تواصل منصة انستجرام، المملوكة لشركة Meta، تعميق هوسها بصيغة الفيديو القصير “الريلز” (Reels)، عبر إطلاق تجربة جديدة تهدف إلى منح هذا النوع من المحتوى هيمنة غير مسبوقة على تجربة المستخدم.
يأتي هذا التوجه في إطار استراتيجية “ميتا” المستمرة لمواجهة المنافسة الشرسة من تطبيق تيك توك، ما يدفع انستجرام لتغيير جوهري في تصميمها ووظائفها الأساسية، حتى لو كان ذلك على حساب طابعها الاجتماعي التقليدي. هذه التجارب ترسخ تحول المنصة من معرض للصور إلى آلة لاستهلاك مقاطع الفيديو القصيرة والممتعة.
في قلب هذه التجربة الجديدة، يظهر تغيير محوري في واجهة المستخدم، حيث يتم منح مساحة أكبر بكثير لـ “الريلز” على حساب المنشورات الثابتة والرسائل المباشرة. يُفهم من التقارير الأولية أن انستجرام تختبر الآن تخطيطًا جديدًا يضع مقاطع الفيديو العمودية في بؤرة الاهتمام، مما يقلل من ظهور الصور ومنشورات الخلاصة التقليدية (Feed Posts) بشكل كبير. هذا يعكس إصراراً على تحويل خلاصات المستخدمين إلى تدفق لا يتوقف من “الريلز”، على غرار ما تفعله تيك توك.
لعل الميزة الأكثر إثارة للجدل والتي تعكس هذا الهوس بالريلز هي ميزة “الريلز التجريبية” (Trial Reels). تهدف هذه الميزة إلى تشجيع صناع المحتوى على التجريب دون خوف من إزعاج متابعيهم الحاليين أو تدمير “علامتهم التجارية”. تسمح الميزة للمبدعين بنشر مقاطع فيديو تجريبية يتم عرضها على غير المتابعين فقط أولاً، للحصول على مقاييس أداء أولية. إذا أثبت “الريل” نجاحه، يمكن للمنشئ حينها نشره لجميع المتابعين.
تمثل “الريلز التجريبية” اعترافاً ضمنياً بأن صناع المحتوى أصبحوا قلقين من النشر المتكرر للمحتوى الذي قد لا ينسجم مع اهتمامات جمهورهم الأساسي، خوفاً من انخفاض التفاعل أو فقدان المتابعين. وبمنحهم “جدار حماية” لاختبار الأفكار الجديدة، تضمن انستجرام تدفقاً مستمراً للأفكار المبتكرة والمحتوى الجديد، مما يعزز هيمنة الريلز على المنصة ككل.
لم تتوقف التجارب عند هذا الحد. فقد تم رصد تحديثات في منصة انستجرام تخص الأبعاد والتصميم العام للشبكة (Grid Layout)، حيث أصبحت الشبكة العمودية (Vertical Grid) هي النمط السائد، مستبدلةً التخطيط المربع الكلاسيكي الذي اشتهر به انستجرام. هذا التحول الهندسي يضمن أن تكون أغلفة “الريلز” (Reel Covers) بارزة وكبيرة، متناغمة مع الأبعاد الرأسية التي تمليها مقاطع الفيديو القصيرة.
منصة انستجرام تواصل تجديد الـ (Reels)
وفي محاولة لتعزيز الجانب الاجتماعي للريلز، ظهرت ميزة تسمح للمستخدمين برؤية خلاصات “الريلز” التي أعجب بها أصدقاؤهم. هذه الميزة، رغم أنها تعزز الاكتشاف الاجتماعي، إلا أنها أثارت مخاوف بين المستخدمين بشأن انتهاك الخصوصية، حيث تفضح بشكل غير مباشر اهتماماتهم وخوارزمياتهم الشخصية أمام أقرانهم، مما قد يجعلهم يفكرون مرتين قبل الإعجاب بأي محتوى.
في المجمل، هذه التجارب تعكس تضحية منصة انستجرام ببعض من هويتها الأصلية لصالح نموذج يضمن أقصى قدر من “وقت المشاهدة” (Watch Time)، وهو المقياس الأهم في حرب البث الحالية. إنها تسابق محموم لتتحول إلى مجرد واجهة أخرى لـ “الريلز”، حتى لو أدى ذلك إلى تهميش المراسلة المباشرة والمنشورات الثابتة التي كانت تشكل العمود الفقري للمنصة.
من الواضح أن منصة انستجرام لم تعد ترى في نفسها منصة اجتماعية بالمعنى التقليدي، بل أداة ترفيهية قائمة على الفيديو القصير في المقام الأول. إن إطلاق ميزات مثل “الريلز التجريبية” وتغيير التخطيط ليتوافق مع الفيديو العمودي، يؤكد أن المنصة لن تتوانى عن اتخاذ خطوات جذرية لضمان بقائها في قمة سوق المحتوى المتجدد، حتى لو كان الثمن هو إبعاد المستخدمين الذين يفضلون المحتوى الثابت والتواصل البسيط.
لا يسمح بنقل هذا المحتوى من سوالف دون الاشارة برابط مباشر
