في الحقيقة يا اخوان ترددت كثيرا في طرحي لهذا الموضوع
ولكن احس من واجبي ان اكتب مايمليه علي ضميري
لاحظنا في الفترة الأخير كثير من التهجم او محاولة تشوية للسمعة او التقليل من قدر بعض المواقع او المساس بأصحابها بشكل مباشر او غير مباشر
وكل من يكتب موضوع من هذه النوعيات يتخذ النصح او الإنتقاد ذريعة له في طرحه لموضوعه
اذا كانت النية إنتقاد فليعلم الجميع ان الإنتقاد نوعين
إنتقاد مثمر ومفيد وهو مايسمى بالإنتقاد البناء وهو للأسف قليل
وإنتقاد الغرض منه البلبة والتشهير والإقلال من شأن الغير وهذا هو الدارج
اما من يدعي انه ناصح وان نصيحته لوجه الله تعالى فأقول له ان النصيحة لها شروطها وطرقها السليمة
فليس من المعقول ان تأتي في مجلس مليئ بالناس وتقول يافلان انا انصحك تشيل الدش من بيتكم فهو حرام
يقول الشافعي رحمة الله وغفر له
تـعمـّدني بنصحك في انفرادي ***
وجنـّـبـني النـصيحة في الجماعة
فإن النصح بـيـن الناس نوعٌ
*** من التوبـيخ لا أرضى استـماعه
وإن خالفتني وعـصـيت قولي
*** فلا تجـزع إذا لم تـُـعطَ طاعه
والغريب في الأمر ان البعض اتخذ النصح ستار لبث سمومه هنا وهناك وجعل كلمة النصح غطاء لاهدافه والتي يقصد بها الإساءة او التشهر او تشويه السمعة بل ربما يتعدى ذلك للقذف احيانا عافانا الله واياكم من هذا
ياهاتكاً حـُرَمَ الرّجال وقاطعاً
*** سـُبـُـلَ المودّة عشت غير مكرّم ِ
لو كنـّت حـُـرّاً من سلالة ماجدٍ
*** ماكـُنتَ هتـّاكاً لحرمة مسلـم ِ
من يـَزْنِ يـُـزنَ بهِ ولو بِـجـِدارِهِ
*** إن كنت ياهذا لبـيـباً فافـْـهـم ِ
فهل هو الحسد او الكره او البغضاء او حب التسلق للضهور من خلال مثل هذه المواضيع ؟؟
ان من اساسيات النجاح هو التنافس الشريف
ولكن للأسف نجد ان الكثير اصبح تنافسه غير شريف بل تعدى ذلك الى الحقد والحسد ومحاولة الإطاحة بمنافسيه بأي طريقة فهذا النوع من الصعب التخلص من شره ومن حسده بسهولة
كـلّ الـعـداوة قد تـُرجـى مودّتـها
*** إلا عـداوة من عـاداك عن حـسـَد ِ
كما ان من يقع في مثل هذه الأمور قد يكون وقع في محرمات عضيمة مثل الغيبة
أحياناً من بواعث الغيبة إرادة التصنُّع والمباهاة وهو أن يرفع نفسه بتنقيص غيره ، باعثها الكبر ، هو لا يفعل هذا ، هو فوق هذه المشكلة ، وأحياناً يكون الحسد هو باعث الغيبة ، وهو أن يحسد من يثني الناس عليه ويحبونه ويكرِّمونه ، فيريد زوال هذه النعمة عنه ، فلا يجد سبيلاً إلا بالقدح فيه حتَّى يكفُّوا الناس عن الثناء عليه وإكرامه .
قال صلَّى الله عليه وسلَّم :
" كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ "
العِرْضُ هو المَعْنِيُّ بالغيبة موطن المدح والذمِّ في الإنسان ، والغيبة تتناول العِرْض
أما التعريف الجامع المانع للغيبة فهو قول النبي عليه الصلاة والسلام :
" قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْغِيبَةُ قَالَ ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ"
( من سنن الترمذي : عن " أبي هريرة " )
وإنما حُرِّم الذكر باللسان بما فيه تفهيم الغير نُقْصَان أخيه ، لذلك كان التصريح غيبة ، والتعريض .. فلان .. ولم يتكلَّم بشيء ، والتعريض غيبة كالتصريح ، والإشارة غيبة ، والإيماء غيبة ، والغَمْزُ غيبة ، والهَمْزُ غيبة ، والكتابة غيبة ، والحركة غيبة ، وكل ما يُفْهَم المقصود فهو داخلٌ في الغيبة ، هذا الذي جاء البارحة وكان مسافر .. حكيت عنه .. وهو معروف من الذي كان مسافر ، لك أخ جاء ، لك ابن عم جاء من السفر أنت لم تقل اسمه بل قلت : كان مسافر وحضر ، هذه قرينة تشير إليه فهي غيبة .
فمن أومأ بيده إلى قِصَرِ أحدِ أو طوله أو حاكاه في المشي ـ أي قلَّده كما يمشي ـ والكتابة عن شخصٍ في عيبٍ به غيبة لأن القلم أحد اللسانين .
أحياناً المغتاب يعمل نفسه صاحب دين فيقول لك : الحمد لله الذي لم يبتلينا بما فعل فلان ، الحمد لله يا رب لك الحمد ، وهذه هي الغيبة بعينها ، يحمد الله على أنه لم يبتله بما فعل فلان ، هذه كذلك غيبة .
وأحياناً المغتاب ذكي يمدح المغتاب فيقول لك : يا أخي ما أحسن أحوال فلان لولا أنه فعل كذا وكذا ، ما في أرقى منه ، لكن في كم نقطة عليه ، بعدما قال : ما في أرقى منه ذكر الغيبة كلها ، فلو بدأت بالمديح غيبة ، لو دعيت الله أنه أكرمك وأنجَّاك من الذنب غيبة .
هذا والله اعلم
تحياتي