من بطن السفينة التي جالت بهم في شارع السيف في دبي، خرجت رغوة بيضاء غطت الاسفلت وزادت من دهشة الجمهور المحتشد وهلعه. كانوا أكثر من عشرة، تجاوز طول الواحد منهم الثلاثة أمتار، كما ظهرت ثقوب واضحة في أجنحتهم البيضاء. أياديهم أجنحة ممزقة وأقدامهم من العصيّ أو المعدن. بعضهم بدا كفراشة عملاقة خارجة للتو من شرنقة سحرية، والبعض الآخر كشبح نادوه من المدخنة المظلمة حيث يسكن منذ ألف سنة. وجوههم قديمة ككتاب حكايات الرعب الأسطورية، مسودة، منقطة، مبقعة... لا يتكلمون بــل يرقصـــون على أنغــام الغيتار. اختاروا توقيت شهر التسوق الحاصل في دبي وهبطوا بسفينتهم الى الشارع المطل على الماء. النوارس علمت بقدومـــهم قبل البشر، فاختفت عن الحافات.
عرض أسيوي في مهرجان دبي.
قالت الفتاة الهندية أنهم مومياءات هرم مصر، أتوا الى دبي في مهمة شيطانية»: انهم يستهدفون المدن الحديثة، المدن النضرة، يحطون فيها كسرب جراد لا مبال، يسرقون روح النضارة والشباب ويعودون الى أهراماتهم طامحين بمزيد من الخلود».
وفيما السائحة الاسترالية تراقب بالونات الصابون التي كانت تخرج من فم أحدهم، وقد وقف يتنطط بقدمين معدنيتين حلزونيتين، همس صديقها في أذنها قائلاً: «أعتقد بأنهم سكان قمر تيتان، قمر زحل الكبير. هناك يتنفسون الصابون كما نتنفس الأوكسيجين هنا، على كوكبنا الأرضي. انظري الى هذه الرغوة التي تملأ الاسفلت، انها دماء فائرة من بطن سفينتهم. الدماء عندهم رغوة. لا بد أن أمراً ما حدث في قلب السفينة».
عربات الشرطة ملأت المكان، ورجالها الذين كانوا يحرسون موكب «سكان تيتان» لم يجل في خاطرهم ما ألمح اليه صديق السائحة الاسترالية التي تخلت عن حذرها لتلتقط من الشارع وريقة بيضاء مستديرة كانوا ينشرون المئات منها في الطريق أينما مشوا. خبأت الوريقة في حقيبتها كمن يخبىء صيداً ثميناً وقالت لصديقها: «على هذه الوريقات رسائل مشفرة. معلومات عن خططهم وأهدافهم. حين أعود الى استراليا، مع نهاية شهر التسوق بعد شهر من اليوم، سأعرضها على مركز أبحاث متخصص بلغات الكائنات غير البشرية وسأكتب تقريراً يفيد حكومة دبي في حقيقة الأمر».
بعد نصف ساعة كانت السفينة تختفي بين الأشجار وسط ذهول الجمهور. الشرطة استدعت على الفور الاطفائية التي جاء رجلها بخرطوم مياه طويل ليزيل أثار الرغوة عن الاسفلت. تلك السيارة التي تعطلت مسيرتها لأكثر من عشرين دقيقة بسبب الزحام في الشارع، قررت اقتحام الرغوة فارتفع صوت من بين الحشد، لم يستطع أحد تحديد مصدره، يصرخ في السائق: «لا تسير وسطها، ستحل بك لعنــتهـــم وتقـــضي فـــي شرنـــقة مبقعــة».
على مقعد صغير من الباطون، كان طفل ينتش من عرنوس الذرة المشوي الذي التقطه من الجانبين ويضحك. كان يقول: «ما بالهم يتخيلون ويتوهمون، لا أشباح ولا مومياءات ولا هجوم من تيتان ولا رغوة قاتلة. انه فقط عرض متجول من عروض الشارع التي تملأ دبي خلال شهر التسوّق».
بالفعل، لقد صدق الطفل، آكل «العرنوس»، لم يكن الأمر أكثر من عرض متجوّل ألبسه التخيّل وصفاً مثيراً. :funny: :funny: :funny: :funny:
المصدر :دبي الحياة 2005/02/1