بسم الله الرحمن الرحيم
يخطئ من اعتقد أن كل من أطلق لحيته وقصر ثوبه ورمى عقاله، شخص منزه عن الخطأ، أو ملك نزل من السماء لا يخطئ ، ولا الخطأ يعرف دربه، متناسيا بذلك قول المصطفى صلى الله عليه وسلم : (سددوا وقاربوا، وأعلموا أنه لن ينجو احد منكم بعمله قالوا ولا أنت يارسول الله ؟ قال : ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل). رواه مسلم
ومن خلال هذا الحديث نقول أذا كان سيد الخلق ومن اصطفاه الله سبحانه وتعالى رحمة للعالمين يقول انه لن يدخل الجنة بعمله ولكن برحمة الله ، فكيف نأتي نحن ونوجد فئة معينة ونميزها عن باقي المسلمين بكلمة (ملتزم) وبذلك يصبح باقي الناس تبعا لهذا التمييز يوصفون بكلمة (غير ملتزم).
وبهذا يصبح من يسمى بالملتزم قد أحاط نفسه بمظاهر مبالغ فيها أحيانا تجعله مميزا عن باقي المسلمين مثل إطالة اللحية أكثر من المعتاد... والتي كان عبدالله بن عمر رضي الله عنهما يمسك لحيته بقبضة يده فما زاد عنها يقصه... و تقصير الثوب إلى منتصف الساق وقد يصل إلى تحت الركبة، وعدم لبس العقال... الذي قال عنه أبن باز يرحمه الله عندما سأله احدهم عن لبسه ( ائتوني بعقال وعندما أعطوه وضعه على رأسه وقال حتى لا يقال ابن باز لا يلبس العقال)، و كذلك وضع الساعة في اليد اليمنى.
كذلك بعض الألفاظ التي يميز نفسه بها لتجعل منه منتميا إلى هذه الفئة مثلا ( ياشيخ أو ياشيخنا )... والمعروف أن هذا اللقب لا يستخدم إلا للعالم الجليل أمثال الشيخ أبن باز أو شيخ الإسلام أبن تيمية أو الشيخ على ربعه وجماعته... وكذلك كلمة ( يجزاك خير).
وبحكم إننا شعب عاطفي والدين عندنا ولله الحمد في المقام الأول فان إيجاد فئتين ( ملتزم ) و ( غير ملتزم ) يجعل الناس يمجدون هذا الملتزم وإنزاله منزلة هو ليس مؤهل لها على حساب الفئة الأخرى، والتي لا ذنب لها سوى أنها لم تتخذ هذه الأفعال شعار لها ، وهنا تبدأ المشكلة المتمثلة بالثقة العمياء في هذا الشخص لمجرد المظهر متجاهلين المضمون.
فان كان مديرا سلمه زمام الأمور وأن كان صديقا ائتمنه على أدق تفاصيل حياته وأن كان زميل عمل ألغى جانب الحيطة والحذر من قاموس تعامله معه حتى انه قد يوقع على جرد العهدة دون إن يجرد.
كثيرا ما يقع البعض منا في هذه الإشكالية خلال مسير أحداث حياتنا اليومية، ولطالما كنت واحدا من تلك الفئة ولم اجني إلا الندم دائما .
ننسى دائما أن الإنسان بشر من لحم ودم، له مشاعر وأحاسيس، يحب ويكره، يخطئ تارة ويصيب أخرى، تتأثر حياته بالمتغيرات التي تحدث من حوله.
أنا لا أعمم هذا القول على الكل ليأتي شخصا ما فتأخذه العزة بالإثم فيستل قلمه مدافعا دون تفكير أو تمحيص أو تبصر، فهائنا ذا أقول بأن هذه ليست قاعدة يتخذها الإنسان منهاجا فتكون ديدنه مع كل من ينطبق عليه هذا الوصف ، ذلك أن التعميم في الحكم ما هو إلا حيلة العاجز الذي لا يملك من الحجة و البصيرة التي تنير له دربه إلا القدر القليل.
