من ملفات المخابرات العامة المصرية:
الجـاســــوس العـاشـــق
قامت المخابرات العامة المصرية في الستينيات بإجهاض أهم عملية قامت بها مخابرات الخصم ضد بلادنا.. وقد اجمعت مخابرات العالم أيامها علي أن جهاز المخابرات المصرية هو من اكفأ أجهزة المخابرات في العالم.. حيث كان الصراع في تلك العملية هو صراع العقول الذي دار بين ضابط المخابرات المصري المدعو حركيا' بالصقر' وضابط الموساد الاسرائيلي المدعو' نيقولا'.
في فترة الستينيات قاست مصر كثيرا من الاعيب دول الغرب وأمريكا حيث ارتكبوا خطأ كبيرا في التعامل مع مصر ورئيسها الزعيم الراحل جمال عبد الناصر..
وان دل ذلك الخطأ علي شئ فإنه يدل علي أن دول الغرب وبرغم الإمكانيات التي تفخر بها من حيث قدرتها علي معرفة ردود الفعل التي ستنجم عن اي موقف يتعرض له اي من ملوك او رؤساء دول العالم وذلك عن طريق الدراسات والتحاليل لشخصياتهم.. إلا أنهم فشلوا عندما ارادوا ان يطبقوا ذلك مع الزعيم جمال عبد الناصر.. فقد كان يملك عقليه ديناميكية متحركة ومتغيرة.
كان الموقف الذي عرضوا الزعيم جمال عبد الناصر له هو اعلان منع بيع السلاح لمصر.. وكان ذلك هو الموقف الذي قالت دراستهم وتحاليلهم لشخصية عبد الناصر انه سرعان ما يقدم اعتذاراته.. ثم يصبح كالخاتم في أصبع تلك الدول الكبري.
ولكن ما حدث كان غير ذلك تماما.. لقد كانت مفاجأة رد الفعل من الزعيم عبد الناصر ليست في حسبانهم.. ولم تصل اليها دراساتهم ولا تحاليلهم فقد أقدم الرجل علي مالم يتخيلونه.. فأعلن عن مؤتمر شعبي عام حضره وشرح فيه للشعب موقف تلك الدول الكبري من مصر.. وقرارهم الامتناع عن تزويدنا بالسلاح..
ويومها فوض الشعب المصري الزعيم عبد الناصر بالتصرف مع تلك الدول.. وعلي الفور أعلن الزعيم ناصر قراره
الصواريخ المصرية بعيدة المدي
اغتاظ الاعداء بعد ان قهرهم عبد الناصر.. فقامت أمريكا ودول الغرب بتشجيع اسرائيل علي القيام من حين لآخر بأعمال ضد مصر.. فقرر عبد الناصر أن يوقف رعونتها.. ففكر في الوسيلة التي تمكنه من ردعها.. فقرر أن يجعل يده تطولها من علي بعد.. فكان مشروع الصواريخ المصرية بعيدة المدي..
ولكن كيف يحصل علي تلك الصواريخ بعيدة المدي وهو يعرف تماما إنه لن يحصل عليها حتي ولا من الاتحاد السوفيتي.. ولأن عبد الناصر كان شخصيه متحديه حتي لنفسه.. فإنه فكر في تصنيع تلك الصواريخ محليا في مصر..
وعليه كان لابد وان يستعين بمن في مقدورهم تصنيع تلك الصواريخ وهنا فكر في العلماء الالمان المنتشرين في بلاد العالم.. فارسل مندوبين فوق العادة الي بعضهم في أماكنهم.. وتم الاتفاق معهم وحضروا الي مصر سرا وبدأوا فعلا في تصنيع تلك الصواريخ محليا..
ولأن مخابرات الخصم من القوة بمكان.. فقد توصلت الي تلك المعلومات التي لم تصدقها في أول الأمر.. ولكنهم نجحوا بطرقهم السرية من التأكد منها..
وعندما علمت دول الغرب وأمريكا واسرائيل بذلك.. دارت مرة اخري حول نفسها.. وأصيبت رءوس الاعداء بنزيف من الغيظ.. وكان رد فعلهم فيه نوع من التهور واليائس من ذلك الرجل الصلب الذي يفاجئهم بما لا يمكن ان يخطر بحساباتهم العلمية التي استخدموا فيها علوم النفس والعقل.. فقررت أمريكا ودول الغرب بالتعاون مع اسرائيل بقيام الموساد بتنفيذ عملية كبري في مصر خطط لها باتقان ليلقنوا عبد الناصر درسا لا ينساه..
