
اليوم في السابع والعشرين من مايو عام 2025، يحتفل WordPress – نظام إدارة المحتوى الأكثر شهرة في العالم – بمرور اثنين وعشرين عاماً على انطلاقته. هذه المناسبة ليست مجرد ذكرى عابرة، بل هي محطة للتأمل في رحلة استثنائية غيرت وجه الويب كما نعرفه.
من بداياته المتواضعة كأداة للتدوين إلى منصة تدير اليوم أكثر من 43% من مواقع الإنترنت، تظل قصة ووردبريس نموذجاً للإبداع التكنولوجي وقوة المجتمع المفتوح المصدر.
تعود جذور WordPress إلى عام 2003 عندما قرر الشاب مات مولينوغ بالتعاون مع مايك ليتل تطوير أداة تدوين جديدة انبثقت من مشروع b2/cafelog. لم يكن ذلك سوى بداية متواضعة لمشروع سيصبح لاحقاً ظاهرة عالمية.
بحلول عام 2004، بدأت ملامح النظام تتشكل بشكل أكثر وضوحاً مع إصدار النسخة 1.2 التي قدمت نظام الإضافات، تلاها بعد عام الإصدار 1.5 الذي أضاف دعم القوالب. كانت هذه الخطوات الأولى نحو تحول ووردبريس من مجرد أداة تدوين إلى نظام متكامل لإدارة المحتوى.

شهدت الفترة بين 2008 و2010 قفزات نوعية في تطور النظام. جاء الإصدار 2.7 بلوحة تحكم أعيد تصميمها لتكون أكثر سهولة، لكن التحول الأكبر حدث مع ووردبريس 3.0 في 2010 الذي قدم ميزات غيرت قواعد اللعبة مثل أنواع المقالات المخصصة وإمكانية إنشاء شبكات متعددة المواقع. هذه التطورات وضعت الأسس لما نعرفه اليوم بووردبريس كمنصة شاملة قادرة على إدارة أي نوع من المواقع الإلكترونية.
اليوم، وبعد اثنين وعشرين عاماً من التطور المستمر، تظهر أرقام ووردبريس مدى هيمنته على عالم الويب. فهو يشغل أكثر من 43% من المواقع عالمياً وفقاً لإحصاءات W3Techs، ويضم مستودعه الرسمي أكثر من 60 ألف إضافة مجانية وعشرة آلاف قالب، كما يدعم أكثر من 120 لغة منها العربية. هذه الأرقام المذهلة لم تأت من فراغ، بل هي نتاج رحلة طويلة من التحسينات المستمرة.
من أبرز المحطات في السنوات الأخيرة إطلاق محرر جوتنبرج الثوري في 2018 مع الإصدار 5.0، الذي غير طريقة تحرير المحتوى من النص التقليدي إلى نظام الكتل المرن. كما شهد النظام تحسينات كبيرة في مجال الأمان والأداء، مع ميزات مثل التحديثات التلقائية وتعزيز الحماية ضد الاختراقات. لم يقتصر تطور ووردبريس على ذلك، بل امتد ليشمل دعم تقنيات حديثة مثل أنظمة Headless CMS التي تتيح استخدام ووردبريس كلوحة تحكم مع واجهات مبنية بتقنيات كـ React وVue.js.
WordPress يحتفل بمرور 22 عامًا على تأسيسه

وراء كل هذه الإنجازات يقف مجتمع ضخم من المطورين والمصممين والمستخدمين الذين يشاركون بخبراتهم بشكل تطوعي. هذا المجتمع المفتوح المصدر هو السر الحقيقي وراء صمود ووردبريس وتفوقه على منافسيه التجاريين. ففي الوقت الذي تتوقف فيه العديد من المنصات التجارية عن التطوير أو تزيد من أسعارها، يظل ووردبريس حراً ومجانياً بفضل هذا الجيش من المتطوعين المتحمسين.
لكن الرحلة لم تكن خالية من التحديات. يواجه ووردبريس اليوم منافسة شرسة من منصات متخصصة مثل Webflow في مجال تصميم المواقع وShopify في التجارة الإلكترونية. كما أن مشاكل الأداء في المواقع الكبيرة دون تحسين مناسب، وتعقيد محرر جوتنبرج بالنسبة للمبتدئين، تظل نقاطاً تحتاج إلى تحسين. ومع ذلك، فإن المرونة الهائلة التي يوفرها النظام وقابليته للتوسع تبقى عوامل تفوق يصعب على المنافسين مجاراتها.
بالنظر إلى المستقبل، يبدو أن WordPress مستمر في مسيرة التطوير. تتركز الجهود حالياً على تحسين الأداء من خلال دعم أحدث إصدارات PHP وقواعد البيانات مثل SQLite، كما بدأت ملامح دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي في النظام تظهر بشكل تدريجي. ولا ننسى الجهود المستمرة لتحسين تجربة المستخدم خاصة على الأجهزة المحمولة التي أصبحت الوسيلة الأساسية للكثيرين في إدارة مواقعهم.
احتفالاً بهذه الذكرى، نظم المجتمع العالمي لووردبريس سلسلة من الفعاليات في مختلف المدن، كما أطلق العديد من المطورين إضافات وقوالب مجانية بمناسبة هذه المناسبة. عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تبادل المستخدمون قصصهم وذكرياتهم مع النظام، مؤكدين على الدور الكبير الذي لعبه ووردبريس في تمكينهم من إنشاء وجودهم الرقمي دون الحاجة إلى خبرات برمجية متقدمة.
في النهاية، تظل قصة WordPress استثنائية بكل المقاييس. فهي ليست مجرد قصة نجاح تقني، بل نموذج لما يمكن أن يحققه التعاون المجتمعي في عالم البرمجيات. بعد اثنين وعشرين عاماً، ما زال ووردبريس وفياً لهدفه الأساسي: جعل نشر المحتوى على الإنترنت متاحاً للجميع بغض النظر عن خبراتهم التقنية أو إمكانياتهم المادية. في عالم يتغير بسرعة، يبقى ووردبريس شاهداً على أن القيم الأساسية للإنترنت المفتوح ما زالت قادرة على الصمود والازدهار.
لا يسمح بنقل هذا المحتوى من سوالف دون الاشارة برابط مباشر