ابن عثيمين و آل البيت ... ( اللهم صلي على محمد و آل محمد ) مفهوم جديد:
اختلف العلماء في تحديد آل النبي صلي الله عليه وسلم علي أربعة أقوال :
القول الأول : أن آل النبي صلي الله عليه سلم : هم الذين حرمت عليهم الصدقة .
وقد نص على ذلك أبو حنيفة ، والشافعي وأحمد وبعض المالكية .
القول الثاني : أن آل النبي صلي الله عليه وسلم هم ذريته وأزواجه خاصة
حكاه ابن عبدا لبر في التمهيد ، وبه قال ابن العربي، وعند الإمام أحمد روايتان ، والصحيح دخول زوجاته في أهل بيته، واختارها شيخ الإسلام ابن تيمية.
القول الثالث : أن آله صلي الله عليه وسلم أتباعه إلى يوم القيامة
روى ذلك البيهقي عن جابر بن عبد الله كما روي عن سفيان الثوري.
وبه قال الشافعية وأختاره الأزهرى، ونص عليه السفارينى في لوامع الأنوار، ورجحه النووي كما في شرح صحيح مسلم ، والمرداوي في الأنصاف وقال : هو علي الصحيح من المذهب وأختاره القاضي وغيره من الأصحاب.
القول الرابع : أن آله صلي الله عليه وسلم هم الأتقياء من أمته
حكاه القاضي حسين والراغب وغيرهم.
أدلة القول الأول :
1- ما رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : (( كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يؤتى بالنخل عند صرامه فيجيء هذا بتمره وهذا بتمره حتى يصير عنده كوم من تمر فجعل الحسن والحسين يلعبان بذلك التمر ، فأخذ أحدهما تمرة فجعلها في فيه ، فنظر إليه رسول الله صلي الله عليه وسلم فأخرجها من فيه فقال : أعلمت أن آل محمد لا يأكلون الصدقة )) .
وفي روايه عند مسلم من حديث شعبه عن محمد بن زياد أنه سمع أبا هريرة يقول : أخذ الحسن بن علي تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: كخ كخ إرم بها أما علمت أنا لا تحل لنا الصدقة )) .
2- ما رواه مسلم في صحيحه عن زيد بن أرقم قال : (( قام رسول الله صلي الله عليه وسلم يوماً خطيباً فينا بماء يدعى خماًَ بين مكة والمدينة ، فحمد الله وأثنى عليه وذكر ووعظ ثم قال : أما بعد ألا أيها الناس إنما أنا بشر يوشك أن يأتينى رسول ربي عز وجل و إنى تارك فيكم ثقلين أو لهما كتاب الله عز وجل فيه هدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به فحث علي كتاب الله ورغب فيه وقال : ذكركم الله في أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي ، أذكر الله في أهل بيتي . فقال حصين: ومن أهل بيته يـا زيد ؟ أليس نساؤه من أهل بيته ؟ قال: نساؤه من أهل بيته ، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده ، قال : ومن هم : هم آل علي ، وآل عقيل ، وآل جعفر، وآل عباس قال كل هؤلاء حرم الصدقة ؟ قال : نعم .
3- ما في الصحيحين من حديث الزهري عن عروة ، عن عائشة رضي الله عنها : (( أن فاطمة رضي الله عنها أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من النبي صلي الله عليه وسلم . فقال : أبو بكر رضي الله عنه : إن رسول الله صلي عليه وسلم قال : ((لا نورث ما تركنا صدقة إنما يأكل آل محمد من هذا المال . بعني مال الله . ليس لهم أن يزيدوا علي المأكل )) .
4- ما رواه مسلم من حديث ابن شهاب ، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل الهاشمي (( أن عبد المطلب والعباس بن عبد المطلب رضي الله عنهما قالا لعبد المطلب بن ربيعة والفضل بن العباس رضي الله عنهما ائتيا رسول الله صلي الله عليه وسلم فقولا له استعملنا يا رسول الله علي الصدقات – فذكر الحديث – وفيه فقال لنا : (( إن هذه الصدقات إنما هي أوساخ الناس وأنها لا تحل لمحمد ولآل محمد )) . قال الحليمي : ومعلوم إن صدقات المسلمين موضوعة منهم غير مخرجة إلي غير أهل دينهم فبان أنه أراد بالآل قربته خاصة .
5- ما رواه مسلم أيضاً من حديث عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها (( أن النبي صلي الله عليه وسلم أمر بكبش أقرن يطأ في سواد – فذكر الحديث – وقال فيه فأخذ النبي صلي الله عليه وسلم الكبش ، فأضجعه ، ثم ذبحه ثم قال : بسم الله اللهم تقبل من محمد ومن آل محمد ومن أمة محمد ، ثم ضحى وحقيقة العطف المغايرة وأمته صلي الله عليه وسلم أعم من آله . وقال أصحاب هذا القول : أن تفسير الآل بكلام النبي صلي الله عليه وسلم أولى من تفسيره بكلام غيره.
