هل انتهى عصر تقييم الشركات الناشئة في الذكاء الاصطناعي؟

في فترة قصيرة جدًا تحوّل الحديث عن الذكاء الاصطناعي من “تقنية واعدة” إلى سباق عالمي على التمويل والتوسع والهيمنة، ومع هذا التحول بدأت تتشكل ظاهرة أصبحت حديث المستثمرين ورواد الأعمال معًا: قفزات ضخمة في التقييمات قبل أن يرى المستخدمون منتجًا فعليًا على الأرض.
هنا يفرض سؤال نفسه بهدوء لكنه حاد: هل انتهى عصر تقييم الشركات الناشئة في الذكاء الاصطناعي؟ لأن ما يحدث لم يعد مجرد نمو طبيعي لسوق صاعد، بل موجة تقييمات تسبق أحيانًا أي دليل صلب على الإيرادات أو الاستدامة. لهذا السبب أصبح تقييم الشركات الناشئة في الذكاء الاصطناعي عنوانًا لجدل حقيقي، بين من يراه منطق مرحلة مبكرة ومن يراه مؤشّر فقاعة تتضخم بسرعة.
جزء من هذا الجدل اشتعل عندما عبّر قائد بارز في صناعة الذكاء الاصطناعي عن قلقه من أن نموذج التقييم الحالي بدأ “يتكسر”. الفكرة هنا ليست أن الشركات الناشئة لا تستحق الاستثمار، بل أن بعض القفزات في تقييم الشركات الناشئة في الذكاء الاصطناعي أصبحت لا تشبه قواعد الاستثمار المعتادة، خصوصًا عندما تحصل شركات في مراحل مبكرة على تمويلات تضعها في نطاق “عشرات المليارات” بينما لا يزال المنتج في طور التجربة أو لم يصل إلى السوق بعد. هذا التفاوت بين حجم التوقعات وحجم الواقع يجعل السؤال أكثر إلحاحًا: هل انتهى عصر تقييم الشركات الناشئة في الذكاء الاصطناعي أم أننا أمام تصحيح طبيعي سيعيد الأمور إلى توازنها؟
لفهم الصورة يجب النظر إلى ما الذي يدفع تقييم الشركات الناشئة في الذكاء الاصطناعي إلى هذا المستوى. أول عامل هو الخوف من تفويت الفرصة. المستثمرون يرون أن الذكاء الاصطناعي قد يعيد تشكيل قطاعات كاملة من البحث إلى التعليم إلى الصحة إلى الصناعة، وبالتالي يصبح الدخول المبكر ـ مهما كان مكلفًا ـ أفضل من الوقوف في الخارج. ثاني عامل هو أن السوق اليوم لا يقيس الشركات فقط على ما تبيعه الآن، بل على ما يمكن أن تسيطر عليه لاحقًا. وعندما يتضخم هذا المنطق، ترتفع التقييمات بسرعة لأن كل جهة تمويل تريد “موطئ قدم” حتى لو كانت الأرقام الحالية لا تبرر ذلك. هكذا يصبح تقييم الشركات الناشئة في الذكاء الاصطناعي انعكاسًا لرهان على المستقبل أكثر مما هو انعكاس لميزانية واقعية.
هل انتهى عصر تقييم الشركات الناشئة في الذكاء الاصطناعي؟
لكن المشكلة أن الذكاء الاصطناعي مكلف بطبيعته. التدريب، البنية التحتية، شراء القدرة الحاسوبية، توظيف الباحثين، والالتزام بالمعايير والأمان، كلها عناصر تحرق الأموال بسرعة. وهنا يحدث الالتباس: بعض المستثمرين يفسر “الحرق العالي للنقد” على أنه دليل طموح، بينما قد يكون في حالات أخرى دليل هشاشة. إذا لم تتحول هذه المصروفات إلى نموذج إيرادات واضح، يصبح تقييم الشركات الناشئة في الذكاء الاصطناعي أشبه بتوقعات معلّقة في الهواء. وفي عالم المال، التوقعات وحدها لا تكفي طويلًا، لأن السوق في النهاية يطالب بعلامات نضج: عملاء يدفعون، عقود مؤسسية، هامش ربح يتسع، أو مسار واضح لتخفيض تكلفة التشغيل.
الأرقام المتداولة عن تمويل الذكاء الاصطناعي في 2025 تزيد من حساسية هذا النقاش. جزء كبير من التمويل الخاص عالميًا اتجه إلى شركات الذكاء الاصطناعي، وبنسبة لافتة ظهرت جولات ضخمة تتجاوز مئات الملايين وتصل إلى مليارات في الجولة الواحدة. عندما تصبح “الجولة الكبيرة” هي القاعدة لا الاستثناء، فإن تقييم الشركات الناشئة في الذكاء الاصطناعي لا يرتفع فقط لأنه ينجح، بل لأنه يعيش في مناخ تمويلي ضخم يرفع الجميع تلقائيًا. هذه البيئة قد تكون صحية مؤقتًا، لكنها قد تدفع السوق إلى نقطة يصبح فيها أي تباطؤ بسيط كافيًا لإحداث ارتداد قوي في التقييمات.
