الأسماء المستعارة ومصداقية الموقع
قبل ثلاث سنوات تقريبًا دخلت عالم الشبكة العنكبوتية، وكان عالمًا جديدًا لي ولغيري، فهو مليء بالمعلومات المتجددة، والمعارف المتنوعة، والأمور غير المتوقعة، ونتيجة لذلك استخدمتُ كما استخدم غيري التستر تحت الأسماء المستعارة لمواجهة هذا الكائن الجديد.
لقد أتاحت الشبكة العنكبوتية نوعًا من التحرر من القيود لديّ، فدخلت عالم المنتديات وبدأتُ في صراع لغوي وأدبي مع الطرف الآخر؛ حيث يمكنك أن تطعن فيمن تكره، وأن تمجد من تحب دون أن تكون عليك رقابة سوى رقابة خالقك –سبحانه-
هذه المواقع أتاحت لي أن أعبر عن أفكاري التي لم يكن يسمح بها في قاعات كلية اللغة العربية؛ حيث اشتهرت بالطرد من القاعات، وكدت أن أخسر الشهادة الجامعية بسببها. ولا يذهبن ظنك بعيدا، فهي آراء أدبية ولغوية، ولم أكن في يوم من الأيام من المتهجمين على شرائع الإسلام.
كان هناك طرفان تختلف نظرتهم لي ولغيري ممن دخلوا في نقاشات : فريق معجب وفريق ساخط، والحقيقة أن كلا الفريقين مخطئ في التقدير؛ لأنك تعجب أو تسخط من ( شبح ) كما يقال، وليس أمام شخصية اعتبارية.
لقد كنا في خوف من البوح بأفكارنا بأسمائنا الحقيقية بالرغم من أن هذه الأفكار ليست سياسية، أو دينية.
وحينما أراد أحدهم أن يتعرف عليَّ دخلت معه في تحقيق : لماذا؟ ومن وراءك؟ وماذا تريد؟
والمسألة لم تكن تحتمل كل هذا.
لكنني جعلت هذا الخوف خلف ظهري، ولما بدأت في التفكير في إنشاء موقع للغة العربية سجلت في سوالف باسمي الحقيقي ( عبد الرحمن ) ولم أكتب الاسم كاملا من أجل الاختصار فقط لا غير.
إذا حللنا قضية الأسماء المستعارة فهي لا تخلو من أربع حالات منتشرة :
1 – الحالة الأولى : الفئة المهتمة بالسياسية، وهذه الفئة تتستر خلف أكثر من اسم غالبًا للبوح عن أفكارها السياسية؛ ولا يمكن أن تكتب بأسمائها الحقيقية خوفًا من بطش الأنظمة العربية الحاكمة التي لا تعرف معنى الحرية فضلا عن السماح بها.
وفي اعتقادي أن هؤلاء لو حكموا البلاد العربية لكانوا أشد من الحكام بطشًا!
2 – الحالة الثانية : الفئة المهتمة بالقضايا الشرعية، وهذه الفئة تتستر خلف أكثر من اسم غالبًا، وهي تشبه إلى حد كبير الفئة السابقة، فهي فئة تريد طرح أفكارها من تكفير أو تبديع أو تفسيق أو تطبيل لشيخ ما.
وهذه الفئة تتستر خوفًا من الناس والأنظمة.
3 – الفئة الثالثة : فئة تهتم بصيد الجنس اللطيف، ولهذا تراها تدخل مواقع الفتيات، والمنتديات المخصصة للفتيات.
وهذه الفئة تتستر بأكثر من اسم؛ للحصول على فرصة أكبر في صيد وفير! والتستر لمدة معينة إلى أن يلقى صيده، ثم ينكشف القناع.
4 – الفئة الرابعة : فئة تهتم بالتصميم والبرمجة، وهذه الفئة لا تتستر خوفًا بل تتسر تمشيًّا مع الطابع العام، وهي أكثر الفئات من حيث انتشار الأسماء الحقيقية.