أدلة القول الثاني : وهو أن آله صلي الله عليه وسلم ذريته وأزواجه :
1- ما جاء في الصحيحين من حديث حميد الساعدي : أنهم قالوا لرسول الله صلي الله عليه وسلم كيف نصلي عليك ؟ فقال : (( قولوا الهم صل علي محمد وأزواجه وذريته ، كما صليت علي إبراهيم ، وبارك علي محمد وأزواجه وذريته ، كما باركت إبراهيم إنك حميد مجيد )) .
فقالوا : إن هذا الحديث يفسر حديث (( الهم صل علي محمد وعلي آل محمد )) ويبن أن آل محمد هم أزواجه وذريته .
2- ما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : (( اللهم اجعل رزق آل محمد قوتاً )) .
(( ومعلوم أن هذه الدعوة المستجابة لم تنل كل بني هاشم ولا بني المطلب ،لأنه كان فيهم الأغنياء وأصحاب الجدة والى الآن ، وأما أزواجه وذريته صلي الله عليه وسلم فكان رزقهم قوتاً ، وما كان يحصل لأزواجه بعد من الأموال كن يتصدقن به ويجعلن رزقهن قوتاً )) .
3- ما رواه البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت ((شبع آل محمد صلي الله عليه وسلم من خبز ومأدوم ثلاثة أيام حتى لحق بالله عز وجل )) .
ومعلوم أن العباس وأولاده وبني المطلب لم يدخلوا في لفظ عائشة ولا مرادها .
4- ومما يدل علي أن آل صلي الله عليه وسلم زوجاته وذريته قوله تعالي : { إنما يرد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً } لأن ما قبل الآية وبعدها في الزوجات فأشعر ذلك بارادتهم وأشعر تذكير المخاطبين بها بارادة غيرهن. فدخلن في أهل البيت ، فلا يجوز أخراجهن من شيء منه قال البيهقي : وإنما قال عنكم بلفظ الذكور لأنه أراد دخول غيرهن معهن في ذلك ثم أضاف البيوت اليهن فقال : (( واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة )) .
وقال الزمخشري : أهل البيت نصب علي النداء أو علي المدح وفي هذا دليل بين نساء النبي صلي الله عليه وسلم من أهل بيته .
وقال ابن كثير عند تفسير هذه الآية أنها نص في دخول أزواج النبي صلي الله عليه وسلم في أهل البيت هنا لأنهن سبب نزول هذه الآية وسبب النزول داخل فيه قولاً واحد إما وحده علي قول أو مع غيره علي الصحيح ... إلى أن قال (( ثم الذي لا يشك من تدبر القرآن أن نساء النبي صلي الله عليه وسلم داخلات في قوله تعالي : { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً } فإن سياق الكلام معهن .
أدلة القول الثالث : القائلين أن آل النبي صلي الله عليه وسلم أمته وأتباعه إلي يوم القيامة .
1- قوله تعالى : { أدخلوا آل فرعون أشد العذاب } والمراد جميع أتباعه . ومن قوله تعالي : { إلا آل لوط نجيناهم بسحر } فالمراد به أتباعه المؤمنون به من أقاربه وغيرهم .
وذلك إن آل المعظم أتباعه علي دينه وأمره قريبهم وبعيدهم وأن اشتقاق هذه اللفظة تدل عليه فإن من آل يؤول إذا رجع ، ومرجع الاتباع إلي متبوعهم لأنه إمامهم وموئلهم كما نص علي ذلك أهل اللغة .
2- بما جاء في حديث أن واثلة بن الأسقع روى أن النبي صلي الله عليه وسلم دعا حسناً وحسيناً ، فأجلس كل واحد منهما علي فخذه ، وأدنى فاطمة رضي الله عنها من حجره وزجها ، ثم لف عليهم ثوبه ، ثم قال : (( اللهم هؤلاء أهلي )) ، قال وثلة : فقلت يا رسول الله ، وأنا من أهلك ؟ فقال : وأنت من أهلي )) .
قال البيهقي : هذا إسناد صحيح . ومعلوم أن واثلة من بني ليث بن بكر بن عبد مناة ، فهو من أتباع النبي صلي الله عليه وسلم .
أدلة القول الرابع : القائلين بأن آله صلي الله عليه وسلم الأتقياء من أمته .
1- بما رواه الطبراني من حديث نوح بن مريم عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن أنس بن مالك قال : سئل رسول الله صلي الله عليه وسلم ، من آل محمد؟ فقال : كل تقي ، وتلا النبي صلي الله عليه وسلم { إن أولياؤه إلا المتقون } .
قال الطبراني : لم يروه عن يحيى إلا نوح تفرد به نعيم.
2- واستدلوا أيضاً بحديث وثلة بن الأسقع المتقدم وقالوا : وتخصيص وثلة أقرب من تعميم الأمة به ، وكأنه جعل وثلة في حكم الأهل تشبيهاً بمن يستحق هذا الاسم .
3- قال البيهقي : ويحتج لهم بقوله تعالي لنوح صلي الله عليه وسلم { احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك } و { فقال رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح } فأخرجه بالشرك عن أن يكون من أهل نوح.
فعلم أن آل الرسول صلي الله عليه وسلم أتباعه .
يتبع في الرد التالي ....