إن أشرف ما يُمكن أن يشتغل به المرء في عمره الطويل هو خدمة هذا الدين والاهتمام بأمر دعوة الإسلام ونشرها وتبليغها، والابتكار في وسائلها وطرقها محتسبًا ذلك العمل الجليل عند الله- عز وجل-، وليس بغائب عن أحدنا الدور الفاعل، الذي يمكن أن يقوم به الإعلام في هذا المجال، فما زال هو الذراع الطويلة والمؤثر الأول في حياة البشر.

ولعل من أهم سُبل نشر الدعوة الإسلامية الخالدة، والدفاع عنها في هذا العصر هو استخدام أسلحة الاتصال العصرية والمستحدثات التكنولوجية والإعلامية، وعلى رأسها تقنية الإنترنت، وذلك للإمكانات الهائلة لهذه الوسيلة في الاتصال، فعن طريقها تستطيع أخي الداعية الذود عن الإسلام ضد الاتجاهات الرخيصة والسوداء التي تتسم بالقوة والفاعلية أحيانًا والنظيم والتأثير أحيانًا أخرى، ولهذا لابد من طرق هذه الأبواب، وفي رسول الله أسوة حسنة، الذي استخدم الوسائل في الدعوة منذ السنوات الأولى البعثية مثل، الخطاب، والإشارة باليد والأصابع والعِصِي، كما استخدم الرسم على الأرض، فها هو- صلى الله عليه وسلم- يستخدم التخطيط والرسم على الرمال ليبين لأصحابه الصراط المستقيم الذي أمرنا الله تعالى بالسير عليه، والسبل التي نهاها الله عز وجل بالسير فيها، حتى لا نضل ولا نفترق.

يشرح لأصحابه ذلك مستخدمًا الوسائل المتاحة في ذلك الوقت، ويتضح ذلك من حديث ابن مسعود- رضي الله عنه- إذ يقول: "خط رسول الله- صلى الله عليه وسلم- خطًا بيده ثم قال: "هذا سبيل الله مُستقيمًا" ثم خط عن يمينه وشماله، ثم قال: "هذه السبل ليس سبيل منها إلا عليه شيطان يدعو إليه"، ثم قرأ قوله تعالى ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ﴾ (الأنعام:153) فهنا نرى كيف وظَّف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الوسائل المتاحة في عصره، فها هو يُبين صراط الله المستقيم راسمًا خطًا مستقيمًا على الرمال، ثم يبين السبل الشيطانية، مُشيرًا إليها بالخطوط المتعارضة، ثم ينهي هذا الدرس التعليمي بقراءة الآية الكريمة محل التفسير والتعليم، ضاربًا بذلك أعظم الأمثلة الإعلامية في الاستخدام الأمثل للوسائل التعليمية من أجل توصيل الرسالة الإعلامية عن طريق استثارة الحواس جميعها (سمعًا وبصرًا وأداءً ووجدانًا) في أعظم موقف تعليمي، وأفضل توظيف إعلامي على الإطلاق.

وتارةً تجده يستخدم الإشارة فيقول- صلى الله عليه وسلم- فيما رواه سهل بن سعد الساعدي- رضي الله عنه-: "بعثْتُ أنا والساعة كهاتين"، ويقرن بين أصبعيه السبابة والوسطى، مشيرًا إلى قُرب قيامها.

وتارةً أخرى يستخدم الحقيقيات كوسائل إعلامية تعليمية بالغة التأثير، فيروي لنا جابر بن عبدالله- رضي الله عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- "مر بالسوق والناس كنفتيه (أي جانبيه) فمر بجدي أسك ميت، فتناوله فأخذ بأذنه ثم قال: أيكم يحب أن يكون له هذا بدرهم؟ فقالوا: ما نحب أن يكون لنا بشيء، وما نصنع به؟ قال: أتحبون أنه لكم؟ قالوا: والله لو كان حيًا كان عيبًا فيه؛ لأنه أسك، فكيف وهو ميت؟ فيقول- صلى الله عليه وسلم- مبينًا الحكمة من استخدام هذه الوسيلة: "فوالله للدنيا أهون على الله من هذا عليكم"(أخرجه البخاري).

