الرجل البدين
http://www.banor.net/forum/showthread.php?t=2741

أجلس الآن قرب سجائري وقهوتي مع صديقتي ريتا، وأنا أحدثها عن ذلك، وهذا ما أخبرتها به. كان الوقت متأخراً من يوم أربعاء بطيء عندما أجلس (هيرب) الرجل البدين في موضعي كان أسمن رجل رأيته حتى الآن، وإن كان أنيق المظهر وحسن الهندام بما فيه الكفاية. كان كل شيء فيه كبيراً، ولكن ما أتذكره جيداً هو أصابعه، طويلة، ثخينة، أصابع لدنة.‏

كان عليّ الاعتناء بالمناضد الأخرى، مجموعة من أربعة رجال أعمال، متطلبين جداً، ومجموعة أخرى من أربعة أشخاص، ثلاثة رجال وامرأة، وهذان الزوجان العجوزان، وصبَّ (ليندر) الماء للرجل البدين، وأعطيت الرجل الوقت الكافي ليقرر ما سيطلبه.‏

قلت: مساء الخير. هل أستطيع أن أخدمك؟‏

كان ضخماً يا ريتا، وأعني ضخماً حقاً.‏

قال: مساء الخير. مرحباً، نعم، أعتقد أني جاهز لأطلب الطعام الآن.‏

كانت له طريقة الكلام هذه. أنتِ تعرفين. وكان يصدر صوت نفخ بين الحين والآخر.‏

-أعتقد أننا سنبدأ بسلطة القيصر، ثم بإناء من الحساء وخبز إضافي مع الزبد، إذا سمحت، يخنة لحم العجل، كما أعتقد.‏

ثم قال:‏

-وبطاطا مشوية بالكريمة الحامضة، ثم سنرى بخصوص الحلويات لاحقاً، أشكرك جداً. قال ذلك وسلمّني قائمة الطعام. أسرعت إلى المطبخ، وطلبت من (رودي) أن يجهّز الطلب، والذي استقبل ذلك بتجهم أنت تعرفين (رودي). إنه يكون هكذا حين يعمل وما إن خرجت من المطبخ قالت لي (مارجو) -أنتِ تعرفين (مارجو) تلك التي تلاحق (رودي).‏

-من هو صديقك، البدين هذا؟ إنه بدين حقاً. لأن هذا جانب من الأمر. أعتقد أنه جزء من الأمر حقاً.‏

وضعت (سلطة القيصر) على منضدته، وهو يراقب كل حركة مني. أثناء ذلك كان يقوم بمد الزبدة على الخبز ويضعها جانباً، ويصدر الصوت النافخ طوال الوقت. على أية حال، كنت متكيّفة مع الأمر، وشيء من هذا القبيل، ودلقت كأس الماء خاصته.‏

قلت: أنا آسفة، إن ذلك يحدث دائماً حين يكون المرء على عجلة. أنا آسفة جداً هل أنت على ما يرام؟ سأجعل الصبي ينظف ذلك في الحال.‏

قال: لم يحدث شيء كل شيء على ما يرام، ونَفخَ، لا تقلقي بشأن ذلك، فنحن لا نهتم -وابتسم ملّوحاً- ما إن ذهبت لأنادي ليندر، وعندما عدت لكي أقدم السلطة، لاحظت أن الرجل البدين قد أكل كل الخبز والزبدة، وكان قد أنهى سلطته عندما جئت بمزيد من الخبز بعد قليل، وأنتِ تعرفين حجم إناء (سلطة القيصر) تلك.‏

قال: أنت لطيفة جداً، فهذا الخبز شهي جداً.‏

قلت: أشكرك.‏

قال: حسناً، إنه جيد جداً، ونحن نقصد ذلك حقاً، نحن لا نستمتع بخبز كهذا دائماً.‏

وسألته: من أين أنت؟ لا أعتقد أني رأيتك سابقاً.‏

فليس هو بالرجل الذي يمكنك أن تنسينه بسهولة، وضحكت (ريتا) ضحكة صغيرة مكبوتة.‏

قال: من دنفر‏

لم أقل شيئاً آخر عن الموضوع كي لا يظن أني فضولية.‏

قلت: سيكون الحساء جاهزاً خلال بضع دقائق يا سيدي.‏

وذهبت إلى مجموعتي الرباعية من رجال الأعمال المتطلبين جداً. وحين قدمت حساءه لاحظت أن الخبز قد اختفى مجدداً، وكان يضع آخر قطعة من الخبز في فمه.‏