وفي احدي غرف الاجتماعات بمبني الموساد بتل أبيب.. أجتمع قادة الموساد من أجل اختيار الضابط الذي سيكلف بتلك العملية.. وبعد مناقشات طويلة وقع الاختيار علي ضابط داهية يطلق عليه اسم حركي' نيقولا'..
ونيقولا هذا هو ضابط الموساد المسئول عن مراكز التجسس الثلاثة لمنطقة شرق البحر الأبيض المتوسط.. وكانت هذه المراكز هي اثينا وروما وأسمرة.. وكان نيقولا هذا يتخذ من أثينا مراكز له..
وأيامها أيضا كان في المقابل لنيقولا.. ضابط مصري من أكفأ ضباط المخابرات العامة المصرية.. يطلق عليه اسم حركي هو' الصقر' وهو المسئول عن تأمين البلاد ضد أي نشاط للمخابرات الاسرائيلية.. أي مقاومة أي ضرر يلحق بالبلاد نتيجة دفع الخصم لعملائه اليها..
أصبح لدينا الآن ضابطا مخابرات احدهما من الموساد وهو نيقولا المكلف من قبل جهازه' بدفع' عميل مدمر أو أكثر للقيام بمهمة تدميرية في مصر والآخر ضابط المخابرات العامة المصرية وهو الصقر المكلف بحماية البلاد من أي دفع واختراق متوقع لمصر.. ولن يتأتي ذلك إلا عن طريق العلم المسبق بخطة الدفع التي سيقوم بها الخصم.. وأري هنا أنه من المهم قبل أن نخوض سويا في استراتيجية تلك العملية ان نتحدث عن مدلول كلمة' الدفع' و' العلم'.
فهناك في علم المخابرات نظرية يطلق عليها نظرية' الدفع والعلم'.. وتلك النظرية تعتبر من أساسيات علم المخابرات في العالم.. حيث دائما ما يكون' الدفع' من' المخترق'.. أما' العلم' فهو من قبل المقاوم للاختراق.. والدفع والعلم لهما توقيتات.. فمن المعروف ان توقيت بداية عملية تجسس هو' الدفع' بمعني ان عملية التجسس بدايتها الحقيقية هو' الدفع' وتوقيته.. اي توقيت' دفع' الجاسوس الي المكان الذي سيبدأ منه العمل..
أما توقيت بداية عملية المقاومة.. أي مقاومة التجسس فهي تحدد بنوع المقاومة.. فالمقاومة نوعان.. نوع بغرض التأمين العام للبلاد.. وتلك النوعية ليس لها توقيت بداية ولا توقيت نهاية فهي مستمرة بلا توقف..
أما النوع الآخر.. وهو مقاومة شبكة التجسس بالتحديد.. أو جاسوس معين.. فتلك يكون توقيت بدايتها منذ لحظة' علم' المقاومة بها.. اي بتوقيت' علم' المقاومة بان هناك من' سيدفع' بجواسيس الي البلاد.. واختصارا لما سبق نستطيع ان نجمله في.. ان بداية التجسس هو' الدفع' وبداية المقاومة هو' العلم'.
وبناء عليه.. يمكن القول بإنه اذا حدث توافق بين الدفع والعلم اي بين توقيت الدفع وتوقيت العلم.. اي علم المقاوم بلحظة الدفع.. هنا سيكون الصراع بين الطرفين منكافئ لو كان مخابرات طرفي الصراع متكافئتان في القوي..
اما اذا سبق الطرف الدافع ودفع بعميله دون علم الطرف المقاوم فسيظل الطرف الدفاع سابقا لطرف المقاوم بخطوة وسيكون فيها خسارة كبيرة بسبب تسرب المعلومات دون علمه.. اوما سيحدث من احداث فيها ضرر بالامن القومي للبلاد..