فهذه الوسيلة يمر الناس عليها كثيرًا، ولكن النبي- صلى الله عليه وسلم- أراد أن يستخدمها كأداة إعلامية مؤثرة لتوضيح قيمة الدنيا التي يتكالب عليها الناس، والمدهش أنه- صلى الله عليه وسلم- يقوم بذلك في مشهد رائع لا يمحى من الذهن أبدًا، وفي هذا- أخي المؤمن- بالغ الأثر في التعليم، وثبات الأوامر والتعاليم المهمة في الذهن، وهذا هو دور الإعلام إذا ما أحسن التوظيف وتأسيسًا على ما سبق نرى أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان سباقًا في استخدام الوسائل المعينة في الإعلام والتعليم، ولو كان في عصره غير ذلك من وسائل الاتصال لوظفها- صلى الله عليه وسلم-، ولو وجدت الحاسبات وشبكة الإنترنت لاستخدمها- صلى الله عليه وسلم- في نشر دعوته، والبلوغ بها إلى الآفاق.

ولهذا- أخي الداعية- لابد من الاقتداء بالمعلم النوراني "محمد"- صلى الله عليه وسلم-، وحتى يتم ذلك فلابد أن تكون على دراية بأمور مهمة، أسردها لك تحت جملة هل تعلم الاستفهامية.

هل تعلم أن المذاهب الهدامة والأديان الباطلة، حتى البوذيين والوثنيين وعبدة الشيطان، لهم مئات المواقع بلغات العالم الميتة والحية؟

هل تعلم: أن اللغة الصينية، وهي لغة أكثر من مليار من البشر، لا يوجد لأهل السنة والجماعة بها إلا موقعان فقط، بجهود فردية ضعيفة، وإمكانات بدائية قديمة، تجعل الفائدة منها محدودة؟

هل تعلم: أن عدد المواقع التي تُهاجم الإسلام سواء بطريق مباشر أو غير مباشر تتعدى العشرة آلاف موقع على شبكة الإنترنت؟

هل تعلم: أن الميزانية المرصودة لمهاجمة الإسلام إعلاميًا في جميع أنحاء العالم تتعدى المليار دولار سنويًا؟

هل تعلم: أن الجهود المسلمة المبذولة للدفاع عن الإسلام إعلاميًا هي جهود قليلة فردية، لا تتعدى ميزانيتها المليون دولار من مسلمي العالم الذين يتعدى عددهم المليار مسلم؟

هل تعلم أن: عدد المواقع الإسلامية على شبكة الإنترنت محدودة (وأقصد بها المواقع التي تخدم الدين الإسلامي ودعوته مباشرة)؟

أفكار لتفعيل شبكة الإنترنت دعويًا:

كلنا الآن على دراية بالواقع المحموم للثورة المعلوماتية، والتي تنطلق من هذه الشبكة العنكبوتية التي تعد بحق معجزة هذا الزمان، وأملاً في مشاركتك أخي الكريم الدعوة عبر الإنترنت، إليك هذه الوسائل والأفكار:

1- عقد الملتقيات الدعوية والندوات حول مواضيع واهتمامات الدعوة عبر شبكة الإنترنت وتبادل وجهات النظر حول العمل الدعوي، وهو متاح الآن بالصوت والصورة عن طريق ساحات الحوار الألكترونية على الشبكة، وهي ما تعرف بالـ Discussions.

2- الاستفادة من تقوية برامجنا الدعوية وأطروحاتنا من الأبحاث الإحصائية المتوفرة في الإنترنت، مما يُعطي تصوراتنا ومواقفنا قوة وثقلاً في الإقناع، والتأثير ويقوي من قدراتنا مع التحاور مع الآخر، والوصول به إلى مرحلة الاستواء النفسي التي يستطيع أن يحدد فيها اتجاهه الصحيح.. هل يكون مع الإسلام أم ضده؟

3- تلافي سلبية العمل في المواقع الإسلامية المكسوة بالطابع الفردي والمنحى الاجتهادي، بالروح الجماعية المتكاتفة، وممارسة أحدث أساليب الترويج للمواقع الإسلامية، وما تحمله من أفكار وخدمات دعوية مخلصة، وذلك عن طريق خدمة البريد الألكتروني، والإعلانات المتحركة، والروابط المميزة، وما أسهل هذه الأمور الآن، فتستطيع أخي الحبيب أن تبحث عن مقاصد الخير في الشبكة، وترسلها إلى أحبابك وإخوانك، وتذكرهم في رسالتك هذه بضرورة إرسالها إلى أصدقاء وإخوان آخرين، من أجل نيل الثواب، والفضل من الله- عز وجل-؛ انطلاقًا من المبدأ الإسلامي "الدال على الخير كفاعله".

