إذا تركنا نظرية المؤامرة جانباً، وغطسنا إلى أعماق المشكلة، خرجنا بنقاط تساعدنا على فهم لماذا تأخرنا بينما تقدموا هم، ولماذا نبغ علماء العرب عندما ذهبوا إلى الغرب، وخبا نورهم عندما عادوا لبلادنا.
حماية الملكية الفكرية تعني ببساطة أن من يجتهد ويفكر ويبتكر، سيساعده مجتمعه بحماية حقوق ابتكاره ويساعده بذلك على تعويض ما أنفقه في التطوير والابتكار والإبداع من خلال بيعه لابتكاره وإبداعه واختراعه. مثل هذه الحماية ستؤدي لأن يفكر المفكرون ويبدع المبدعون ويخرج المخترعون.
الأمثلة كثيرة، فلا تجد نظام تشغيل عربي (رغم أن عرب كثيرون اشتركوا في تطوير كثير من نظم التشغيل الحالية) ولا تجد تطبيقاً عربياً متكاملا ناجحاً (ظهرت مثلاً برامج كتابة عربية كثيرة وخبت، وبرامج تعريب واختفت) وغير ذلك الكثير، وجميعها تشترك في سبب من أسباب الفشل.. ألا وهو إعراض المشترين من العرب.
استباحة نسخ البرامج جعلنا عرباً متكاسلة لا تفهم أهمية دفع المقابل النقدي لشراء برنامج.
تجلس مع علية القوم، تجدهم يحسبون تكاليف التأسيس والدعاية والإعلان وأجور المائلات المميلات، ثم عند الحديث عن أثمان شراء البرامج تجدهم عباقرة توفير المال يلجأون للنسخ المقرصنة.
تتابع مدونة مبرمج أمريكي، يحكي فيها عن بدايته، فتجده وجد هذا النقص من الوظائف في برنامج ما، فعمد إلى برمجة تطبيق يوفر هذه الخدمات فأنشأ موقعاً له في شبكة إنترنت وعرضه للبيع، فأقبل المشترون عليه، فنما نشاطه ما مكنه من ترك وظيفته والتركيز على برنامجه حتى أصبح مبتكراً وأنشأ شركته ونشر قصة نجاحه، فتلقاها طلبة يدرسون فعمدوا لمحاولة تطبيق قصته.
تأتي لعالمنا العربي، حيث تجد الشباب يتسابقون في توفير البرامج المقرصنة ويتفاخرون بذلك، وتجدهم يبرعون في سرقة/نسخ البرامج والألعاب، ولعل أكثر مثال محزن لعبة تحت الرماد، القادمة من فريق عمل سوري ناشئ، ما أن تلقاها الشباب العربي حتى سعدوا بها، ثم بدأت المقارنات الظالمة مع ألعاب اليوم، حتى جاء اليوم الذي ظهرت فيه نسخة مقرصنة من هذه اللعبة، فلم يكفي أن تخلى شباب العرب عن جهاد نصرة إخوانهم، حتى بدأوا ينسخون ألعاباً تتناول قضيتهم.
لنتخيل لو كان عالمنا العربي يحترم الحقوق الفكرية، ساعتها لم نكن لنجد صحيفة عربية مرموقة تسمح لكاتب فيها بنسخ مقالات منشورة على مواقع إنترنت، أو لنجد وزارة عمل تسمح لنشاط بالاعتماد على برامج مقرصنة، ولما سمحت وزارة معلومات لشاب بإدارة موقع يوفر برامج مقرصنة أو يعمل بتطبيقات غير مرخصة.
تخيل كل ذلك يحدث، لتجد ردود فعل تالية، هذا الكاتب الذي اعتاد سرقة المواضيع، سيضطر لإعمال فكره فيخرج علينا بمواضيع وآراء تثري التجربة العربية، وهذا النشاط التجاري عجز عن شراء المنسوخ فعمد لتشجيع برامج ناشئة تعوضه عن شراء الأصلي، وهذا المصمم للمواقع انكب على البرمجة فخرج لنا بتطبيقات عربية تلبي الرغبات العربية.
تخيل النتائج الإيجابية المتوقعة ...