ولكي أكون صادقا.. وللتاريخ.. ولكي أكون أمينا في سردي لتلك العملية فاني اقرر هنا ان الخصم وهو ممثلا في امريكا ودول الغرب واسرائيل.. قد نجح في تنفيذ ذلك المخطط الاول من الشق الأول من تلك العملية ولكن نجاحه كان نسبيا.. فالموساد التي قامت بالتنفيذ نجحت في' الدفع' أي دفعت بعميلها المدمر دون' علم' أجهزة المقاومة المصرية.. أي قبل ان تعلم المخابرات المصرية فكانت النتيجة ان توالت انفجارات الرسائل الناسفة في العلماء الالمان المقيمين بالقاهرة والقائمين علي صناعة الصواريخ المصرية.. فقد بدأت الانفجارات بانفجار طرد في سيدة المانية كانت تعمل سكرتيره لاحد الخبراء الالمان. وتوالت بعدها حوادث انفجار الطرود وان دل ذلك علي شئ فإنما يدل علي أنها أحداث تدميرية ومن فعل فاعل.. والمقصود بها العلماء الالمان الذين استحضرتهم مصر لصناعة الصواريخ الكبيرة بعيدة المدي.. التي أطلق عليها' القاهر و الظافر'.. وكان الغرض من تلك الانفجارات هو افزاع باقي العلماء الالمان ليهربوا من مصر دون انجاز ما استحضروا من أجله.. وهنا لابد وان نتسائل كيف نجحت الموساد في ذلك..
والرد علي هذا السؤال ذكر من قبل.. فنجاحها جاء عن طريق نظرية الدفع والعلم فقد نجحت الموساد في دفع عميلها المدمر الي البلاد دون علم المقاومة.. ولكن هنا يكون سؤال آخر.. كيف دفعت الموساد بعميلها.. ومتي دفعت به.. وكيف نفذ ونجح ذلك العميل في تنفيذ ذلك المخطط.. وكانت تلك الانفجارات في العلماء الالمان..
الرد علي تلك الاسئلة هي في احداث تلك القصة الواقعية المثيرة والشيقة التي سمح لي بسردها عليكم لتجيب علي تلك التساؤلات..
سيمفونية الذكاء
لنعود الآن الي طرفي الصراع المتمثل في الدول الغربية وأمريكا والموساد والذي يمثلها ضابط المخابرات الاسرائيلي نيقولا.. ومصر التي يمثلها ضابط المخابرات المصرية الصقر.. حيث دار بينهما صراع استخدم فيه كل منهما أقصي ذكائه.. فكانت بينهما حرب من الدهاء..
فمن أول انفجار عبوة ناسفة.. بدأ نشاط الصقر.. بدأ يبحث عن المصدر التي صدرت منه تلك العبوة.. واثناء بحث الفنيين والخبراء لبقايا ذلك الانفجار حدث الانفجار الثاني والثالث في عالمين من العلماء الالمان.. وهنا تأكد للصقر أن هناك عميلا أو عملاء للخصم يعملون ضد هؤلاء العلماء الالمان ولكن كان عليه أن يعرف إذا كان هؤلاء العملاء يرسلون بمتفجراتهم التدميرية لهؤلاء العلماء من خارج البلاد أم من داخلها..
كان علي الصقر أن يتدارك الموقف ويفعل المستحيل حتي يصل الي هؤلاء العملاء الذين قاموا بتلك العمليات التدميرية.. فبدأ نشاطه بالبحث والتحري.. فاتضح له ان تلك الطرود المتفجره ترسل للضحايا من داخل مصر وليس من خارجها.. وبناء عليه تأكد الصقر من استنتاجه.. فقد دخل ذلك الجاسوس التدميري الي البلاد.. وبدأ نشاطه.. وأن هدفه هم العلماء الالمان..
ولكن من هو ذلك الجاسوس.. وكيف جند.. وكيف دخل البلاد ونجح في بدء تنفيذ مخطط الخصم.. ومن أجل الوصول الي ذلك اري انه من الاصلح ان اعود بكم قليلا الي الخلف حيث كان ذلك الاجتماع في مبني الموساد والذي استدعي اليه نيقولا.. حيث تقرر توجيه ضربه الي مصر واتفق علي وضع خطة عامة الغرض منها تجهيز احد العلماء تجهيزا خاصا والدفع به الي القاهرة ليقوم بعمليات اغتيال للعلماء الالمان القائمين علي تصنيع الصواريخ المصرية بعيدة المدي.. وفي نهاية الاجتماع اختير نيقولا كويس ضابط الموساد ضابطا لتلك العملية.. وكلف بوضع الخطة التفصيلية التنفيذية لاتمامها..
