أتذكر قصة صغيرة ذكرها الشيخ محمد العوضي في أحد برامجه، كان الشيخ يخطب في يوم الجمعة وقال شعراً عن فلسطين، كان شعراً رائعاً قوياً في معانيه، بعد الخطبة حدثه أحد الناس وسأله عن الشاعر الذي كتب هذه الكلمات الرائعة، فكان جواب الشيخ: نزار قباني! هنا انقلب حال السائل من معجب بالشعر إلى ناقم على الشاعر! كيف يستشهد الشيخ بشعر شاعر مثل هذا؟
هذه قصة تتكرر كثيراً في حواراتنا وفي المنتديات وكل مكان، عندما يقول أحدهم شيئاً، تجد البعض يسأل: من القائل؟ كأن الحق أمر يتغير بحسب القائل، فإن جاء من شخص يرضى عنه قبله وإن جاء من من آخر لا يقبله رفض ما يقوله، كأن الحق أمر نسبي يتغير بحسب قائله.
الواقع أن الحق قد يأتي من أي شخص، قد يأتي من الظلمة والطغاة، قد يأتي من الصالح والفاسق، قد تأتي الحكمة من المجانين، قد ينصحك المدخن بألا تدخن، والمدمن بألا تقع في الإدمان، فهل هذا تناقض؟ هل هذا يمنعك من أن تأخذ الحق والحكمة؟
عندما تسمع أي قول أو رأي فاعزل القول عن صاحبه وتفكر في القول، هل هو حق؟ هل هو خير؟ إن كان كذلك فاقبله ولو جاء من أفسق الناس، لا داعي بأن تهاجم صاحب القول وتذكر بأن فيه وفيه من الصفات وبأنه فعل وقال، هذا لا يغير شيئاً، خذ الحق منه واترك كل ما عداه له ولا تستهلك طاقتك في الهجوم عليه، وصفة لو طبقناها في حياتنا لوفرنا على أنفسنا الكثير من الوقت والطاقة المهدرة.
في الماضي كنت أحد هؤلاء الذين لا يستطيعون الفصل بين الشخص والرأي، فكنت أبغض البعض ولا أقبل أي شيء منهم حتى لو كان حقاً، هذا تعصب وحماقة، ما الذي جنيته من رفض الأفكار والآراء من أناس كنت أبغضهم؟ لا شيء سوى حرق الأعصاب وتضييع الوقت.
هذه مشكلة نجدها في منتدياتنا بشكل كبير، لا زال البعض يحارب فلان وكل أفكاره مع أن فلان قال الحق الذي يؤمن به من يهاجمه، لكنه التعصب الذي يعمي عقل وقلب الإنسان عن قبول الحق حتى لو جاء من شخص يبغضه، لا زلت حتى اليوم أجد نفس النقاشات التي كنت أراها قبل ما يزيد عن سبع سنوات، فإلى متى سنظل ندور في هذه الحلقة المفرغة؟ وكيف نخرج منها؟
النقاش مفتوح وأتمنى تفاعل الجميع.