أن هناك من العلماء والدعاة الذي يتقون الله حق تقاته ويتمسكون بسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم ، فترى النور يشع من وجوههم لا يخشون في الله لومة لائم .
إنما محور حديثي يتركز على تلك الفئة التي تتشبه بالعلماء وهذا في حد ذاته ليس خطأ ، وإنما الخطأ يبدأ من عندنا نحن عندما نضعهم في منازل العلماء والأتقياء فنتعامل معهم على هذا الأساس وما نلبث أن نفاجأ بشخص عادي، عند ذلك وفي لحظة يتسرب الشيطان من خلالها إلى أنفسنا نبدأ بتعميم الحكم على الجميع.
والجانب الأخر إننا نخطأ بالثقة المفرطة لمجرد المظهر فنظلم أنفسنا ونظلم الآخرين عندما نجعلهم في مرتبة اقل من هؤلاء، واعني بالآخرين من لا يماثلهم بالمظهر وقد يكونوا عند الله عز وجل أزكى و اطهر ، ورب أشعث اغبر لو اقسم على الله لأبره.
يقول ابن القيم الجوزيه رحمه الله إنما يخشى على العبد الطائع القائم أن يغره عمله فيأتي الله متباهيا متكبرا على الله جل وعلا بعمله متناسيا أن المنجى من الله برحمته لا بعمل العبد الذي لا يغنيه عن رحمة ربه شيء، أما العبد المقصر والذي لا يملك رصيدا كافيا من أعمال الخير فانه يكون منكسرا أمام ربه راجيا رحمته .
يقول الله عز وجل : ( قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم واحد فاستقيموا إليه واستغفروه ) فصلت
وفى قول الله عز وجل : ( فاستقيموا إليه واستغفروه ) يقول ابن رجب الحنبلي : إشارة إلى إنه لابد من تقصير في الإستقامه المأمور بها، فيجبر ذلك بالاستغفار المقتضى للتوبة والرجوع إلى الاستقامة فهو كقول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه: (اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها ).
فإذا كانت الاستقامة مهما بلغت لابد ما تشوبها شائبة من شوائب التقصير التي بالتالي تستوجب الاستغفار الدائم ملاصقا لها، فكيف نحكم على شخص من خلال مظهره الذي ليس بالضرورة يعكس داخله، متناسين إنسانيته التي ليست منزهة عن الخطأ.
كثيرا ما نشاهد منظرا غريبا يتكرر في العمل أو مسجد الحي الذي نسكن فيه أو حتى في الشارع، هذا المنظر يتمثل في شخص متعلم يستفتي أي شخص يقابله لمجرد انه ملتحي ومقصرا ثوبه، ولا أبالغ إذا قلت أن السائل قد يكون مدير الإدارة والمسئول الساعي الذي يقدم الشاي ولا يحمل من المؤهلات العلمية ألا مظهره الخارجي وانتمائه لما يسميه البعض فئة الملتزمين .
أن تقسم المجتمع المسلم إلى فئتين ملتزم وغير ملتزم أمر دخيل علينا وأخال نفسي لست مخطأ إذا قلت أن هذا من تخطيط أعداء الإسلام الذين حققوا نجاحات باهرة في تأليب المسلمين ضد بعضهم تحقيقا لقاعدة (فرق تسد) وإيجاد جماعات متشددة ضلت طريقها وشوهت دينها وخسرت دنياها وأخرتها وصدق فيهم قول الله تعالى ( قل هل ننبئكم بالاخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ) سورة الكهف
فمن يتفكر في هذه الآية الكريمة يرى جليا كيف أن الإنسان يقضي حياته وهو معتقد انه على الطريق الصحيح، وبهذا الاعتقاد قد يقف مقارعا الجميع، سابحا عكس التيار، وإذا به يجد نفسه على قارعة طريق الخسران والعياذ بالله.