هناك أيضًا عامل نفسي لا يقل تأثيرًا: المقارنة مع عصور الفقاعات السابقة. حين يرى البعض تشابهًا مع فقاعة الدوت كوم أو حمى العملات الرقمية، لا يعني ذلك أن الذكاء الاصطناعي “وهم”، بل يعني أن المال قد يبالغ في التسعير عندما تتحكم الضجة في القرار. الفرق الحقيقي بين فقاعة تنفجر وتقنية تبقى، هو قدرة الشركات على إثبات قيمتها بعيدًا عن العناوين. لهذا يصبح تقييم الشركات الناشئة في الذكاء الاصطناعي محكًا: هل التقييم مبني على ابتكار يمكن تحويله إلى منتج واسع الانتشار؟ أم مبني على سردية جذابة فقط؟
ومع ذلك، من الظلم اختزال المشهد في كلمة “فقاعة” فقط. هناك شركات ذكاء اصطناعي تمتلك تقنيات قوية وتوزيعًا واسعًا وشراكات تجعل تقييماتها مفهومة حتى لو بدت مرتفعة. النقطة الدقيقة هنا أن تقييم الشركات الناشئة في الذكاء الاصطناعي صار يضم نمطين متباينين: شركات ناضجة نسبيًا لديها قدرة على توليد الإيرادات أو تمتلك بنية تشغيلية صلبة، وشركات أخرى تسبقها التقييمات بمسافات طويلة. ومع اختلاط النمطين في الأخبار، يتشكل انطباع عام بأن السوق كله مبالغ فيه، بينما الواقع أكثر تعقيدًا.
- ربما يهمك: قصة نجاح إيلون ماسك
إذا كنت مستثمرًا أو رائد أعمال، فالسؤال الأهم ليس هل انتهى عصر تقييم الشركات الناشئة في الذكاء الاصطناعي، بل كيف يمكن قراءة التقييم بطريقة أكثر واقعية. هناك إشارات تساعد على التمييز: هل للشركة عملاء حقيقيون يدفعون؟ هل تكلفة تشغيل النموذج تحت السيطرة أم تزداد كلما زاد الاستخدام؟ هل توجد ميزة تنافسية واضحة أم يمكن تقليد الفكرة بسهولة؟ هل الفريق قادر على تحويل البحث العلمي إلى منتج؟ كل هذه أسئلة تعيد تقييم الشركات الناشئة في الذكاء الاصطناعي إلى أرضية قابلة للقياس بدل أن يبقى رهينة للضجيج.
أما عن المستقبل القريب، فالأرجح أننا سنرى “تهذيبًا” لا “انهيارًا” شاملًا. ستظل الأموال تتدفق لأن الذكاء الاصطناعي ليس موضة عابرة، لكن شروط التمويل قد تصبح أكثر صرامة، وقد يطلب المستثمرون دلائل أوضح على الإيرادات، وقد تنخفض التقييمات التي كانت مبنية على وعود بعيدة. وفي المقابل قد ترتفع قيمة الشركات التي تثبت قدرتها على بناء منتجات تُستخدم يوميًا وتحقق مبيعات حقيقية. بهذا المعنى، قد لا يكون السؤال هل انتهى عصر تقييم الشركات الناشئة في الذكاء الاصطناعي، بل هل انتهت مرحلة التقييمات “غير المنضبطة” وبدأت مرحلة التقييمات التي تكافئ التنفيذ الحقيقي؟
الخلاصة أن الجدل حول تقييم الشركات الناشئة في الذكاء الاصطناعي يعكس لحظة انتقالية في الصناعة: بين اندفاع مالي ضخم ورغبة في امتلاك المستقبل، وبين واقع يفرض كلفة تشغيل عالية وحاجة لمنتجات تثبت نفسها سريعًا. قد تتغير الأرقام وتتباطأ بعض الصفقات، لكن الاتجاه العام سيبقى: السوق سيكافئ من يستطيع تحويل الذكاء الاصطناعي من “قصة مثيرة” إلى “قيمة ملموسة”. وحين يحدث ذلك، سنعرف إن كان عصر تقييم الشركات الناشئة في الذكاء الاصطناعي قد انتهى فعلًا، أم أنه فقط أصبح أكثر عقلانية.
لا يسمح بنقل هذا المحتوى من سوالف دون الاشارة برابط مباشر