فكر نيقولا هذا الضابط الداهية.. فوجد أن عليه أن يقوم بعمل فرز واختيار لمن يصلح للتجنيد من أجل القيام بالتنفيذ في مصر.. وبما انه دارس لطبائع الشعوب.. وللعلم..' طبائع الشعوب' هو احد العلوم التي تدرس لرجال المخابرات.. فوجد الصقر ان من طبائع الالمان.. انهم عندما يخرجون من بلادهم ليعيشوا في بلاد آخري.. فإنهم لا يسعون ولا يبغون الاحتكاك بالجنسيات الاخري.. بل يترابطون ويحتكون بمن هم من مثل جنسهم فقط.. هذا ما فكر فيه الصقر وما توصل اليه نتيجة معلوماته التي سيستغلها بعد ذلك..
اما نيقولا.. فبعد ان كلف بتلك العملية.. فكر هو الآخر في كيفية التعامل مع هؤلاء الخبراء الالمان في مصر.. واوصله تفكيره الي أن هناك بعض العائلات الالمانية اليهودية التي كان يبطش بهم النازي في المانيا قد هربت الي روما بايطاليا.. حيث كانت الموساد تحتضن تلك العائلات وتبارك تلك الجماعات المناهضة للنازية وتساندهم بالاموال.. وكانت تنتقي الصالح منهم لتجنيده للعمل معها مستفيده باختلاف جنسياتهم.. المهم ان تكون الديانة يهودية..
وبناء علي ذلك التفكير اسرع نيقولا بالسفر الي روما.. كانت هناك ضابطة للموساد تحت رئاسة نيقولا وتدعي' عليزه'.. وكان الغرض من لقاء نيقولا بعليزه هو ان ترشح له واحدا من بين هؤلاء الالمان الذين تحدثنا عنهم ويكون صالحا للقيام بعملية كبيرة وخطيرة.. وعندما التقي بعليزه مساعدته وتحدث معها عن طلبه رشحت له احد الألمان الذي كان يعمل سايسا للخيول في احد الإسطبلات ويدعي' لوتز' ولوتز هذا هو ما اطلقت عليه' الجاسوس العاشق'..
ولنبدأ الآن في سرد قصة ذلك الجاسوس العاشق من الموساد التي تمكنت من تحويله من رجل رومانسي حالم يحب الحب.. الي جاسوس شرس يعشق الدم..
كان' وولفانج هانز لوتز' وهذا هو اسمه بالكامل مجندا بالجيش الالماني واشترك في الحرب العالمية الثانية.. وبعد ان خسر الالمان الحرب نزح الي استراليا حيث عاش بها بعض الوقت ثم توجه الي ايطاليا حيث عمل كسايس باحد اسطبلات الخيول في روما..
وهناك في روما وفي احد نوادي الفروسية التقي لوتز بامرأة تدعي كلارا فقد كان هوالسايس الذي يجهز لها الحصان الذي تركبه عندما تذهب الي نادي الفروسية الذي تمارس فيه هواية ركوب الخيل.
كانت كلارا امرأة نارية الجمال.. وبما ان الفارق في المستوي بينهما كان كبيرا فقد عشقها لوتز في صمت.. ولكن نظرات لوتز التي كانت تنطق بالحب الصامت اكتشفتها المرأة فلفتت انتباه كلارا له.
اما كلارا الجميلة فقد كانت من تلك العائلات الالمانية الجنسية ويهودية الديانة.. تلك العائلات التي كان هتلر يضطهدها ايام ان كان مسيطرا علي المانيا بنازيته فاضطرت عائلة كلارا للهرب من حيث رحلت الي ايطاليا واستقرت في روما..
وعندما شبت كلارا شبت معها كراهيتها للنازية.. وعرف عنها ذلك وهي تدرس في المدرسة التي التحقت بها في روما.. وكما قلنا من قبل كانت الموساد في تلك الفترة تلتقط الصالح من تلك الجماعات المناهضة للنازية وتقوم بتجنيده للعمل في الموساد شرط ان تكون الديانة يهودية.. وعليه التقطتها مدرستها وضمتها الي جماعة مناهضة للنازية.. بعد ذلك ولإمكانيات معينة فيها رشحت للعمل بالمخابرات الاسرائيلية.. وهناك تلقت تدريبا يؤهلها للعمل بالاعمال السرية وبناء عليه ضمت الي صفوف العاملين بالموساد..
تلقت كلارا تخصيصا في الموساد.. ثم ارسلت للعمل بروما التي كانت تعتبر احد مراكز التجسس لمنطقة الشرق الأوسط.. حيث عملت كمساعدة لاحدي ضابطات الموساد والمطلق عليها عليزه.