قال: صدقيني. نحن لا نأكل هكذا طوال الوقت. قال ذلك ونفخ، قال: عليك أن تعذرينا‏

قلت: لا تفكر في ذلك مطلقاً. أفضّل رؤية رجل يأكل ويستمتع بالأكل.‏

قال: لا أعرف. ماذا يمكن أن تسمي ذلك، ونفخ، وعدّل من وضع منديل المائدة، ثم التقط ملعقته.‏

قال (ليندر): يا الله، إنه بدين‏

قلت: إن الأمر ليس بيده لذلك فعليك أن تصمت.‏

ووضعت سلة خبز ومزيداً من الزبدة. قلت: كيف وجدتَ الحساء؟‏

قال: أشكرك. كان جيداً، جيداً جداً، ومسحَ شفتيه وذقنه، هل تظنين أن الجو دافئ أم أني أشعر بالدفء فقط؟‏

قلت: كلا إنها دافئة هنا.‏

قال: ربما سنخلع معطفنا.‏

قلت: تفضل واخلعه. إن المرء يجب أن يكون مرتاحاً.‏

قال: ذلك صحيح. صحيح جداً جداً.‏

ولكني رأيت بعد فترة قليلة أنه ما زال مرتدياً معطفه.‏

ذهبت المجموعات الكبيرة الآن والزوجان العجوزان، وأصبح المكان خالياً، وأثناء تقديمي يخنة لحم العجل والبطاطا المشوية مع الخبز والزبدة الإضافية، وبقي لوحده في المطعم.‏

وسكبت كثيراً من الكريمة الحامضة فوق بطاطته، ونشرت لحم الخنزير المملّح والثوم فوق الكريمة الحامضة، وجلبت له مزيداً من الخبز والزبدة.‏

قلت: هل كل شيء ما يرام؟‏

قال: جيد، ونفخ، ممتاز، شكراً لكِ، ونفخَ مجدداً.‏

قلت: استمتع بغدائك، ورفعتُ إناء السكّر ونظرت داخله، واستمر ينظر إليّ حتى ذهبت مبتعدة.‏

كنت أعرف أني أسعى وراء شيء ما، لكني لا أعرف ما هو.‏

قالت (هارييت): كيف يبلي وعاء الأحشاء العجوز؟ إنه سيجعل رجليك تبليان أنتِ تعرفين (هارييت).‏

قلت للرجل البدين: بالنسبة للحلوّيات فلدينا (كرين لانتيرناستل) التي تتكون من فطيرة (البادنغ) مع الصلصة، أو فطيرة الجبن، أو كريمة الفانيلا المثلجة، أو عصير تفاحة الصنوبر.‏

قال: إننا لا نؤخرك. أليس كذلك، نافخاً، وقد بدا قلقاً.‏

قلت: لا. أبداً، بالطبع لا. خذ ما يكفيك من الوقت، وسأجلب لك المزيد من القهوة أثناء قيامك بالاختيار.‏

قال: سنكون صادقين معكِ، وتحرّك في كرسيه، سنختار (كَرين لانتون اسبتسل) وبإمكاننا أن نتناول صحناً من كريمة الفانيلا المثلجة. كذلك مع قليل من شراب الشوكولاتة. إذا سمحت. لقد قلتُ لكِ بأننا نشعر بالجوع.‏

ذهبت إلى المطبخ لتهيئة الحلويات التي طلبتها بنفسي، وقال (رودي)، و(هاريت): لديك زبون بدين من السيرك هناك، أليس كذلك؟ وكان برودي قد خلع مئزره حينذاك، وأنت تعرفين ما أعنيه.‏

