آراء وفتاوى نسخ/قرصنة البرامج - ما بين الافتراض والواقع
أستطيع أن أزعم، من واقع تجربتي الخاصة ومن الواقع الذي عاصرته من خلال تنقلي ما بين الوظائف التدريبية والتقنية، وما بين كثير مستخدمي البرامج، ما يلي:
■ ظهرت فتاوى تحلل وتستحل نسخ برامج الكمبيوتر، انطلاقاً من قاعدة إنها آتية من بلاد الغرب، التي تساند العدو المحتل لأرض المسلمين (إسرائيل) وبما إن نسخ هذه البرامج يضر باقتصاد تلك الدول فنسخها جائز شرعاً بل ومستحب، على أنه وسيلة من وسائل مقاومة العدو.
■ ظهرت فتاوى مضادة من كبار العلماء تحرم نسخ أي برنامج أو استخدامه، وتحض على استخدام البرامج الأصلية عبر القنوات الشرعية.
بين هذين الحزبين وقف الكثير من شباب المسلمين، ما بين ميال لرأي لكنه ينفذ الآخر، وبين من نفذ أولاً ثم ركن إلى فتوى أو أخرى، ومنهم من أطاع عقله، ومنهم من أطاع هوى نفسه.
بداية، نؤكد على بعض الثوابت ثم ننطلق لنتناول بالتحليل الرأي الذي نود عرضه في هذه القضية الشائكة.
بالطبع لم يكن هناك برامج أو حواسيب على عهد رسول الله، أو على عهد الصحابة أو عهد التابعين الثقات، وبالتأكيد الأمر يحتاج لدراسة وتمعن قبل الإدلاء برأي.
لكن الأهم هو أننا بشر نصيب ونخطئ، ولا ينال الخطأ من قدر أي عالم أو شيخ أو رجل أو شاب مسلم، دليلنا على ذلك الإمام الشافعي الذي أفتى بفتوى ثم لما وجد الناس يسيئون استغلال فتواه عدل عنها. ليس محل الخطأ هنا هو الفتوى – بل طريقة تعامل المسلمين مع هذه الفتوى.
قبل أن أناقش الثوابت التي بنى عليها المفتون فتواهم، اسمحوا لي أن أعرض لكم بعضاً من التجارب التي عايشتها خلال حياتي العملية، حيث سمحت لي طبيعة عملي كفني كمبيوتر/حاسوب بمعايشة مشاكل جمهور المستعملين للحواسيب على مر خمس سنوات كاملة، رأيت فيها العجب العجاب، وحللت فيها مشاكل عجز عنها الخبراء، وعجزت عن حل مشاكل رأيت بعض الهواة يتمكنون من حلها، أو التحايل عليها وتجاوزها.
على أن أكثر ما عايشته هو الشركات الناشئة والتي بدأها أصحابها معتمدين على كم الخدمات التي قدمتها أجهزة الحواسيب المتقدمة، وخاصة في مجال النشر والطباعة والدعاية والإعلانات التليفزيونية والدورات التدريبية والخدمات الهندسية والإنشائية والتصميمية والإدارية. كذلك سمحت لي هذه الوظيفة بالاحتكاك بالشركات الدولية والتي فتحت فروعاً لها في بلدي وإدارتها وفقاً لقواعدها.
خرجت بملاحظة عجيبة جداً، رأيت شباباً يجتمعون ويكونون شركة للدعاية والإعلان والنشر، وجدتهم يسعدون بأول ربح يحققونه سعادة كبيرة، ثم تجد الأرباح تزيد ثم فجأة يبدأ كل شيء في الهبوط، سواء على مر عام أو خمسة أو عشرة. وجدت المكتب الهندسي يستخدم كل من فيه ذات برنامج التطبيق الهندسي ويحققون نجاحات ثم تبدأ شتى أنواع المشاكل في الظهور.
أزعم أن كل من تحقق عليهم النموذج السابق اعتمدوا على برامج مقرصنة ـ وليست أصلية ـ ولا أعلم عن مبررهم لذلك، سواء لم يكونوا يعلمون بحتمية شراء مثل هذه البرامج، أو علموا لكنهم لم يحركوا ساكناً. أزعم أيضاً أنه ورغم بعدي الحالي عن طبيعة وظيفتي السابقة، لكن أخبار انهيار تلك الشركات التي عاصرتها لا زالت تصلني.
ولدينا في منتديات إنترنت الكثير من قصص الشباب العربي الذي اتجه لامتهان البرمجة، لكنه خرج منها كسيراً، إذ أن هوايته الجميلة لم تدر عليه عائداً يكفيه، فاضطر لامتهان مهنة أخرى تقيم أوده. وهنا حيث يجب أن نقف ونتناول الأمر بكثير التحليل.
الغرب الذي نظنه قبلة الشرور وكعبة العُصاة، نجده يحترم شيئاً يسميه الملكية الفكرية، ونجد الكثيرون منا يتناولون هذا الأمر بكثير السخرية، لكن لم نجد من يتوقف متسائلاً: لماذا فعل الغرب هذا؟ الغرب الذي نجزم أنه ينام على معاصي ويفيق على آثام، ولا هم لهم إلا المتعة الدنيوية والحسية – لماذا يهتم غرب شرير بأمر مثل هذا؟ هل هي مؤامرة على المسلمين؟
إذا تركنا نظرية المؤامرة جانباً، وغطسنا إلى أعماق المشكلة، خرجنا بنقاط تساعدنا على فهم لماذا تأخرنا بينما تقدموا هم، ولماذا نبغ علماء العرب عندما ذهبوا إلى الغرب، وخبا نورهم عندما عادوا لبلادنا.