كانت من المهام المكلفة بها عليزه هي البحث عن هذا النوع من البشر الذي يصلح للقيام بالاعمال السرية.. ومتابعته الي ان يثبت صلاحيته فتبدأ في محاولة تصيده..
وعندما لفت لوتز انتباه كلارا بنظراته الولهانه حبا.. قامت بترشيحه لعليزه التي رشحته بالتالي لنيقولا عندما حضر الي روما وطلب منها ترشيح احد الالمان للتجنيد حيث يتم تدريبه علي عملية خاصة في مصر.. وبعد ان سمع نيقولا كل المعلومات عن لوتز هذا وافقها علي ترشيحه.. وطلب منها استدراجه عن طريق كلارا وتجنيده.. ثم عاد نيقولا الي اثينا..
وعليه قامت عليزه بدفع كلارا علي لوتز هذا.. حيث بدأت تتعامل معه كانثي حتي غرق في بحر غرامها واحبها بعنف وعندما تأكدت كلارا من سيطرتها عليه.. قدمته لعليزه التي عرضت عليه التجنيد والعمل لصالح اسرائيل في مهمة بمصر..
واعترض لوتز في بادئ الأمر.. ولكنه عاد وقبل عندما عرف انه سيعيش في مصر علي أنه مليونير وخبير خيول.. وبناء عليه درب علي المهمة التي سيقوم بها حيث درس له عمليات النسف والتدمير ودرب عليها.. ولكن عندما عرف أن مهمته في مصر هي اغتيال العلماء الالمان بالرسائل الناسفة رفض القيام بتلك المهمة وبشدة.
ولأن عليزه كانت متأكده من عشقه لكلارا فقد قامت باغرائه بقبول المهمة فكلارا ستشترط معه فيها.. وستذهب معه الي القاهرة علي انها زوجته وهنا قبل لوتز علي تردد.. ووضح تردده هذا في الشرط الذي اشترطه وكان يعرف انه سيرفض له هذا الطلب.. فقد اشترط زواجه فعلا من كلارا قبل سفره الي القاهرة.. وفعلا وكما توقع رفضوا له ذلك.. فرفض هو الآخر التجنيد من أساسه..
اسرعت عليزه بالاتصال بنيقولا في اثينا وطلبت منه الحضور الي روما لحل المشكلة.. واسرع نيقولا الي هناك.. وقدم له لوتز الذي حاول معه نيقولا المستحيل ان يقبل المهمة في مصر ومعه كلارا ولكن بدون زواج.. ولكن ابدا لم يوافق لوتز ورفض بشدة دون خوف من تهديدات نيقولا المستتره..
وعليه لم يجدوا بدا من قبول شرطه.. خصوصا بعد ان ابدت كلارا ميلا اليه بعدما تأكدت انه من الممكن أن يضحي بنفسه من أجل حبها فتزوجته ودفع بهما الاثنان الي مصر.. وبذلك نري انه تم' الدفع' من الموساد دون' العلم' من المقاومة المصرية.. فكانت النتيجة انفجارات تلك الرسائل الناسفة في بعض العلماء الالمان المقيمين بالقاهرة والقائمين علي صناعة الصواريخ المصرية..
كيف فكر الصقر في العملية
ولنعود الآن الي الطرف المصري في الصراع.. طرف المقاومة المتمثل في الصقر الذي نجح خصمه نيقولا الممثل للموساد في دفع العميل دون علمه فحدث ما حدث..
حقا تغلب نيقولا هذه المرة.. ولكن كان علي الصقر ان يجهض ذلك النجاح.. ويضرب ضربته الاقوي باكتشافه لذلك العميل المدمر الذي دفع الي البلاد دون علمه.. والذي يجب ان يبحث عنه بين الملايين التي تعيش في القاهرة.. كان وكأنه يجب أن يبحث عن قشه في بحر من البشر.. ولكن وكما قلنا أن كلمة مستحيل ليست في لغة المخابرات..
نظم الصقر تفكيره ومنطقه.. وساعده علم المخابرات الذي درسه فقد ذكرنا من قبل أن هناك ما يسمي بعلم' طبائع الشعوب' وهو نفس التفكير الذي لجأ اليه خصمه لاختيار عميله.. فقرر الصقر أن يبدأ بحثه في محيط هؤلاء الخبراء الالمان.. فالفاعل لابد وان يكون قريبا منهم ويعرفهم.. واستند الصقر في تفكيره هذا كما ذكرنا علي طبائع الانسان الالماني.. فالفرد الالماني في الغربة لا يتفاعل ولا يلتحم بصداقة او علاقة الا مع الماني مثله ويكون حريصا وحساسا من اي جنسية اخري.