4- نقل ما يمكن من الدروس العلمية والمحاضرات المباشرة وتوفيرها في الإنترنت، وهذا أمر مهم للغاية، وتوجد الآن مواقع كثيرة- لا تتناسب مع إمكانات الأمة وعددها- تستقبل هذه الجهود، وتتولى إعدادها إليكترونيًا ومن ثم نشرها على صفحاتها سواء كان هذا الجهد مقروءًا أو مسموعًا أو مرئيًا.

5- الإعلان للناس عن الأنشطة الدعوية مثل: "الدروس- المحاضرات- الكلمات- الدورات- الخطب" سواء أكان الإعلان عن مكانها أو زمانها من أجل أن يحضرها الناس بأنفسهم، أو كان ذلك بنشر محتوياتها، والإعلان عن هذه المحتويات حتى لا يفوتهم خير قط.

6- زيادة المواقع المتخصصة حتى يمكن أن تصل بالتنافس إلى الإبداع، ويسهل الرجوع إليها


الاهتمام بتعليم الكمبيوتر منذ الصغر
في أي وقت، فنريد مواقع متخصصة في الشباب، وأخرى في المشكلات الاجتماعية، والاقتصادية، وفي الشخصيات الإسلامية، وسماحة الإسلام، والحضارة الإسلامية..إلخ، على أن تكون هذه الزيادة زيادة كمية من جهة، وكيفية من جهة أخرى؛ لأننا لن نستفيد من المواقع بعددها فقط بل من نوعية ما تقدمه، ومدى فائدته للآخرين، فلا نريدها غثاء كغثاء السيل، ولكن نريد مواقع هادفة وموجهة، فيوجه بعضها إلى الشباب المسلم ويوجه بعضها الآخر إلى الشابات المسلمات، وبعضها الثالث إلى غير المسلمين من شباب وشابات، وشيوخ رجالاً كانوا أو نساء، والأهم من ذلك هو قيام دراسات متخصصة في سيكولوجية الآخر، وأيدولوجيته وفسيولوجيته (أي اتجاهه النفسي وخلفياته الثقافية والفكرية ومراحله العمرية، ونوعيته الجنسية).

7- ينبغي على كل مسلم مستخدم الإنترنت، مهموم بهَمِّ الدعوة، أن يكون له دور في نشر الخير ولا يكون سلبيًا لا يُعطي لدينه شيئًا، ولو بالدلالة على الأفكار الدعوية، وإرسالها للمستخدمين عن طريق أدوات الاتصال المذكورة آنفًا.

8- المساهمة بكتابة مقال شهري مُركز في أي موضوع، وإرساله إلى المنتديات والمواقع المختلفة.

9- قيام الإخوة المتخصصين في مجال الإنترنت بتفعيل دور العلماء والدعاة، وافتتاح مواقع لهم، لتسهيل مهمة الوصول إليهم وإخراجهم لينتفع الناس من علمهم، وتعليمهم كيفية استخدام الإنترنت والحاسب الآلي من أجل القيام بدورهم الأساسي، وهو الذود عن الدين، وتصحيح الاتجاهات الخاطئة نحوه، ومقارعة الفكرة بالفكرة والوسيلة بالوسيلة، والتقنية بمثلها.

10- تقديم البدائل التكنولوجية للمواقع الإسلامية وإخبارهم بالجديد في مجال برامج الإنترنت وعلومها، وتقديم الاستشارات والخبرات العلمية لهم في مجال الحاسب مجانًا، وبدون مقابل؛ لأن المقابل من الله أكبر وأعظم.

11- التعارف عبر المواقع والدلالة على طلاب العلم المغمورين الذين يمكن الاستفادة منهم، وذلك عن طريق ما يُسمى بحُجَر الدردشة التي تعتبر من التطبيقات الرائدة للشبكة وتتميز بكثرة الرواد واستخدامها لساعات طويلة، وفي هذا الصدد تستطيع أخي المسلم استقطاب الكثير من الشباب لدعوتهم وتصحيح معتقداتهم، خاصةً وأن الدلائل تفيد أن هذه التقنية مستخدمة في التنصير والتبشير من قبل المواقع المعادية وبكثرة.