والآن نتقل إلى صلب الموضوع؛ إذ ما سبق مقدمة لإيضاح الموضوع :
المتصفح لكثير من المواقع العربية يرى تستر أصحابها خلف الأسماء المستعارة، والذي يهمني من هذه المواقع هي مواقع البرمجة والتصميم، ومواقع المعلومات العلمية (شرعية، لغوية، طبية، علوم تطبيقية ...)؛ إذ إنه معلوم أن أصحاب المواقع السياسية، أو الدينية، أو المنحطة أخلاقيا يتسترون خلف الأسماء المستعارة لأسباب مقنعة لديهم.
هناك مواقع لا يمكن أن تكون لها مصداقية تحت الأسماء المستعارة مثل بعض المواقع الشرعية، وأضرب مثلا بموقع الشيخ سلمان العودة ( الإسلام اليوم ) لو كان أبو معاذ متسترا خلف اسم ( فتى بريدة )، أو ( عاشق الخبيبية ) فهل سيكون لموقعه مصداقية لدى الآخرين؟
إن من أسباب نجاح الموقع هو الوضوح والشفافية، فالناس يعلمون أن الموقع تحت إشراف سلمان العودة ، وسلمان رجل معروف، فلهذا اكتسب الموقع مصداقية، ولو كان تحت اسم مستعارة لما قبل الناس أن يأخذوا دينهم من الفتوى والدروس من شخصية مجهولة لا يعلم توجهها أو علميتها.
ولو أنّ أحدهم وضع موقعًا طبيًا لعلاج السرطان مثلا تحت اسم مجهول لما أخذ الناس عنه؛ لأن هذه مسألة لا عبث فيها!
ولما أنشأت موقعي وضعتُ لها خطة كاملة، ومن ضمنها مصداقية الموقع، وهذه المصداقية لا تكون خلف الأسماء المستعارة.
ولو زار أحدكم صفحة ( الاستشارة اللغوية ) لرأى أسماء حقيقية لا تخشى من بث أفكارها الصحيحة.
ومن الشروط التي وضعتها في المنتدى : أن يكون التسجيل بالاسم الحقيقي كاملا، ولا يقبل التسجيل بالأسماء المستعارة، ولا الكنى، والألقاب.
أنا لا تهمني كثرة العدد ( 99% من مشاركات المنتدى لي ) والمنتدى موضوعاته قليلة؛ لأن ( الكم ) لا يهمني، ولا يهمني الغثاء.
قد يقول قائل : هناك مواقع مشتهرة جدا وأصحابها يتسترون خلف الأسماء المستعارة
فأقول له :
كلامي على المواقع التي تحترم عقل القارئ، أما تلك المواقع فغير مأسوف عليها!
أكتب لكم هذه القضية لكثرة ما تأتيني من انتقادات على طريقتي في الموقع حتى وصل الأمر ببعضهم إلى التهكم فرددت عليه بالتهكم أيضا كما قال عمرو بن كلثوم :
ألا لا يجهلن أحد علينا *** فنجهل خلف جهل الجاهلينا
ولا أكتب لكم كي أغيري فكرتي، بل أنا مقتنع بها إلى حد اليقين؛ لكني أحب أرى عقليات الآخرين في هذه المسألة.
فملخص الموضوع :
1 - لماذا تتستر خلف اسم مستعار وأنت شخصية مهتمة بالبرمجة، أو التصميم، أو بالأمور العلمية المتزنة ( شرعية، لغوية، علوم تطبيقية، معارف عامة ) باختصار : ليست هناك مشكلة من معرفة اسمك ؟
2 – هل ترى أن مصداقية الموقع تختفي مع الأسماء المستعارة، وتظهر مع الأسماء الحقيقية؟
3 – لو كان هناك موقعان يهتمان بالعلاج النفسي : أحدهما صاحبه معروف باسمه الحقيقي، والآخر صاحبه مجهول يكتب باسم مستعار، فهل يستويان عندك؟
4 – هل ترى انتقاد مسلك الأسماء المستعارة في المواقع العلمية انتقاد صحيح؟ أو المسألة فيها سعة؟
5 – هل نبذ الأسماء المستعارة يؤدى تطوير المواقع العربية؟
كتبه :
عبد الرحمن بن ناصر السعيد
صاحب موقع الشنكبوتية