
لماذا تفوَّق المجتمع الهندي في صناعة التكنولوجيا؟ وهل التجربة الهندية قابلة للتطبيق في دول اخرى وما هي الدروس المستفاده
هذا الوقت وبكل جدارة تُشكِّل فيه التكنولوجيا عصب الاقتصاد والتنمية في العالم، وهو الوقت الذي برزت فيه الهند كواحدة من أكثر الدول تأثيراً في هذا المجال، حيث أصبحت مقراً لأكبر الشركات التقنية وعمالقة البرمجة والذكاء الاصطناعي.
لكن ما السر وراء هذا التفوُّق؟ وكيف تحوَّلت الهند من دولة تعاني الفقر والتخلُّف إلى قوة تكنولوجية يصعب تجاهلها؟
لماذا تفوَّق المجتمع الهندي في صناعة التكنولوجيا؟

1. الاستثمار في التعليم التقني: قاعدة المليون مهندس
أحد أهم أسباب النجاح الهندي هو التركيز الهائل على التعليم التقني والهندسي، خاصة في مجالات البرمجة والهندسة الكهربائية والمعلوماتية. وفقاً لوزارة التعليم الهندية، يتخرَّج سنوياً أكثر من 1.5 مليون مهندس من الجامعات والمعاهد التقنية، وهو رقم يفوق أي دولة أخرى في العالم، بما في ذلك الصين والولايات المتحدة.
وتُعدُّ معاهد التكنولوجيا الهندية (IIT) من بين الأفضل عالمياً، حيث تحتل مراكز متقدمة في تصنيفات الجامعات التقنية. وفقاً لتقرير QS World University Rankings 2023، دخلت 7 جامعات هندية ضمن قائمة أفضل 200 جامعة في مجالات الهندسة والتكنولوجيا.
2. القوة العاملة: عمالقة البرمجة بأسعار تنافسية
تمتلك الهند ثاني أكبر عدد من مطوِّري البرمجيات في العالم بعد الولايات المتحدة، حيث يُقدَّر عددهم بأكثر من 5 ملايين مبرمج، وفقاً لـ NASSCOM (الاتحاد الوطني للشركات الناعمة الهندية). كما أن تكلفة العمالة التقنية في الهند أقل بنسبة 60-70% مقارنة بالغرب، مما جعلها الوجهة المفضَّلة للاستعانة بالخبرات التقنية.
ولعلَّ أبرز مثال على ذلك هو وادي السيليكون الأمريكي، حيث يشغل المهندسون الهنود مناصب قيادية في كبرى الشركات مثل Google وMicrosoft وIBM. في الواقع، 30% من رواد الأعمال في وادي السيليكون من أصل هندي، وفقاً لدراسة أجرتها جامعة ستانفورد.
3. سياسات الحكومة الداعمة: من “الهند الرقمية” إلى “صنع في الهند”
أطلقت الحكومة الهندية سلسلة من المبادرات لتعزيز الصناعة التكنولوجية، أبرزها:
برنامج “Digital India”: الذي استثمر أكثر من 20 مليار دولار لتحويل الخدمات الحكومية إلى رقمية وتوسيع نطاق الإنترنت.
مبادرة “Make in India”: التي ساهمت في جذب استثمارات تقنية بقيمة 100 مليار دولار بين 2014 و2023، وفقاً لوزارة التجارة الهندية.
كما أنَّ قطاع التكنولوجيا في الهند يساهم بأكثر من 8% من الناتج المحلي الإجمالي، ومن المتوقع أن يرتفع هذا الرقم إلى 10% بحلول عام 2025.

4. الثقافة المجتمعية: البرمجة كلغة حياة
لماذا تفوَّق المجتمع الهندي؟ في المجتمع الهندي، يُنظَر إلى التكنولوجيا والبرمجة على أنها وسيلة للارتقاء الاجتماعي والاقتصادي. تُظهر الإحصاءات أن 65% من الطلاب الهنود يفضِّلون دراسة التخصصات التقنية، مقارنة بـ 35% فقط في العديد من الدول النامية.
كما أنَّ الثقافة التنافسية بين الطلاب الهنود تدفعهم لتحقيق التميُّز، حيث يُعتبر الحصول على وظيفة في شركات مثل TCS أو Infosys حلمًا للكثيرين، إذ تُوفِّر هذه الشركات رواتب تفوق 10 أضعاف متوسط الدخل في البلاد.
5. ريادة الأعمال التكنولوجية: من بنغالورو إلى العالم
لم تقتصر القوة الهندية على العمالة التقنية فحسب، بل برزت أيضاً في ريادة الأعمال. مدينة بنغالورو، التي تُلقَّب بـ “وادي السيليكون الهندي”، تضم أكثر من 4000 شركة ناشئة، وفقاً لـ Startup India.
بعض الشركات الهندية التي غزت العالم:
- Flipkart: أكبر منصة تجارة إلكترونية في الهند، اشتُرِيت بـ 16 مليار دولار من قبل Walmart.
- Zoho: إحدى أبرز شركات البرمجيات العالمية، بإيرادات سنوية تزيد عن 1 مليار دولار.
نموذج يُحتذى به
بينما تواجه العديد من الدول صعوبات في مواكبة الثورة التكنولوجية، نجحت الهند في تحويل التحديات إلى فرص، مستفيدةً من التعليم الجيد، والقوة العاملة الماهرة، والسياسات الحكومية الذكية. اليوم، ليست الهند مجرد مُزوِّد لخدمات التكنولوجيا، بل أصبحت لاعباً رئيسياً في تشكيل مستقبل الصناعة عالمياً.
في النهاية: لماذا تفوَّق المجتمع الهندي؟ هذا النجاح ليس محض صدفة، بل هو نتاج رؤية واضحة وعمل دؤوب… والسؤال الآن: هل يمكن لدول أخرى أن تحذو حذوها؟
لا يسمح بنقل هذا المحتوى من سوالف دون الاشارة برابط مباشر