11 ديسمبر، 2008
نلقاك في الجنة
كنت جالساً في غرفتي وبابها مفتوح، جاء أحد عبد الستار - أحد الخدم - وهو يناديني فقلت له "خير" فرد علي "ما في خير" عرفت أن أبي قد رحل، لكنهم في ذلك الوقت لم يجدوه، توفي أبي في البحر، في المكان الذي أحبه وكان مصدر رزق له في الماضي، لم يأتي الخبر إلا بعد ساعتين، لم يكن يؤلمني شيء أكثر من منظر أخواتي بعد سماعهن للخبر، كل خارج غرفته نسير بين الغرف لا يدري أحدنا ما يفعل.
لأول مرة أشعر بالقلق والخوف بهذا الشكل، مشاعر مختلطة لم أجربها من قبل، لأول مرة أفقد شخصاً عزيزاً وقريباً، في الغد لن أرى أبي في الصباح جالساً أمام مائدة الأفطار وقد وضع إذاعة القرآن الكريم من أبوظبي في التلفاز ويتحدث مع أمي حول قصص الماضي، لن أسمعه يتلو القرآن مرة أخرى كلما مررت أمام غرفته، صوته جميل وقد كنت أحب الصلاة خلفه عندما كان يأم الناس في مسجد قريب.
قبل عام بنى أبي مسجداً في الهند وكان حريصاً على أن يكون للإمام مصدر دخل فوضع مبلغاً لزراعة أرض يعود ريعها لأمام فلا يحتاج لأن يمد يده للآخرين، ثم شرع في بناء مسجد آخر سيكتمل قريباً وأتمنى أن أذهب لزيارة المسجد عند افتتاحه.
كان أبي يأمرنا بالصلاة كل يوم، أتذكر أنه سمع تفسير آية "وكان يأمر أهله بالصلاة" من الشيخ الشعراوي فشدد أكثر على موضوع الصلاة وكان يغضب بشدة إن عرف أن أحدنا لم يذهب إلى المسجد، حتى بعد أن صرنا كباراً كان يناقشنا في امور الصلاة ليتأكد أننا نصلي بشكل صحيح.
اليوم صلينا عليه بعد صلاة الظهر، وجاء جمع من الناس يصلون ويعزون، كما أنا مخطأ في عزل نفسي عن الناس، كل خوف وقلق وحزن ذهب مع كل سلام ودعاء أسمعه من أناس أعرفهم ولا أعرف بعضهم، لأول مرة أشعر بالأمان منذ أن سمعت بالخبر، أخي مبارك صلى بنا صلاة الميت ثم حمل الناس أبي على كتوفهم وساروا مرددين "لا إله إلا الله" سرت معهم وأنا لا أشعر بما حولي، يبدو لي الأمر غير حقيقي، أهذا أبي الذي كان يحدثني بالأمس ويضحك؟ ذهبنا إلى مقبرة البطين ودفن أبي هناك أمامي، تسابق الناس لدفنه وأنا أنظر، ثم عادوا للسلام والدعاء وأنا لا أعرف كيف أرد عليهم إلا بترديد "جزاكم الله خير" رأيت أناساً لم أرهم منذ وقت طويل، كنت مخطأ في عزل نفسي عن الناس.
عزائنا أننا نعيش في دنيا فانية وأن الملتقى بإذن الله سيكون في الجنة، مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا.
جزاكم الله خيراً على دعائكم في الموضوع السابق، لا تنسوا أبي من دعائكم في صلاتكم.