حماية الملكية الفكرية تعني ببساطة أن من يجتهد ويفكر ويبتكر، سيساعده مجتمعه بحماية حقوق ابتكاره ويساعده بذلك على تعويض ما أنفقه في التطوير والابتكار والإبداع من خلال بيعه لابتكاره وإبداعه واختراعه. مثل هذه الحماية ستؤدي لأن يفكر المفكرون ويبدع المبدعون ويخرج المخترعون.
الأمثلة كثيرة، فلا تجد نظام تشغيل عربي (رغم أن عرب كثيرون اشتركوا في تطوير كثير من نظم التشغيل الحالية) ولا تجد تطبيقاً عربياً متكاملا ناجحاً (ظهرت مثلاً برامج كتابة عربية كثيرة وخبت، وبرامج تعريب واختفت) وغير ذلك الكثير، وجميعها تشترك في سبب من أسباب الفشل.. ألا وهو إعراض المشترين من العرب.
استباحة نسخ البرامج جعلنا عرباً متكاسلة لا تفهم أهمية دفع المقابل النقدي لشراء برنامج.
تجلس مع علية القوم، تجدهم يحسبون تكاليف التأسيس والدعاية والإعلان وأجور المائلات المميلات، ثم عند الحديث عن أثمان شراء البرامج تجدهم عباقرة توفير المال يلجأون للنسخ المقرصنة.
تتابع مدونة مبرمج أمريكي، يحكي فيها عن بدايته، فتجده وجد هذا النقص من الوظائف في برنامج ما، فعمد إلى برمجة تطبيق يوفر هذه الخدمات فأنشأ موقعاً له في شبكة إنترنت وعرضه للبيع، فأقبل المشترون عليه، فنما نشاطه ما مكنه من ترك وظيفته والتركيز على برنامجه حتى أصبح مبتكراً وأنشأ شركته ونشر قصة نجاحه، فتلقاها طلبة يدرسون فعمدوا لمحاولة تطبيق قصته.
تأتي لعالمنا العربي، حيث تجد الشباب يتسابقون في توفير البرامج المقرصنة ويتفاخرون بذلك، وتجدهم يبرعون في سرقة/نسخ البرامج والألعاب، ولعل أكثر مثال محزن لعبة تحت الرماد، القادمة من فريق عمل سوري ناشئ، ما أن تلقاها الشباب العربي حتى سعدوا بها، ثم بدأت المقارنات الظالمة مع ألعاب اليوم، حتى جاء اليوم الذي ظهرت فيه نسخة مقرصنة من هذه اللعبة، فلم يكفي أن تخلى شباب العرب عن جهاد نصرة إخوانهم، حتى بدأوا ينسخون ألعاباً تتناول قضيتهم.
لنتخيل لو كان عالمنا العربي يحترم الحقوق الفكرية، ساعتها لم نكن لنجد صحيفة عربية مرموقة تسمح لكاتب فيها بنسخ مقالات منشورة على مواقع إنترنت، أو لنجد وزارة عمل تسمح لنشاط بالاعتماد على برامج مقرصنة، ولما سمحت وزارة معلومات لشاب بإدارة موقع يوفر برامج مقرصنة أو يعمل بتطبيقات غير مرخصة.
تخيل كل ذلك يحدث، لتجد ردود فعل تالية، هذا الكاتب الذي اعتاد سرقة المواضيع، سيضطر لإعمال فكره فيخرج علينا بمواضيع وآراء تثري التجربة العربية، وهذا النشاط التجاري عجز عن شراء المنسوخ فعمد لتشجيع برامج ناشئة تعوضه عن شراء الأصلي، وهذا المصمم للمواقع انكب على البرمجة فخرج لنا بتطبيقات عربية تلبي الرغبات العربية.
تخيل النتائج الإيجابية المتوقعة، وتخيل الفتوى التي تهدم كل ذلك بإباحة النسخ والقرصنة، وقتها لرفضتها على الفور.
◄ أثناء عملي على موقع الألعاب للعرب، خرجت صحف عربية في قطر والكويت والإمارات بمقالات كتبتها أنا، ولما شكونا من ذلك هددونا بالويل والثبور لأننا ننشر معلومات مضللة عنهم، ولما عرضنا عليهم شراء مقالاتنا، رفضوا. الشاهد من القصة، هجرت أنا موقع الألعاب وهجروا هم الحديث عن الألعاب لعدم عثورهم على مصدر ينقلون منه.
◄ في الوقت الراهن، يبلغ حجم صناعة تقنية المعلومات في العالم العربي 17 مليار دولار، تعمل فيها 32 ألف شركة توفر 220 ألف فرصة عمل وتدفع ضرائب سنوية تعادل 6.6 مليار دولار.
◄ وفقاً لاتحاد منتجي البرامج التجارية المصري، فيكفي العرب خفض نسبة القرصنة من 58% إلى 48% من أجل رفع حجم صناعة تقنية المعلومات في العالم العربي إلى 27 مليار دولار بحلول عام 2009، أو ما يعادل خلق 150 ألف فرصة عمل عربية جديدة.
◄ أشار تقرير أصدرته مؤخراً “جمعية منتجي برامج الكمبيوتر التجارية” (BSA) إلى أن تخفيض معدلات القرصنة بنسبة 10% في الكويت خلال الفترة ما بين عامي 2006 و2009 سيساهم في زيادة معدل نمو قطاع تكنولوجيا المعلومات من 68% إلى 75%، وتحقيق 8.2 بليون دولار أمريكي وخلق 667 فرصة عمل جديدة برواتب عالية وإضافة 357 مليون دولار أمريكي إلى الناتج المحلي لدولة الكويت.
نشرت هذه المقالة في 31 مارس في ملحق أيامنا الذي يوزع مع جريدة الوطن القطرية.
الكاتب: رءوف شبايك