرها ... وزيادة للطين بلة أن أحد عماتي ممن أثق بهن أكدت لي تلك القاعدة عندما سألتها عنها ووصفتها بـ " حقيقة علمية في البايولوجي " ... ولم تنس أن تنهي تقريرها بتلك الإبتسامة الصفراء إذ تبادلت النظرات مع أمي .... والمصيبة أن أحدا ممن حولي لم يتطوع لتصحيح تلك المعلومة ... بل يضحك عند سؤالي يظن أنه نكتة حول حرص النساء على تصغير أعمارهن ...
منكم لله يالحريم... منكم لله ... منكم لله ...
منقول
اخوكم/ حكمي نت