لماذا لم يعد عدد المتابعين مهمًا في شبكات التواصل الاجتماعي؟

منذ فجر الانترنت، كان عدد المتابعين هو المعيار الأول للحكم على نجاح أي حساب على شبكات التواصل الاجتماعي، سواء عند الجمهور أو العلامات التجارية. كلما ارتفع الرقم، ارتفعت معه القيمة والتأثير والفرص الإعلانية. لكن هذا المفهوم بدأ يفقد بريقه تدريجيًا، إلى أن وصلنا اليوم إلى مرحلة أصبح فيها عدد المتابعين أقل أهمية من أي وقت مضى داخل اقتصاد صناع المحتوى.
التحول الحالي لا يُعد مجرد تغيير في الأرقام، بل إعادة تعريف كاملة لمعنى التأثير الرقمي، ومن يملك القوة الحقيقية على المنصات.
كيف فقد عدد المتابعين قيمته؟
السبب الرئيسي يعود إلى تغيّر طريقة عمل خوارزميات المنصات. لم تعد المنشورات تُعرض تلقائيًا على جميع المتابعين، بل تمر عبر أنظمة ذكية تقرر من يستحق رؤية المحتوى بناءً على جودة التفاعل، مدة المشاهدة، وسلوك المستخدم نفسه.
بمعنى أوضح، قد يمتلك صانع محتوى آلاف المتابعين دون أن يصل محتواه فعليًا إلا لجزء محدود منهم، بينما قد يحقق حساب صغير انتشارًا واسعًا بسبب تفاعل حقيقي وقوي مع منشور واحد فقط.
الخوارزميات أصبحت اللاعب الأساسي
في السابق، كان المتابع هو الضمان الأساسي للوصول. اليوم، الخوارزمية هي من تقرر.
إذا كان المحتوى مثيرًا للاهتمام، محفزًا للتفاعل، أو يحقق مشاهدة طويلة، فسيتم دفعه إلى جمهور أوسع حتى لو لم يكن هذا الجمهور من المتابعين الأصليين للحساب.
هذا التحول جعل عدد المتابعين رقمًا شكليًا في كثير من الحالات، لا يعكس بالضرورة التأثير الفعلي أو الوصول الحقيقي.
ما الذي أصبح مهمًا بدلًا من عدد المتابعين؟
المعادلة الجديدة تعتمد على عدة عناصر أكثر عمقًا، أهمها جودة التفاعل. الإعجابات وحدها لم تعد كافية، بل يُنظر إلى التعليقات، المشاركات، الحفظ، ومدة التفاعل مع المحتوى. كلما كان التفاعل حقيقيًا وغير آلي، زادت قيمة الحساب.
كذلك أصبح التركيز على بناء علاقة حقيقية مع الجمهور، حتى لو كان محدود العدد، أكثر ربحية وتأثيرًا من امتلاك جمهور ضخم بلا تفاعل فعلي.
هذا الواقع الجديد منح فرصة عادلة لصناع المحتوى الصغار والمتخصصين. لم يعد النجاح حكرًا على الحسابات الضخمة، بل أصبح ممكنًا لأي منشئ يقدم محتوى صادقًا ومفيدًا أن يصل ويؤثر ويحقق دخلًا.
كما شجّع هذا التحول على الابتعاد عن شراء المتابعين أو مطاردة الأرقام الوهمية، والتركيز بدلًا من ذلك على تطوير المحتوى نفسه.
ماذا عن العلامات التجارية؟
العلامات التجارية بدورها بدأت تعيد حساباتها. لم تعد تبحث فقط عن حسابات بأرقام ضخمة، بل عن صناع محتوى قادرين على التأثير الفعلي في قرارات الشراء. أصبحت مؤشرات مثل معدل التفاعل، الثقة، والقدرة على الإقناع أكثر أهمية من الرقم الظاهر أعلى الحساب.
عدد المتابعين لم يختفِ تمامًا، لكنه لم يعد الملك المتوّج كما كان. في عالم تحكمه الخوارزميات والذكاء الاصطناعي، أصبحت القيمة الحقيقية في التأثير الفعلي لا في الرقم الظاهري.
من يفهم هذه القاعدة الجديدة ويتعامل معها بذكاء، سيكون الأقدر على النجاح والاستمرار في اقتصاد المحتوى الحديث.
لا يسمح بنقل هذا المحتوى من سوالف دون الاشارة برابط مباشر