12- إغراق الشبكة بالمواقع التي تعرض الإسلام عرضًا صحيحًا عقيدةً وفقهًا ومنهجًا ودعوة لتضييق المجال على المواقع المنحرفة، خاصةً باللغة الإنجليزية التي هي لغة 80 % من مستخدمي الإنترنت.

13- إعطاء أهمية للملاحظات على المواقع والاستبيانات من قبل المتصفح والجدية في تقديم النصح البنَّاء، والاحتساب فيها، وبذل التضحية.

14- ربط مواقع الجهات الرسمية الإسلامية مع الهيئات والجهات الخيرية بغية تطوير الاتصال فيما بينها، ومحاصرة الفكر المشبوه.

15- إغراق المواقع المشبوهة المعادية للإسلام برسائل الاحتجاج في وقت واحد؛ لأنه لن يتمكن من مجرد استقبالها وقراءتها في وقت واحد، فضلاً عن التعامل معها، مما يضطره إلى إعادة التفكير في المواقع التي يعرضها ضد الإسلام والمسلمين.

16- ضرورة نشر معلومات عن العقائد الباطلة المنحرفة لتحذير الناس منها ولإظهار البراءة منها، والتي هي من أعظم مقتضيات لا إله إلا الله فالذي يبحث عن اليهودية لن تنفرد به المواقع اليهودية، بل سيفاجأ بوجود مواقع إسلامية تتحدث عن اليهودية من وجهة نظرها، وهكذا مع بقية الملل والنحل والمذاهب.

17- الرصد الإعلامي الدقيق لجميع الأنشطة المعادية، وغير المعادية في الموقع وفهرستها، ونشر أسمائها والاستفادة منها، وتيسير الوصول إلى الأفكار المستخدمة فهيا وتوضيحها للعامة من المستخدمين.

18- إنشاء موقع للتنسيق بين الجمعيات الخيرية والجهات والمؤسسات العامة في الحقل الخيري الدعوي من أجل استخدام كل الطاقات، وعدم تكرارها وربما يكون من الضروري وضع خريطة خدمية واضحة لهذه الجهود من أجل تيسير عملية تقويمها وتجديدها.

19- توفير الجهد والوقت بإقامة الدروس والمحاضرات وإدخال جميع مناشط الداعية في الإنترنت، حتي يتخطى الزمان والمكان في إفادة عباد الله احتسابًا عند الله عز وجل.

20- توجيه رسائل شكر وثناء ومدح للمواقع التي تقدم أفكارًا إسلامية وبرامج جادة وخدمات ملموسة للدعوة والدعاة.

21- الاستفادة من الإنترنت في تأصيل فكرة نشر وتعلم العربية بين المسلمين من غير العرب، وافتتاح مواقع لخدمة هذا الغرض الشرعي والمقصد الديني، ولا يكون الصينيون الوثنيون الذين أرغموا شركات الحاسب الآلي على تشفير لغة هندسة الحاسب بالصينية لا يكون أكثر اعتزازًا بلغتهم منا بلغتنا التي هي لغة القرآن، الذي هو كلام الله المنان.

22- إنشاء مواقع خاصة بمتابعة الجديد من الأفكار والمعلومات الأجنبية، وترجمتها إلى العربية، خاصةً الأفكار والوسائل التي تخدم الدعوة إلى الله عز وجل.

وختامًا:

إذا كانت العلوم العصرية تجنح إلى التخصيص الدقيق وتعتبره دليلاً على الإتقان، فأجدر بدعاتنا أن يكونوا أتقن الناس لفنهم، وأكثر الناس استجابةً لما تتطلبه دعوتهم، راجين من الله الكريم أن يبعث الهمة في نفس كل مسلم لتبني هم الدعوة، ووضع لبنات في طريق الدعاة للابتكار والتجديد،، وإزالة الرتابة والأخذ بالتخطيط في دعوتهم؛ إعذارًا إلى الله عز وجل وتوكلاً عليه، ﴿فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ ( آل عمران: 159).

----------------
*نقلاً عن مجلة الرسالة العدد التاسع (رمضان- شوال- ذو القعدة)1424هـ= (نوفمبر- ديسمبر- يناير) 2003/2004م.