ومعني ذلك ان من يعمل ضدهم في الخفاء ويقتلهم لابد وان يكون الماني الجنسية مثلهم.. لذا وجب التركيز اولا علي الجالية الالمانية في مصر وفي القاهرة بالذات.. خصوصا من كان منهم علي علاقة بهؤلاء العلماء الالمان.
الصقر وخطة المتابعة
بناء علي ما سبق امر الصقر بفرض رقابة مستمرة علي مدي الاربع والعشرين ساعة علي هؤلاء العلماء المستهدفين.. وذلك لحصر اتصالاتهم والمترددين عليهم من الجالية الالمانية..
وفي نفس الوقت امر مساعديه بالحصول علي المعلومات المسجلة بادارة الجوازات والجنسية للالمان الموجودين بمصر وعناوينهم.. ولكن أولوية اهتمامه بالالمان الذين ثبت من المراقبة انهم اتصلوا بهؤلاء العلماء.. وكانوا ثلاثة من افراد الجالية الالمانية هم.. هانز كول خبير باحد المصانع.. ويقيم بشارع بهجت علي بالزمالك.. وآخر يدعي هلينان بوريك.. مندوب لاحدي شركات الأدوية في مصر.. ويقيم بفيلا بالمعادي.. وشخص ثالث الماني الجنسية يدعي وولف ولنج لوتز وهو مليونير الماني وخبير خيول.. ويقيم بفيلا بمنطقة الهرم.
طلب الصقر من الخبراء الفنيين التقاط الاشارات اللاسلكية من الجو وتحديد مواعيدها.. وكانت النتائج ان توصل الخبراء الفنيين الي التقاط الاشارات اللاسلكية من مناطق الزمالك والمعادي والهرم.. وبمتابعة اكثر من استخدام أجهزة التقاط ادق ثبت ان هناك اشارات تلتقط من منطقة الهرم كل يوم ثلاثاء في الساعة الثامنة مساء.. وعليه بدأت أصابع الشك تشير إلي لوتز..
اراد الصقر ان يكون دقيقا.. فأحل نشاطه الايجابي علي الهدف الجديد حتي يصل الي ما يؤكد له ذلك.. واعادوا خبراء الاشارات الفنيين المتابعة وكان التأكيد.. فقد التقط بواسطة أجهزة ادق مصدر الاشارة حيث كانت صادرة من فيلا المدعو لوتز بالهرم..
الاستخدام البشري في المتابعة
الي هنا كانت الأجهزة قد أدت واجبها ولا تستطيع أكثر من ذلك ولكن الصقر كان يريد معلومة مؤكدة.. والحل الوحيد الذي يؤكد له المعلومة هو المجهود البشري.. فأمر بإجراء تحريات كاملة عن سكان تلك الفيلا الخاصة بالالماني لوتز..
وانتشر رجال التحريات السرية في المنطقة حول فيلا لوتز وسريعا ما قدم للصقر تقرير معلومات مجمع عن المقيمين بتلك الفيلا واتضح انه يقطن بها الالماني المدعو وولف لونج لوتز وزوجته كلارا واستكمال مساعد الصقر المعلومات بالبيانات الشخصية التي حصل عليها من كشوفات الجوازات وايضا بالصور المصاحبة لتلك البيانات.
الذي أيده فيه الشعب بشدة وحماس.. وكان قرار عبد الناصر هو أنه سيخوض المستحيل ليمد جيش بلاده بالأسلحة المتطورة من أي جهة أخري.
وهنا جن جنون الاعداء.. خصوصا انهم علموا أن الزعيم جمال عبد الناصر لم يكن يهدد.. بل كان قد تفاوض فعلا مع الاتحاد السوفيتي ليمد جيشه بالسلاح التقليدي..
ودارت دول الغرب وأمريكا ومعها اسرائيل حول نفسها من أثر ضربة رد الفعل التي ضربها عبد الناصر.. فرد فعله هذا كان علي النقيض تماما مما كانوا يتوقعونه.. كانوا يتوقعون منه الخضوع.. فإذا به يتحداهم ويعلن أنه سيحصل علي السلاح من أي مكان.. ثم ثبت لهم أنه لم يكن يهدد.. بل كان قد نفذ فعلا اتفاقه مع الاتحاد السوفيتي