قلت: هل هو بدين يا (رودي)؟ ولكن لم تكن تلك القصة بأكملها. ضحك (رودي) فقط.‏

وقال: لا بد أن يحب حلواها على جسدها البدين.‏

قالت (جوان): من الأفضل أن تخرس يا (رودي) وكانت قد دخلت المطبخ في تلك اللحظة.‏

قال رودي لجوان: لقد بدأت أشعر بالغيرة.‏

وضعت حلوى (الكرين لانتون سبتسل) أمام الرجل البدين وإناءً كبيراً من كريمة الفانيلا المثلجة مع شراب الشوكولاته جانباً.‏

قال: شكراً لكِ.‏

قلت: على الرحب والسعةِ، وغمرني شعور ما.‏

قال: صدقي أو لا تصدقي، إننا لا نأكل هكذا دائماً.‏

قلت: أنا آكل وآكل ولا يزداد وزني، وأنا أرغب في زيادة وزني.‏

قال: لا. لو كان الخيار بيدنا، فلا، ولكن لا خيار لدينا، ثم التقط ملعقته وأكل.‏

قالت (ريتا): وماذا أيضاً.؟ وهي تسحب واحدة من سجائري وتشعلها، ساحبة كرسيها قريباً من المنضدة. لقد بدأت القصة تبدو مسلية.‏

هذا هو كل ما في الأمر. لا شيء آخر. أكل حلواه، ثم ذهب، وذهبنا إلى البيت أنا ورودي.‏

قال (رودي): يا له من بدين. متمدداً كما يفعل عندما يشعر بالنعاس، ثم إنه ضحك وعاد لمشاهدة التلفزيون.‏

وضعت الماء على النار لصنع الشاي وأخذت حمّاماً. وضعت يدي على خصري وتساءلت، ماذا سيحدث لو أن لي أطفالاً وتحول أحدهم ليصبح مثل هذا الرجل بديناً.‏

صببت الماء في الإبريق، وهيأت الأكواب وإناء السكر، وكانت علبة السكر نصف ممتلئة. أخذت الصينية إلى (رودي) وقال (رودي) كما لو أنه كان ينتظرها. قال رودي:‏

لقد عرفت مرة شخصاً بديناً، شخصين بدينين، شخصين بدينين حقاً حين كنت صبياً. كانا إناءين كبيرين. يا إلهي، لا أتذكر اسميهما. (فات) كان الاسم الوحيد لأحدهما كنا نسميه (فات) الصبي الذي يسكن إلى جوارنا. كان جاري، والصبي الثاني جاء بعد ذلك وكان اسمه (وبلي) كان الجميع ينادونه (وبلي) ما عدا المعلمين (وبلي وفات) قال (رودي): أتمنى لو أني أمتلك صورتيهما.‏

لم أفكر بشيء لأقوله، لذا فقد شربنا شاينا وبعد فترة قصيرة ذهبت إلى الفراش، ونهض (رودي) أيضاً، وأطفأ التلفزيون، وأقفل الباب الأمامي وبدأ يخلع ثيابه. دخلت الفراش وتحركت إلى حافته، وتمددت هناك على بطني، ومباشرة وبعد أن أطفأ الضوء ودخل الفراش، انقلبت على ظهري واسترخيت قليلاً، وشعرت فجأة بأني بدينة. شعرت بأني بدينة بشكل مرعب. بدينة جداً، حتى أن (رودي) أصبح شيئاً نحيلاً، وبالكاد كنت أشعر به.‏

قالت ( ريتا): إنها قصة مضحكة، ولكني كنت أرى أنها لا تستطيع أن تفهم شيئاً منها شعرت بالكآبة، ولكني لم أرغب بمواصلة الحديث معها، فلقد أخبرتها الكثير جداً حتى الآن.‏

جلست تنتظر هناك، وأصابعها الرقيقة ترتب شعرها.‏

تنتظرين ماذا؟ أريد أن أعرف.‏

إنه شهر آب.‏

إن حياتي ستتغير. أنا أشعر بذلك.

الكاتب: ريموند كارفر